قالت المفاوضة الفلسطينية المخضرمة حنان عشراوي إن إسرائيل ما فتئت تستهدف المقدسيين بشكل منتظم، واضعة إياهم تحت حصار مضاعف ثلاثة أضعاف، إلى أن وصلت الأمور في المدينة إلى وضع لا يحتمل.
وفي مقابلة مع “ميدل إيست آي” أجراها رئيس تحرير الموقع الكاتب البريطاني ديفيد هيرست أكدت عشراوي أن اسرائيل ما فتئت تستهدف المقدسيين بشكل منتظم، واضعة إياهم تحت حصار مضاعف ثلاثة أضعاف، إلى أن وصلت الأمور في المدينة إلى وضع لا يحتمل.
وتقول الدكتورة عشراوي: “من الأخطاء القاتلة في اتفاقية إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) أن هذا الاتفاق ترك المقدسين تحت رحمة إسرائيل، ثم بعد ذلك سمح المجتمع الدولي لإسرائيل بمعاملة المقدسيين بصفة مواطنين في المدينة لدى اسرائيل كامل الصلاحيات بالتصرف بأنفسهم وبأراضيهم وبمواردهم. إلا أن إسرائيل، ومنذ اليوم الأول، عاملت القدس كما لو كانت قد ضُمت بحكم الأمر الواقع، وذلك حتى قبل أن يقوموا بضمها فعلياً من الناحية القانونية. وبدأ الإسرائيليون في وقت مبكر بممارسة سياسة منتظمة من التطهير العرقي، فغيروا بشكل جذري معالم المدينة تاريخاً وثقافة. وبات الحصار والتقسيم هو ديدن السياسة الإسرائيلية يطبق في القدس كما يطبق في الضفة الغربية، حيث يقومون بفرض الحصار والتحكم بالمعابر دخولاً وخروجاً، ثم بعد ذلك يفتتونها تفتيتاً كاملاً من الداخل. وقاموا بزرع المستوطنات والمستوطنين داخل القدس، ثم أحاطوها بثلاث دوائر، وبذلك أصبح الحصار ثلاثياً: المستوطنات التي أنشئت في وقت مبكر، ونقاط التفتيش العسكرية وجدار الفصل العنصري، ما حول القدس إلى مكان يحظر على كل فلسطيني لا يحمل هوية مقدسية الوصول إليه. وهذا يعني أن إسرائيل نجحت في سحب القدس تماماً من قلب فلسطين من حيث الوحدة الترابية، ومن حيث التركيبة السكانية ومن حيث إمكانية الوصول إليها ومن حيث الثقافة ومن حيث المؤسسات. ورحم الله أياماً كانت مستشفيات ومدارس القدس في خدمة كل فلسطين”.
وأضافت عشراوي: “تقوم إسرائيل ببعض أشد الممارسات وحشية ضد المقدسيين، الضرائب مرتفعة ولا توجد خدمات، وتم فعلياً تحويل المناطق الفلسطينية إلى غيتوات معزولة، هذا بينما تستمر سرقة الأراضي، بحيث لم يبق في أيدي الفلسطينيين سوى 12 إلى 13 بالمائة من أراضيهم، ناهيك عن الآلاف المؤلفة من المصادرات التي يقوم بها جيش الدفاع الإسرائيلي، والتسبب في تشتيت شمل العائلات. العنف يولد العنف. لقد بلغت الأمور الآن حداً لم يعد محتملاً على الإطلاق”.
الدكتورة عشراوي نفسها مقدسية تحمل هوية القدس، إلا أن اثنتين من بناتها صودرت منهما هوياتهما المقدسية. تقول الدكتورة إن الخلل الأساسي في اتفاقيات أوسلو هو أنها أجلت البت في قضية القدس.
“ما كنت لأوقع على اتفاقية إعلان المبادئ لو عرفت أنها تتضمن التخلي عن السلطة في القدس. أنا لدي هوية مقدسية، وكذلك بناتي كن يحملن الهويات المقدسية إلى أن صودرت منهن. نحن نسمى أنفسنا جماعة مدريد وواشنطن، ولسنا جماعة أوسلو، لقد كانت مقاربتنا مختلفة تماماً، فنحن لم نؤجل القضايا الحقيقية. بل لقد ناقشنا قضية حقوق الإنسان، وقضية القدس، والدولة، والحدود. وطالبنا بأن تكون لنا السلطة على سجل السكان وعلى سجل الأراضي. إذا كانت إسرائيل تتحكم بالسجلين فأنى لك أن تصبح حراً؟ ولذلك ليس عجباً أن يشعر المقدسيون بأنه تم التخلي عنهم، وبأنهم عرضة للخطر وعرضة للاستهداف. وفعلاً، لم تتوقف إسرائيل يوماً عن استهدافهم، وبشكل منتظم”.
