ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
بقلم توماس كنتلوب وبيير بيشو
ترتكز المبادلات بين المملكة العربيّة السّعوديّة والغرب على ثلاثة أشياء رئيسيّة هي النّفط والسلاح والمعلومات. ولأجل هذه المصالح الحيويّة تصف عدّة دول غربيّة على رأسها فرنسا والولايات المتّحدة نظام آل سعود الاستبدادي بالشّريك المتميّز الذي يستحقّ الإستمرار في السّلطة.
وخلال الأيام الماضية لفت الحضور الضّخم لأكبر رؤساء الدول والحكومات في العالم للسّعوديّة الإنتباه وكان من حيث أهمية وعدد الحاضرين شبيهًا بالمسيرة التي شهدتها فرنسا قبل خمسة عشر يوم على إثر حادثة شارلي إبدو. فآخر حضور شخصيّ لباراك أوباما لتقديم واجب العزاء يعود لجنازة نيلسون مانديلا في السّنة الماضية. فمن هوالزّعيم الذي استحقّ كل هذا الإهتمام من قبل زعماء العالم؟ إنّه الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي توفّي يوم 23 يناير 2015 عن عمر ناهز التّسعين.
بلغ هؤلاء الزّعماء أقصى درجات النفاق بحرصهم اللافت على الحضور وتأبين الملك ذوالسلطة المطلقة والذي جلس لعشر سنوات على عرش واحدة من أكثر البلدان ارتباطًا بالإستبداد والإرهاب. ولئن كان الرّئيس الفرنسي فرنسوا هولاند متحفّظًا واكتفى بالقول “أنّه جاء لتأبين رجل دولة أثرت أعماله على تاريخ بلاده وستبقى رؤيته المتبنّية لسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط صالحة لكلّ زمان” فقد تمادى زعماء آخرون في إظهار مشاعرهم على غرار رئيس الوزراء السابق توني بلير الذي تحدّث عن “رجل مجدّد أحبّه شعبه وسيٌفتقد كثيرًا” ومديرة صندوق النّقد الدّولي كريستين لاغارد التّي اعتبرت الملك الرّاحل “قد دافع عن حقوق المرأة في السرّ”.
كلّ هذه الخطابات والمرثيّات هي في الحقيقة أكثر من مجرّد واقعيّة سياسيّة لطالما إتّصف بها الغرب، إنّها رثاء مدمن مخدّرات لمزوّده، وآداء لفروض الولاء والطّاعة لخليفته. فالسّعوديّة ليست مجرّد منتج للبترول، بل هي من أكبر مشتري السلع الغربيّة وخاصّة الأسلحة وهي أيضًا شريك استخباراتي مهمّ. ولأجل كلّ هذه المصالح ولأجل ضمان استقرار المملكة يغلق العالم عينيه على التّقارير المتعلّقة بالحريات والدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان. وتعدّ قضيّة المدوّن رائف بدوي الذي حكم عليه بعشر سنوات سجن وألف جلدة بسبب تعبيره عن رأيه على الانترنت واحدة من قضايا عديدة مشابهة لها لا يأخذ أغلبها نفس الضجّة الإعلاميّة في بلد تحكمه الشّمولية داخليّا ويلعب دورًا سلبيًا على الصعيد الدّولي أيضًا.
وليس أدلّ على النّهج المعادي تمامًا للدّيمقراطية في السّعودية من هذا التّقرير الصّادر عن منظمة العفوالدّوليّة المتعلّق بنقض النظام السّعودي لتعهداته بشأن تحسين وضع حقوق الإنسان في المملكة، إذ يقول التّقرير أن “التعذيب وسوء المعاملة تعدّ أمورًا شائعة لا يتعرّض مرتكبوها لأية تتبعات، وأكثر الأساليب شيوعًا هي الضّرب باليد والعصا والتّعليق من الأطراف السفليّة والعلويّة في السّقف والباب بالإضافة للصدمات الكهربائيّة والحرمان المطوّل من النّوم والسّجن في الأماكن الباردة.”
