لا يمكن أن يكون ما حدث في 25 يناير 2011 ثورة بأي حال من الأحوال . هذه أحد الأساطير التي تم بثها في عقول الشعب المصري من أجل إقناعه بذلك ، و رغم أنى كنت أحد المشاركين بها من أول يوم لكن الحقيقية الواضحة الآن أنها لم تكن ” ثورة ” …بل كانت “ثورة ملونة ” color revolution ..و الفرق كبير .
ثورات الشعوب علامات فارقه في تاريخها ، و حتى لا أطيل يكفى أن أذكركم أن فرنسا بها ثورة واحده ، و الولايات المتحدة ثورة واحده ، و انجلترا ثورة واحده .
ولأن مفهوم الثورة الشبيه بما حدث في هذه الدول أصبح من الصعب أن يتكرر في العصر الحديث لأن هذه الثورات تصنع تغييرات جذرية وحاسمه في بلدانها و منطقتها و في العالم أجمع ، فإنه أصبح من الشائع أن تقوم الشعوب ب”ثورات ملونه ” لا تشبه الثورات القديمة التي ذكرناها في شئ إلا الاسم فقط، فبعد الاستعمار العالمي الذي غزا العالم أجمع في القرن التاسع عشر و القرن العشرين فلا يمكن للدول الغربية الاستعمارية أن تسمح بحدوث تغييرات جذرية في أى بلد له أهميه إستراتيجية دون أن تكون بإشرافها و تحت رقابتها ، و طالما أن الأمور “تحت السيطرة ” فإن ما يحدث لا يمكن أن يسمى ثورة بالتأكيد .
هذه الثورات الملونة حدثت في بلدان عديدة، خاصة في الدول التى كانت تحت مظله الاتحاد السوفيتي ، و كل ثورة منهم أخذت لون مميز بها :
– الثورة البرتقالية في أوكرانيا
– الثورة القرمزية في جورجيا
– ثورة الزنبق في قرغيزيا
– ثورة الزعفران في بورما .
هذه الاحتجاجات التي أفضت إلى تغييرات استتبعت دراسة و تحليل من علماء السياسية لمعرفه ما يجرى بها و كيف تحدث . و سفير الولايات المتحدة الأمريكية الآن بروسيا هو أحد أهم من كتب عن “الثورات الملونة ” محاولا وصفها و توصيفها ويدعي Michael McFaul، و قال أن هذه الثورات التي حدثت لها مجموعه من الخصائص المميزة :
– أنها تتم في نظام استبدادي بالأساس ، لكنه يقبل بالتعددية و وجود أحساب صورية متنوعة من خلال نظام انتخابات ، أي أنه من أجل تجميل صورته أمام العالم حتى لا يبدو كنظام مستبد غليظ الوجه فإنه يسمح بأحزاب تشارك في الانتخابات من اتجاهات سياسية مختلفة دون أن يكون لها أى مشاركة حقيقية في القرار السياسي . ( الأحزاب السياسية في عهد مبارك )
– أن القائمين على النظام السياسي ( النظام الحاكم ) يتكون ضدهم رفض عام من الشعب تجاههم و تجاه سياسيتهم ، و هذا يستتبعه شعور الناس بالحاجة إلى تغيير هذه الوجوه و هذه السياسيات . ( الحزب الوطني الديمقراطي )
– قبل حدوث هذه الثورات : تكتشف القوى المعارضة أنها في حاجة إلى أن تتحد تحت مظله واحده و أن تتناسى خلافتها قليلا ، لآن لا وجود حقيقيي لها في المشهد السياسي ، و بالتالي تحاول البحث عن دور . …..( الجبهة الوطنية للتغير )
– وجود منظمات مجتمع مدني و إعلام قادرين على متابعه الفساد و فضحها ، و من تتبع عمليات تزوير الانتخابات و تزويرها و التشكيك في نتائجها من خلال شواهد منطقية ، و ايضا التشكيك في القرارات السياسية و من أجل من تتخذ ، و لأجل ماذا . ( المدونين ، و الصحفيين ، و الإعلام المستقل ).
– احتجاجات واسعة في الشوارع و الميادين غالبا ما تكون مليونية ، و تتميز هذه الاحتجاجات بالتنظيم الشديد و بالغضب الشديد لكنها في نفس الوقت تستخدم الوسائل السلمية في التعبير عن أرائها . ( احتجاجات 25 يناير 2011 ) .
