ترجمة وتحرير نون بوست
إذ تجوّلت بشوارع القدس الشرقية، ستجد حولك في كل مكان قوات الأمن الإسرائيلية وبشكل دائم، بينما يجوب الجنود الإسرئيليون بملابسهم المعروفة كافة شوارع المدينة القديمة، وتعيش أحياء مثل حي سلوان باستمرار تحت أعين أبراج المراقبة والعربات المصفحة والضباط المدججين بالسلاح، في حين تمتلئ الطرق القادمة من الضفة الغربية بنقاط الشرطة والتفتيش، والتي تطلب منك بطاقتك الشخصية، باحثة ربما عن أي “متسللين” عبر الجدار العازل.
يشعر الزوار الأجانب هنا بالفزع من هذا الوجود العسكري المكثّف في شوارع القدس العريقة، ولكنهم لا يواجهون ذات المضايقات التي يواجهها سكان المدينة الفلسطينيين بطبيعة الحال، فهم مجرد شهود على هذا الوضع، بينما الفلسطينيون هم ضحاياه الرئيسيون.
طبقًا لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، تم القبض على حوالي 700 فلسطيني مقدسي، أغلبهم أطفال، في يوليو 2014 فقط، ومنذ ذلك الوقت والتحقيقات والاعتقالات في صفوف الفلسطينيين في تزايد، وهم يشكون باستمرار من المضايقات في أحياء مثل الطور والعيسوية، ومن ضغوط ضباط الشرطة اليهود والدروز التي تستهدفهم فقط لأسباب عرقية ودينية.
يقول ثائر، والذي يعيش في سلوان ويعمل بالقدس الشرقية، أنه يتعرض بشكل يومي للمضايقات من قبل حرس الحدود العسكري، والذين يقومون بتفتيشه بشكل مُفرِط، ويتحفظون أحيانًا على بعض متعلقاته الشخصية أو يحققون معه بشكل عدواني موبخين إياه على وجوده في مناطق معيّنة بالمدينة لا يعيش أو يعمل فيها، “يوميًا يقومون بإيقافي ويدخلون سيارتي ليفتشوا فيها، وهو أمر يستغرق 20 دقيقة تقريبًا.”
بالطبع، لا يجد الكثيرون أي فائدة من تقديم الشكاوى أو تسليط الضوء في الإعلام على هذه الانتهاكات، بيد أنه في سبتمبر الماضي، وبعد أن وُضِعَت تسجيلات على موقع اليوتيوب لضباط شرطة أهانوا فلسطينيين، تم تغريم ثلاثة ضباط لضربهم رجلًا أمام ابنه في شوارع القدس.
ومع ذلك، تحقيقات كهذه عادة لا تتم إلا في حالات خاصة فقط، مثلما جرى مع طارق أبو خضير العام الماضي، البالغ 15 عامًا، حين تعرّض للضرب على أيدي الشرطة وتم اعتقاله، وجذب الإعلام بشكل غير معتاد لأنه يحمل الجنسية الأمريكية (كما قال لمجموعة من الأمريكيين من قبل)، وأيضًا لأنه ابن عم محمد أبو خضير الذي قتله المتطرفون اليهود الصيف الماضي، أضف إلى ذلك أن حادثة أبو خضير قعت بينما كانت تعيش القدس أجواءً مشحونة بالفعل ازداد فيها الوجود العسكري كثافة وأُغلِقَت مداخل بعض الأحياء بالكامل.
يقول علاء عابد، البالغ 16 عامًا، والقاطن بحي العيساوية، “أشعر أحيانًا أنهم يريدون منعي من الذهاب للمدرسة، إنهي يخيفوننا لكي لا نخرج من منازلنا، وحين نركب الحافلات يأمروننا بالنزول منها.. أحيانًا كثيرة ما نخاف من الوقوف بانتظار الباص أمام البيوت خشية تواجد الشرطة وتعرّضنا للاعتقال أو المضايقات.. ذات مرة كنت أسير في الشارع ورأيت ضباط الشرطة، هرولت بعيدًا خوفًا من أن يعتقلوني أو يلحقوا بي الضرر.”