ويذكر التّقرير خروقات أخرى لحقوق الإنسان ترتكبها السلطات السعوديّة من بينها “التمييز الممنهج ضدّ المرأة في القوانين والممارسة، فهي مجبرة على الحصول على موافقة الرجل عند السفر أوإجراء عمليات جراحيّة معيّنة أوالحصول على عمل أومواصلة التّعليم العالي. بالإضافة إلى تواصل منعها من قيادة السيارات”
ويشير التّقرير إلى “أحكام الإعدام الصّادرة على إثر قضايا غير مستوفية لمراحل التّقاضي وعلى أساس اعترافات ملفّقة أوانتُزعت تحت التّعذيب. والسّعودية واحدة من أكثر خمسة دول في العالم تنفّذ أحكام الإعدام ويمكن أن تصدر هذه الأحكام حتّى بسبب ارتكاب أخطاء لم تؤدّي لسفك دماء مثل الزّنى والسطوالمسلّح أوالخطف والإغتصاب والشّعوذة.”
ويعدّد التقريرأساليب التعذيب وسوء المعاملة وهي ” العقاب البدني مثل الجلد وبتر الأعضاء . وفي حالات كثيرة تعاقب السّرقة بقطع اليد اليمنى وتعاقب الجريمة المنظّمة بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى. وتحدث عقوبات الجلد بشكل روتيني في عدّة قضايا ويمكن أن تصل هذه العقوبة من العشرات لحدّ آلاف الجلدات.”
عدّة تنظيمات إرهابيّة تُموّل من داخل السّعوديّة
يعدّ أمرًا غريبًا أن تتشدّق دول مثل فرنسا والولايات المتّحدة بتنظيرها للحريّة ودفاعها عن حقوق الإنسان على الرّغم من علاقاتها الوطيدة مع النّظام الذي يرتكب مثل هذه الممارسات. ولكن الأكثر غرابة هوأن تكون هذه الدّول التي تعتبر الإرهاب أكبر خطر يهدّد العالم حليفة إستراتيجيّة للسّعودية. وفي هذا السّياق يقول إد حسين الباحث بقضايا الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الدّولية أنّ “تنظيم القاعدة وتنظيم الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام وبوكوحرام وحركة الشباب الصّومالية ومجموعات إرهابية أخرى كثيرة هي كلّها مجموعات سلفيّة والجميع يعلم أنّ العربية السعودية كانت على مدار الخمسين عامًا الماضية ولا تزال تقوم بتمويل ودعم الفكر السلفي في العالم.”
ولا أدلّ على ذلك من أنّ أسامة بن لادن كان سعوديًّا وثروة عائلته جاءت من العقود التي حصل عليها والده لصيانة مساجد المملكة. كما أن خمسة عشرة من اصل التسعة عشرة إرهابيّ الذي أسقطوا الطّائرات على مبنى مركز التّجارة العالمي والبنتاغون وكثيرين من المتورّطين معهم أيضًا ينحدرون جميعهم من السّعوديّة. ورغم هذه الحقائق الملفتة فإن السّعودية لم تكن هي المعرّضة للقصف والغزوبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011 بل كانت أفغانستان والعراق هي المستهدفة.
وقد ذكّر عدّة أعضاء سابقون وحاليون في الكونغرس مرة أخرى في بداية شهر يناير الماضي أنّ 28 صفحة من التّقرير البرلماني المتعلّق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر لا تزال مصنّفة كوثائق سرية خاصة بوزارة الدّفاع. ويؤكّد بعض الذين اطّلعوا على هذه الوثائق أنها تتعلّق بالسّعوديّة، فقد صرّح السيناتور الدّيمقراطي السّابق بوب غراهام لمجلّة نيوز وييك أنّ “هناك العديد من الملفات التي بقيت مغلقة والتي إن تمّ فتحها ستمكّننا من فهمٍ أعمق للدّور الذي لعبته السّعوديّة في دعم أولئك الإرهابيين.” وقال النّائب الجمهوري وولتر جونز لنفس الصّحيفة أن” ليس هناك أي مبرر لإخفاء هذه الصفحات الثمانية والعشرين فالأمر لا يتعلّق فعلا بالأمن القومي بل يتعلّق بحقائق قد تحرج إدارة الرّئيس السابق جورج بوش بسبب علاقاته بالسّعوديين.”