ليس باستطاعة لا السلطة الفلسطينية ولا منظمة التحرير الفلسطينية أن تمارسا أي عمل في القدس. تقول الدكتورة حنان عشراوي بأن إسرائيل مزقت الوعود التي قطعها على نفسه وزير خارجيتها السابق شمعون بيريز في خطاب وجهه إلى وزير الخارجية النرويجي جون هولست تعهد فيه بحماية المؤسسات الفلسطينية في القدس.
في خطابه المؤرخ في الحادي عشر من أكتوبر 1993، كتب بيريز ما يلي: “جميع المؤسسات الفلسطينية في القدس، بما في ذلك المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والحرم الشريف والمواقع الإسلامية، تؤدي وظائف مهمة بالنسبة للسكان الفلسطينيين. ولا أحتاج للتأكيد على أننا لن نعيق نشاطاتها، بل على العكس، سوف نشجع هذه المؤسسات على إنجاز المهمات المناطة بها”.
ولكن بعد محاولات متكررة من قبل نتنياهو، خلال دورته الأولى كرئيس للوزراء، ثم بعد ذلك من قبل عمدة القدس في حينه، إيهود أولمرت، تم إغلاق بيت الشرق، المقر السابق لمنظمة التحرير، على يد آرييل شارون أثناء الانتفاضة الثانية.
وتقول الدكتورة عشراوي، التي تنتمي إلى الطائفة الإنجليكانية وإن كانت غير ملتزمة دينياً: “والآن لدينا هذا الاعتداء المستمر على الحرم الشريف وعلى المسجد الأقصى، إمعاناً في إهانتنا وفي تحد سافر لعقيدتنا وديننا”.
وتقول الدكتورة عشراوي إن المحاولات التي تبذل لإجبار الفلسطينيين على القبول بأن إسرائيل دولة يهودية له دافع سياسي: “لا يريدون أن يتمتع اللاجئون الفلسطينيون بحق العودة. سوف يشرعون قانونا يسمح بعودة اليهود أينما وجدوا، سواء كانوا في إثيوبيا أو في بروكلين أو في بولندا. أما نحن الفلسطينيين فلا حق لنا في العودة رغم أننا نحتفظ بصكوك ملكية الأرض وتوجد بحوزتنا مفاتيح بيوتنا، ونحن الذين عشنا في هذه الأرض لقرون متتالية، نحن الذين أخرجنا بالقوة من ديارنا لا حق لنا في العودة. وذلك القبول بيهودية الدولة يعني تلقائياً أننا نقبل ليس فقط بالصهيونية وإنما أيضاً بإقصاء الفلسطينيين. وهذا يكمل النكبة التي وقعت عام 1948”.
وتقول الدكتورة عشراوي بأن الشباب الفلسطينيين بلا قيادة، ولذلك فإن من الأهمية بمكان إعادة تنشيط وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية من خلال انتخابات جديدة، رغم أنها تقر بصعوبة إجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، أي البرلمان، بين الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا والأردن.
“نعم، الناس غير مسرورين بالقيادة الحالية. فلم تعد هذه القيادة تجدد نفسها ولا تجدها تستجيب لمتطلبات الشباب. إنها بحاجة لأن تكون قادرة على صياغة الاستراتيجيات والسياسات بشكل مهني وتحتاج لأن تستجيب لاحتياجات الشعب. إذا لم يكن هناك انتخابات فلن تشعر القيادة بأنها مضطرة لعمل شيء أو أنها ملزمة بالتغيير، فبلا انتخابات لا توجد محاسبة ولا يوجد استبدال عبر صناديق الاقتراع”.
وتقول الدكتورة عشراوي، التي كانت أول سيدة تنتخب لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني: “حينما انتخبت لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني ظننت أنني سأنفخ فيه روحاً جديدة، وسأبث فيه بعض الطاقة. ولكن ذلك كان شاقاً، فالنظام فيه مقيد بما جبل عليه من أساليب لا يسهل تغييرها. ولذلك فهو بحاجة لأن يُتحدى، وبحاجة لأن يُصلح. يمكننا أن نبدأ بما هو موجود.
وبإمكاننا أن نبدأ بالدوائر التي انتابها الوهن. بإمكاننا أن نبدأ بمنظمة التحرير الفلسطينية، المؤسسة الي يصنع فيها القرار السياسي، والتي أضعفت وانهكت. بإمكاننا أن نبدأ بمسؤوليات منظمة التحرير وبالمهام الملقاة على عاتقها لخدمة الفلسطينيين في كل مكان، هذه المهام التي أعيقت حتى كادت تغيب تماماً بحجة أن منظمة التحرير الفلسطينية جاءت إلى هنا وباتت تعيش تحت الاحتلال”.
