رغم أنه من أقل الشخصيات التركية تحدثا للإعلام، تكلمت كل الشخصيات التركية طيلة السنوات الماضية عن رئيس الاستخبارات التركية المستقيل “هاكان فيدان” فوصفه الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغن بأنه “كاتم سره” ووصفه رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو بأنه الرجل الذي بإمكانه أن يقوم بأي وظيفة في الدولة التركية، وشبهه زعيم المعارضة التركية كمال كيلتشار أوغلو ببطل مسلسل وادي الذئاب “مراد علمدار”، ووصفته الصحافة بأنه الصندوق الأسود للدولة التركية، ووصفته الصحافة العالمية بأنه من بين أخطر ثلاث رجال في الشرق الأوسط، إلى أن وصفه نائب رئيس الوزراء التركي “بولنت آرينتش” مساء أمس بأنه “رجل خارق”.
تعليق بولنت آرينتش: الرجل الخارق
جاء تعليق بولنت آرنتش عقب الكشف عن تقديم هاكان فيدان لاستقالته من رئاسة جهاز الاستخبارات “أم أي تي” وعزمه الترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث رأى آرنتش أنه من غير المنطقي أن يستقيل فيدان من وظيفته التي أداها كـ “رجل خارق” ليصبح نائبا كغيره من نواب البرلمان، قائلا: “كثيرون يمكنهم أن يكونوا نوابا في برلمان ولكن قلة من يستطيعون القيام بما قام به هاكان فيدان في جهاز الاستخبارات”.
وبينما ذهبت بعض التوقعات إلى أن فيدان سيكون وزير خارجية داوود أوغلو كونه بدأ مسيرته في الدولة التركية عبر تقلد مناصب دبلوماسية أو على رأس مؤسسات حكومية تتركز أعمالها خارج تركيا، رفض بولنت آرنتش تأكيد أو نفي هذه التوقعات مشيرا إلى أن فيدان لن يكون نائبا برلمانيا فقط لأنه أكبر من هذا المنصب ملمحا إلى أن المكان الذي يعتقد أنه قد يكون مناسبا لهاكان فيدان هو وزارة الداخلية.
تاريخ زاخر:
تلقى هاكان فيدان، المولود في سنة 1968، تعليمه في الكلية الحربية التابعة لجيش البر التركي وتخرج منها في سنة 1986 برتبة رقيب، ثم عين في “إدارة فيلق عمليات واستخبارات الرد السريع” في ألمانيا والتابعة لحلف شمال الأطلسي “الناتو”. وخلال عمله في ألمانيا حصل على شهادة جامعية من جامعة ميريلاند الأمريكية، ثم توقف عن العمل في الجيش في سنة 2001 وعمل لمدة سنتين كمستشار في سفارة تركيا في أستراليا.
ومن بين الشهادات الأكاديمية التي حصل عليها، حاز فيدان على درجة الماجستير من جامعة بيلكنت في فرع العلاقات الدولية، وأصدر بحثا بعنوان “مقارنة بين نظام الاستخبارات التركي والأمريكي والبريطاني” في عام 1999، أشار فيه إلى حاجة تركيا لشبكة استخبارات خارجية قوية، ثم تابع فيدان برنامج الدكتورا في جامعة بيلكنت في العاصمة أنقرة، وأصدر بحثا بعنوان “الدبلوماسية في عصر المعلومات: استخدام تكنولوجيا المعلومات في التحقق” في عام 2006.
وفي سنة 2003 دخل فيدان بيروقراطية الدولة التركية عبر رئاسة “وكالة التنمية والتنسيق التركية” التي تتمحور وظيفتها في دعم السياسات الخارجية لتركيا عبر إنشاء المدارس وترميم الآثار وتقديم المساعدات الإنسانية خارج تركيا، الأمر الذي مكنه من زيارة وإقامة علاقات في كل دول أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز والبلقان.
كما كانت آخر مناصب فيدان قبل أن يترأس جهاز الاستخبارات، في مكتب وزير الخارجية مساعدًا لأحمد داوود أوغلو، حيث أشرف فيدان في تلك الأيام على محادثات السلام السرية التي كانت تجرى في أوسلو مع قادة حزب العمال الكردستاني، ثم عين في سنة 2007 نائباً لمتشار رئيس الوزراء عن الأمن الدولي والسياسة الخارجية.
أعداء الداخل:
لفيدان أعداء أقوياء داخل تركيا وخارجها، وعلى رأس أعدائه داخل تركيا نجد جماعة فتح الله كولن التي يعتبر فيدان أحد الأسباب الرئيسية في عدائها لحزب العدالة والتنمية التركي، حيث يقول أنصار الحزب أن فيدان وقف سدًا منيعًا ضد اختراق جماعة كولن لهذا الجهاز، كما رفض أردوغان (رئيس الوزراء آنذاك) أن يتخلى عن فيدان لأجل إرضاء الجماعة، مما جعل الجماعة تسعى إلى الإطاحة به مستخدمة شبكاتها داخل جهاز الأمن الداخلي والتي استغلت علمها بالمفاوضات السرية، التي كان فيدان يجريها مع حزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي بنية الوصول إلى عملية السلام الداخلي التي تمر الآن بمراحلها الأخيرة، وأعدت ملفات ضخمة لاتهام فيدان بالتعاون مع الإرهابيين وحاولت اعتقاله ومحاكمته جنائيا لولا تدخل الكتلة النيابة للعدالة والتنمية وسنها لقانون يمنع محاكمة رئيس جهاز الاستخبارات إلا بإذن من رئاسة الوزراء.