وإذا كان البيت الأبيض في عهد الرئيس بوش قد عارض نشر هذه الوثائق لأنّ السفير السعودي في الولايات المتّحدة وعضوالعائلة المالكة بندر بن سلطان بن عبد العزيز كان مقرّبًا جدًّا من عائلة بوش لدرجة أنّه كان يسمّى “بندر بوش” فإن إدارة أوباما أيضًا اختارت المواصلة في نفس النّهج. ولتبرير ذلك يقول اليوم عدد من الدبلوماسيين والمسؤولين أن دور السّعوديّة قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر هوأمر أصبح من الماضي وأنّ المملكة قامت بعد تلك الأحداث بمراجعة جهازها الإستخباراتي التي تورّط في علاقات مع تنظيم القاعدة ووضعت آليات مراقبة للحيلولة دون حصول أيّة تنظيمات إرهابية في المستقبل على التمويل من العائلات السّعوديّة الثرية. ولكن في هذا الشّأن يقول دبلوماسي أوروبي عمل سابقًا في منطقة الخليج أنه “من الواضح أنّ هناك تنظيمات إرهابية متعدّدة مازالت تحصل على التمويل من السّعودية، ورغم أن الإرتباط بينهم ليس مباشرًا فإن التمويل يحصل عبر التبرّعات التي يقدّمها الأثرياء لمنظمات خيرية ووسطاء يرسلون بدورهم الأموال عبر الحوالات. وعندما تتمّ مواجهة السعوديين بهذا الأمر يجيبون غالبًا بأنهم يقومون بأعمال خيريّة بدافع ديني. ولكن الحقيقة هي أن الكثيرين منهم لا يرون أي مانع من تمويل تنظيمات تعتنق الفكر الوهابي وتدّعي القتال باسم الرّسول.”
مقارنة بين المملكة السعودية و ما يسمى بالدولة الاسلامية
تكشف المقارنة بين النّموذج السعودي ونموذج الدّولة الموعودة من قبل تنظيمات مثل داعش وبوكوحرام أن الإختلافات بينهما ليست كبيرة. فقد قام موقع متخصص في قضايا الشرق الأوسط بمقارنة بين نظام العقوبات على الجرائم والأخطاء في كلا النموذجين وبين عدم وجود فرق حقيقي بينهما. إذ تمثّل الأحكام والفتاوى التي يصدرها رجال الدّين في السعودية مرجعية تستند عليها كل التنظيمات الإرهابية في العالم ورغم أن هذا معروف لدى الجميع يبقى هؤلاء الأئمة ومؤسّساتهم مدعومين ماليًّا وقانونيًّا من قبل ملوك السّعودية.
في سنة 2007، وصف دبلوماسي أردني العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة بأنها “زواج كاثوليكي لا يسمح فيه بالطلاق “، ولكن تدلّ الوقائع على أن الأمر يتعلق بعملية احتجاز وليس فقط عملية زواج. إذ تمارس السّعودية الضّغط والإبتزاز فيما يتعلق بالتّعاون على مكافحة الارهاب وفيما يتعلق باستقرار منطقة الشرق الاوسط، وتعمد إلى تهديد الغرب بأن الأمور ستصبح اكثر سوءًا بدون تعاونها رغم أنّ الوقائع تثبت أنّ كلّ تدخّلات السّعودية وسياساتها لم تكن إلاّ صبًّا للزيت على النار. وتمارس السعودية نفس هذا الإبتزاز فيما يخص النفط وخاصة في تعاملها مع الأمريكان، فقد قطعت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة خطوات هامة على طريق تحقيق الإستقلال الطّاقي بفضل التّزايد الكبير لاستغلال غاز الشيست الذي فرضه الإرتفاع المتواصل لأسعار النّفط. وهوما جعل سياساتها الخارجيّة أقل تبعيّة للخليج العربي. ولكن بما أنّ إلتفات أمريكا للحلول البديلة يحرم السعودية من ورقة الضغط الأهمّ لديها فقد سجلت الستة أشهر الأخيرة إنخفاضًا حادًّا في أسعار النفط الخام وهوما أعاد خلط الأوراق من جديد، فقد عاد هذا الخفض المتعمّد من السعودية لسعر برميل النفط بالنّفع الكثير على الأمريكان إذ استفاد باراك أوباما من دفعة إقتصاديّة منعشة من خلال إنخفاض أسعار وقود السيارات للنصف خلال ستّة أشهر وهوما جعل شعبيّته تسجل ارتفاعًأ حسب استطلاعات الرّأي المُعلنة. وقد منحته هذه التغيّرات ثقة وصلابة سياسيّة في تعامله مع روسيا وإيران اللّتان تعانيان من انهيار أسعار عملتيهما. ولكن هذه الإنتعاشة السياسيّة والإقتصاديّة أعادت أمريكا لمربّع التبعية الطاقيّة بما أنّها تبقى رهينة المزاج السّعودي الذي يحدّد أثمان الذهب الأسود في العالم.