– قوات الأمن و الجيش ترفض إطلاق النار على المتظاهرين ( بدافع ذاتي) ، أو بدافع مصلحي ( لا تقف مع طرف على حساب طرف حتى تنظر من ينتصر ) . …( موقف الجيش المصري في احتجاجات يناير ) .
هذه هي أهم الخصائص العامة التي تميز هذه الثورات الملونة ، و بمقارنتها بما حدث في مصر نجد أن ماحدث في مصر تنطبق عليها كل شروط الثورات الملونة تقريبا ، فهل هذا شئ جيد أم سئ ؟
بالعودة إلى أشهر ثلاث نماذج في موضوع الثورات الملونة : جورجيا ، أوكرانيا ، و قرغيزيا فإن ثلاثتهم فشلوا فشل ذريع في تحقيق الديمقراطية !!
ويكفى أن اذكر هنا أن بعد فوز المعارضة في الانتخابات الرئاسية في الثورة البرتقالية بأوكرانيا ، ففي الانتخابات الرئاسية التي تليها أعاد الناس بالانتخابات الرئيس السابق الذين ثاروا عليه !!
والدراسات الآن تجرى: لما فشلت الثورات الملونة ؟
وهل ستلحق بها الثورات العربية أيضا أم لا ؟
الأخبار السيئة لم تنتهي بعد …
فمثلما نقوم نحن الآن بمحاوله فهم الثورات الملونة و كيف تتمم ، تقوم النظم المستبدة بدراسة هذه الظواهر و محاوله إيجاد حلول لها قبل أن تحدث !
وبالفعل فإنها وجدت لها عدد من الحلول :
– أن تختار هي بنفسها المعارضة التي ستظهر أمام الناس ، و تضع لها الخطوط التي يجب أن تسير بها من خلال “خارطة طريق ” واضحة لا يتخطاها أحد مهما كان ،و أن لا تحتوى هذه المعارضة على تنويعات سياسية و ايدولوجية مختلفة حتى لا يظهر أمام الشعب أن فئات كثيرة من السياسيين ضد النظام الحاكم ….بل محاوله قصرها على اتجاه سياسي واحد او أثنين فقط ، و يمكننى شخصيا أن أفهم أنه يصبح من السهل فيما بعد العمل على شيطنتهم أو تخوينهم .
– محاوله وضع وجوه “مقبولة ” في النظام الحاكم ، يمكن أن يقبلها الناس من حيث الشكل و من حيث المضمون ، على أن يتم تحفيز الانتماء إلى هذه الوجوه و الوقوف بجانبها بدافع الوطنية و الانتماء للبلد .
– إفشال أي محاولات لاتحاد قوى المعارضة الحقيقية في تحالف او تجمع واحد . ، و محاوله تفتيت أي تحالف قائم . وفي نفس الوقت العمل على عدم جعل الاحتجاجات ضد النظام من الطابع المنظم المرتب بل نقلها إلى الطابع العشوائي الظرفي الغير مخطط له .
– مراقبه سائل الاتصال الحديثة واستخدامها كوسيلة مضادة ، و التحكم في وسائل الإعلام و جعلها تسير في نفس الطريق الذي يسير فيه النظام الحاكم و هذا بالتأكيد يجعلها تفقد المصداقية و الاستقلالية ويصبح أي حديث لها فيما بعد –حتى لو كان صحيحا _ غير مقبول عند الشعب ، و لكنها في نفس الوقت تظل تؤدى دورها في تضليل الشعب طالما أنه معتقد أنها صادقه فيما تقول .
– جعل قوات الشرطة و الجيش تحت السيطرة الكاملة للنظام الحاكم ، و ضمن الولاء و طاعة الأوامر ، و هذا بالطبع يحتاج إلى بناء عقيدة مختلفة لهذه القوات ، و جمعهم حول عدو مشترك واحد .
أفضل من استخدم هذه الخطوات في منع حدوث إي ثورات ملونه لديه هو “فلاديمير بوتين ” رئيس روسيا ، الذي استطاع أن ينفذها جميعها بامتياز فخلق نظام سياسي لا يوجد فيه تعددية سياسية و لا حريات إعلامية رغم أن به انتخابات و دستور و قانون !
المقارنة السريعة بين هذه الخطوات و بين ما يجرى في مصر الآن يجعلني أصل إلى :
– أن ما حدث في 25 يناير لم تكن ” ثورة ” بل كانت ” ثورة ملونه ” .
– أن القادم في مصر لن يكون بالتأكيد “ثورة ملونة أخرى ” !