وعملت الحكومة التركية في السنوات الماضية بشكل فعال على دعم فيدان في “حربه” لإصلاح جهاز الاستخبارت من الداخل، وكذلك لتحصينه من محاولات العرقلة التي تعرض لها من خارج الجهاز من داخل تركيا ومن خارجها، فوفرت له كل ما يحتاجه من دعم قانوني ومادي ومعنوي حتى يطور من قدرات الجهاز الذي كان مخترقًا مهترئًا غارقًا في صراعات بين مختلف أجنحته، ليصبح اليوم من بين أحد أهم أجهزة الاستخبارات في المنطقة، حسب الشهادات الدولية التي توالت في الفترة الأخيرة خاصة بعد نجاحه في تحرير الدبلوماسيين الأتراك الذين اعتقلهم تنظيم داعش في محافظة الموصل العراقية.
أعداء الخارج:
وأما أعداء هاكان فيدان خارج تركيا فنجد على رأسهم دولة إسرائيل، التي تسرب تسجيل صوتي لعدد من جنرالاتها وهم يناقشون تبعات تعيين فيدان على رأس جهاز الاستخبارات ويقولون أن رئيس الاستخبارات السابق كان صديقًا لإسرائيل وأن الاستخبارات الإسرائيلية أودعت بعض الأسرار لدى الاستخبارات التركية لأنها كانت تثق به، وإلى أن الموساد بات يخشى من أن يقوم هاكان فيدان بتسريب هذه المعلومات للإيرانيين.
وبالإضافة إلى التسريب الذي نشره الإعلام الإسرائيلي فس سنة 2010، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية وعدد من الصحف الأخرى، في سنة 2012 خبرًا يفيد بأن هاكان فيدان أعطى معلومات سرية للاستخبارات الإيرانية حول شبكة تجسس إسرائيلية تعمل داخل إيران؛ مما أدى إلى قيام الإيرانيين بتصفية هذه الشبكة بالكامل موجهة بذلك ضربة قوية للعمل الاستخباراتي الإسرائيلي في إيران.
العدالة والتنمية يحتاج فيدان في وزارة الداخلية:
من أكبر التحديات التي يخوضها حزب العدالة والتنمية منذ قطيعته مع جماعة فتح الله كولن، نجد وزارة الداخلية التي نجحت الجماعة خلال السنوات العشر الأولى بعد وصول العدالة والتنمية للحكم في اختراقها تدريجيًا، عبر السيطرة أولاً على مدارس وأكاديميات الشرطة ثم عبر تصعيد الموالين لها إلى المراكز الهامة بسرعة وكذلك عبر إبعاد غير الموالين لها؛ مما جعل أهم أجهزة وزارة الداخلية تقع تحت سيطرة الجماعة.
ورغم الإصلاحات السريعة التي طبقتها حكومتي أردوغان ثم داوود أوغلو داخل هذه الوزارة عبر الإقالات والتعيينات وكذلك عبر الإصلاحات القانونية والتشريعية، لازال المتحدثون باسم الحكومة التركية يشيرون إلى أن المنظومة الأمنية الداخلية في تركيا تحتاج لبرنامج إصلاح وإعادة هيكلة شاملة حتى تكون قادرة في المستقبل على مواجهة التحديات الأمنية. وفي هذا السياق جاءت تلميحات بولنت آرينتش، بأن فيدان هو الرجل المناسب لخوض “معركة” إصلاح وزارة الداخلية وجهاز الأمن الداخلي، وبالتالي تكرار تجربته السابقة داخل جهاز الاستخبارات (مستقل عن الداخلية وعن الجيش).
هاكان فيدان بات قريبا من وزارة الخارجية:
حسب مصادر خاصة بنون بوست لدى الإدارة التركية في أنقرة، يقترب هاكان فيدان من شغل منصب وزير الخارجية ليتم ما بدأه عندما عندما عمل في مكتب وزير الخارجية السابق ورئيس الوزراء الحالي أحمد داوود أوغلو، ويستفيد من محصلة المعلومات الواسعة التي وقعت بين يديه خلال سنوات ترأسه لأحد أهم أجهزة الاستخبارات الخارجية في المنطقة.
ويستبعد أن يعلن حزب العدالة والتنمية أو الحكومة بشكل رسمي عن مستقبل هاكان فيدان في المشهد السياسي التركي قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي ستقام في شهر يونيو القادم، وإلى ذلك الحين ستبقى كل الاحتمالات مطروحة للنقاش.
كما يفترض أن ينتقل هاكان فيدان من يوم 10 شباط القادم وإلى موعد الانتخابات للعمل ضمن مكتب رئيس الوزراء الحالي أحمد داوود أوغلو.