السياسات الغربيّة في المنطقة ترتكز على نظرة قصيرة المدى
لا تتوقّف فرنسا عن الرّكض وراء الرّياض على أمل بيع المزيد والمزيد من الصّادرات. ولئن حاول الرّئيس السابق نيكولا ساركوزي المراهنة على قطر لتحقيق صفقات من الحجم الثّقيل فإنّ فرنسوا هولاند إختار مملكة آل سعود لتوقيع العقود. وتكفي نظرة سريعة على تاريخ الزيارات المتبادلة بين البلدين لملاحظة الجهود الكبيرة التي تبذلها الإدارة الحالية للرئيس هولاند منذ انتخابه لتكثيف النّشاط الدّبلوماسي بين البلدين. فمن بين 39 زيارة ثنائيّة حصلت منذ سنة 1926 تاريخ اعتراف فرنسا بعبد العزيز بن عبد الرحمان آل سعود مؤسّس المملكة نجدُ أنّ 15 زيارة حصلت بين نوفمبر 2012 ونهاية السّنة المنقضية وفي إطار هذا الإهتمام أدّى الرئيس الفرنسي الحالي زيارتي دولة للمملكة في سنتي 2012 و2013 بالإضافة للزيارة الثالثة في 25 يناير 2015 غداة وفاة الملك عبد الله، وهوإهتمام لم تحظى به أي دولة أخرى من قِبل فرنسا. والملاحظ أنّ أغلب الوزراء الذين زاروا المملكة كانوا مكلّفين بالملفات الإقتصاديّة. فقد زار وزير تقويم الإنتاج أرنومونتبورغ المملكة في أربع مناسبات خلال سنة 2013 فيما قام وزير الدّفاع جون إيف لودران بثلاث زيارات خلال نفس السّنة .
ومثّل التسلّح حجر الاساس في هذه الدبلوماسيّة الإقتصاديّة وبالتّحديد التسلّح في المجالين الذين تتميّز فيهما فرنسا: الدّفاع المضاد للطيران والدّفاع البحري.
وفي النّهاية حصلت فرنسا على مكافئتها على هذه الزّيارات في شكل إتفاقات بقيمة ثلاثة مليارات دولار تمّ توقيعها في الرّابع من نوفمبر 2014 بين وزير المالية السّعودي والرّئيس المدير العام لشركة أوداس المتكفّلة بكلّ عقود التسلّح التي يبرمها الطّرفان. وقد استفادت من هذه الإتفاقات أكثر من عشرين شركة فرنسية مصنّعة تقاسمت فيما بينها 2.1 مليار دولار. وجدير بالذّكر أنّ هذه الأسلحة لم تكن موجّهة للجيش السعودي بل حصل عليها الجيش اللّبناني مع 900 مليون دولار مخصّصة لصيانة العتاد وتدريب الجيش. ذهبت كلّها كهديّة لصالح جيش بلد أشجار الأرز. وحتّى قبل توقيع هذا العقد المُجزِي كانت فرنسا قد حقّقت تطوّرًا بثلاثة أضعاف في مبيعات الأسلحة بين 2012 و2013. ولفهم المنطق الذي يتّبعه الإليزيه يكفي الإطّلاع على الدّراسة التي أجرتها وزارة الدّفاع الفرنسيّة بالتّعاون مع مجلس الصّناعات العسكريّة و”مكتب ماكنزي للإستشارات” إذ تشير هذه الدّراسة إلى أنّ صادرات السّلاح بلغت 6.87 مليار يوروفي السّنة الماضية بنسبة إرتفاع بلغت 42.7 بالمائة وبذلك بلغ عدد العاملين في هذا القطاع أكثر من أربعين ألف عامل. كما أشار تقرير برلماني