كما انتقدت الدكتورة عشراوي كلاً من فتح وحماس لانشغالهما في “تقاسم الغنائم”، وتقول: “أنت بحاجة لأن تتوصل إلى اتفاق حول كيفية فتح النظام وإتاحة المجال أمام الشباب. فالمشكلة هي أنك قد تواجه في الغد ثورة تؤدي إلى استلام الشباب لمقاليد الأمور، وأنا لا أمانع في ذلك شخصياً. بل أعتقد أنه يجب علينا أن نسمح بذلك. ولكنهم سيرثون وضعاً مأساوياً يستحيل التعامل معه”.
وقالت إن حكومة الوفاق الوطني غير فاعلة وأنه لا فتح ولا حماس تبذلان جهداً لحل الإشكال، واتهمت حماس بأنها لا ترغب في التخلي عن التحكم الأمني بقطاع غزة قائلة: “تريد حماس أن تحتفظ بمسلحيها وتريد أن تحتفظ بجهازها الأمني كما هو. لماذا ينبغي على السلطة الفلسطينية أو على الرئيس إرسال حرسه إلى المعابر بينما يوجد مسلحو حماس من خلفهم؟ ليس بإمكانه أن يفعل ذلك.
إلا أنها كانت صارمة أيضاً في نقدها لوزراء الحكومة الذين لا يرغبون في أن تطأ أقدامهم أرض غزة. وقالت: “لديك حكومة كبيرة وقوية، إذهب إلى هناك، واستلم مقاليد الأمور، لا تكتفي بالقعود والقول إن وكلاء الوزارات أقاموا حكومة ظل. لماذا لجأوا إلى ذلك أصلاً؟ لأنك لم تكن موجوداً هناك. إذهب إلى هناك، وتولى الأمور بنفسك، وخذ معك مجموعة من التكنوقراط والمهنيين. لقد أرسولا وزيراً واحداً، وهو وزير الصحة، الذي تعرض لتتهديد والضرب وألجئ إلى أن يعود أدراجه، فبات ذلك حجة يستخدمونها لتبرير الامتناع عن إرسال أحد آخر. أنا قلت لا. حان الوقت لأن تكون قوياً ولأن تظهر قوتك. إذهب إلى هناك واستولي على الوزارات، وحاسبهم، راجع ما فعلوا وكلفهم بمهام يقومون بها. ضع له خطة، ثم امض بإعادة الإعمار، وهي المهمة الثانية، والتي ينبغي أن يجري تنفيذها بالتزامن. لا ينبغي أن نكتفي بتقديم المعونات الإغاثية فحسب”.
وقالت إن كل فلسطين تعاني بسبب الانقسام بين فتح وحماس، وقالت إنه يوجد معسكران فيما يتعلق بمستقبل حكومة الوفاق الوطني، أحدهما يرى توسيع الحكومة الحالية ومنحها المزيد من الوزراء والمزيد من المسؤوليات، بينما يرى المعسكر الآخر تشكيل حكومة وحدة وطنية، رغم العلم بأنها ستقاطع من قبل إسرائيل ومن قبل المجتمع الدولي.
هل نعود إلى عام 2006 أم لا؟ لأن الفلسطينيين إنما فرضت عليهم العقوبات بعد أن انتخبوا حماس. فإذا كانت حماس الآن جزءاً من الحكومة، ما الذي سيحصل؟ أم أن عليهم الاستفادة من النموذج اللبناني، على سبيل المثال، حيث يتحدث العالم مع كافة الوزراء فيما عدا المنتسبين منهم إلى حزب الله؟”
“إنها معضلة حقيقية. أعتقد أنك بحاجة إلى رموز وطنية قوية قادرة على استلام وإدارة هذه المؤسسات. على حماس أن تعلم أنه ليس بإمكانها الرغبة في الشيء وفي نقيضه في نفس الوقت. ليس بإمكانك أن تفجر بيوت الناس وسياراتهم ثم تقول لا نعلم عن الأمر شيئاً ولسنا مسؤولين عن ذلك. فحماس تعرف دبيب النمل في غزة. وعلى فتح أن تعلم بأن حماس لن تختفي من الوجود، بل هي جزء من النسيج السياسي، ولديها مؤسساتها، ولديها ناسها، ولديها أتباعها ومريدوها، وعليك أن تتعلم كيف تتقبل ذلك وتتعايش معه. ليس بإمكانك احتكار النظام السياسي ثم ترجو ألا يتحداك أحد. بمعنى آخر، إن عليك أن تؤسس لأسلوب جديد في العمل. يؤسفني القول إن الحزبية كانت باستمرار عائقاً ومصدر ضرر كبير”.
المصدر: ميدل إيست آي – ترجمة عربي 21