على الناحية الأخرى، يصر ميكي روزنفِلد، المتحدث الرسمي باسم الشرطة، أن الوجود الأمني له مبرراته، وحين سُئل عن عدم المساواة الواضح في انتهاكات الشرطة، نفى تمامًا أن تكون هناك أي سياسات أو ممارسات عنصرية، بل وقال أن العرب يجب أن يكونوا ممتنين بالعيش في ظل قوانين الشرطة الإسرائيلية (!).
“إذا سألت الناس الذي يعيشون تحت حكم السلطة الفلسطينية بيهودا والسامرة عن أحوالهم، وسألتهم إذا كانوا يفضّلون الحياة تحت السلطة أم تحت القانون الإسرائيلي، فإنهم سيفضلون الأخيرة لأنهم سيستفيدون منها في حالات كثيرة، مثل تلقي الإسعاف مباشرة حال وقوع أزمة صحية، أو نشوب حريق،” هكذا تحدّث روزنفِلد.
يرد قاطنو سلوان وعيساوية ضاحكين على تصريحات روزنفِلد، لأنهم يرون ببساطة أنها مدينة تحت الاحتلال ليس إلا، وهو ما يعني أنهم لا يرون الشرطة الإسرائيلية فيها باعتبارها قابلة للمقارنة مع غيرها، بل لا يعطونها أي شرعية في الحقيقة — بالنسبة لهم، لا يجب أن تكون هناك شرطة إسرائيلية أصلًا في القدس الشرقية، سواء أكانت عادلة أم عنصرية، أفضل أو أسوأ من نظيرتها الفلسطينية.
يقول ميك دامبر، أكاديمي متخصص في شؤون الشرطة بالقدس، بأن السياسات العنصرية وانتهاكات الشرطة في القدس غير قابلة للمقارنة مع مثيلتها في الولايات المتحدة، ببساطة لأن قوات الأمن في الأحياء الفلسطينية تتصرف كقوات احتلال لا كقوة تطبيق قانون أو حفظ أمن بالشكل المعتاد، فهي في الواقع قوة من فصيل بعينه — اليهود — لقمع آخر — العرب — وبدرجة عُنف مفرطة، فالقدس ليست مجرد مدينة منقسمة، كما قد يرى البعض، ولكنها مدينة منقسمة في بلد متنازع عليه، وبالتالي المسألة هنا ليست إصلاح منظومة أمنية عنصرية، كما كانت في الستينيات في الولايات المتحدة، بل ملكية الأرض وشرعية الوجود.
برواتب ضئيلة ومصاريف معيشة مرتفعة، يدرك الكثيرون هنا أن الدخول في شجار مع الشرطة قد يكلّفهم الكثير، وأن الغرامات التي تفرضها الشرطة الإسرائيلية قد تجلب مشاكل مالية لهم ولأُسرهم، “تخيّل أنك شاب يبلغ من العمر 20 عامًا، ولا تزال تبني منزلك الذي ستعيش فيه مستقبلًا، ثم تأتي الشرطة الإسرائيلية هكذا ببساطة وتستحوذ على سيارتك، كيف سيكون إحساسك حينها؟ بالطبع ستشعر بالانكسار وكأن أحدهم قد قصم ظهرك، ستشعر فجأة أنك لا تستطيع أن تُكمل هذه الحياة، ولا ترغب بذلك، وكأن الحياة قد توقفت. لن يمكنك أن تتطلع للمستقبل كما كنت تفعل من قبل، المستقبل الذي نتطلع له هنا هو مستقبل بلا يهود وفقط” هكذا يتحدث ثائر، البالغ من العمر 20 عامًا.
المصدر: ميدل إيست آي