حول صادرات الأسلحة الفرنسيّة إلى أنّ السعوديّة أصبحت في سنة 2014 الحريف رقم واحد لدى فرنسا بقيمة تعاقدات جمليّة بلغت واحد مليار و928 مليون يورو. وبالإضافة لما تحمله هذه المعطيات من براغماتيّة فرنسيّة وتجاهل لإنتهاكات حقوق الإنسان ودعمٍ لخيارات السعوديّة الدّكتاتوريّة فإنّ هذا التودّد للمملكة يعكس إنحرافًا في السياسة الخارجيّة لفرنسا. وفي هذا الشّأن يقول مارك شارلوبرن وهودبلوماسي فرنسي سابق ذوإطّلاع على ملفات التسلّح وقضايا منطقة الخليج “لقد أصبحنا مسلوبي الإرادة وسياستنا في المنطقة ذهبت ضحيّة بحثنا عن الرّبح السّريع، فرنسا أصبحت في وضع مذلّ أمام العربيّة السعوديّة.” وعوّل السعوديّة على هذه الأسلحة الفرنسيّة للتّأثير أكثر في الدّاخل اللبناني بهدف الحدّ من نفوذ حزب الله ومنعه من إسناد الأسد. ورغم أنّ فرنسا ليس لها وجود عسكري في سوريا إلا أنها تحاول دفع الأمور هناك نحوما تشتهيه السعوديّة.
وينطبق نفس الأمر على الملفّ المصري فقد لعبت السّعوديّة منذ سنة 2011 دورًا محوريًّأ في دعم نظام السيسي خلال كامل المسار السياسي الذي أدّى لاستعادة الدّكتاتوريّة. ومن الصّعب مشاهدة الإستقبال الحار الذي حظي به السّيسي في فرنسا في نوفمبر الماضي دون أن نعتبر ذلك دعمًا من فرنسا لخيارات المملكة السّعوديّة. ويقول مارك شارلوبرن أن “قتل السيسي لمعارضيه في وضح النّهار وسجنه للصّحفيين وحكمه بالإعدام الجماعي على المئات من مساندي الإخوان المسلمين لا يعني بالضّرورة أن فرنسا ستغلق الباب أمام هذا الدّكتاتور، فهوبالنّسبةّ لها يقع تحت حماية الرّياض” ويضيف هذا الدّبلوماسي أنّ “فرنسا تجد نفسها في وضع محرج للغاية إذ أن الدّول المتورّطة في تسميم الأجواء في الشّرق الأوسط هي نفس الدّول التي تمثّل أكبر المورّدين من فرنسا وعلى رأسهم المملكة السّعودية.”
وقد دفعت فرنسا ثمنًا سياسيًّا باهضًا لهذه الدّبلوماسية البراغماتيّة الاقتصادية التي تجعلها في إرتباط مع السياسة الخارجيّة السعوديّة، إذ جنحت المملكة في خضمّ مساعيها للهيمنة على المنطقة إلى عدّة خيارات غير مشرّفة،وأصبحت منذ سنة 2011 المدافع الأشرس على الأنظمة الدّكتاتوريّة في المنطقة فأقدمت على سحق الإنتفاضة البحرينيّة وأعلنت في سنة 2014 عن وضع الإخوان المسلمين على لائحة المنظّمات الإرهابيّة دون أن تتّعض من أنّ محاولات إقصاء الإخوان المسلمين في العراق أدّت لفسح المجال أمام صعود فكر آخر متطرّف يتمثّل في تنظيم داعش. وبمسايرتها للسياسات السّعودية من أجل المال تجد فرنسا نفسها واقعة في نفس هذه التناقضات التي تتّصف بها سياسة مملكة آل سعود.
المصدر: منتدى الديموقراطيين