ترجمة وتحرير نون بوست
يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الأيام انتقادات لاذعة بسبب الخطبة التي يعتزم إلقاءها في الكونجرس الأمريكي في الثالث من مارس، والتي تم التخطيط لها دون علم البيت الأبيض عن طريق حلفائه وحزبه (الليكود) في الحزب الجمهوري؛ مما أثار غضب الديمقراطيين، ويُنذر بغياب الكثير منهم عن الحضور، لاسيما جو بايدن نائب الرئيس، ونانسي بيلوزي زعيمة الكتلة الديمقراطية.
قد يبدو أن الليكود في أمس الحاجة لخطاب كهذا قبيل الانتخابات الإسرائيلية، يعزز صورة نتنياهو باعتباره على علاقات جيدة بواشنطن، ويدحض أقاويل المعارضة الإسرائيلية، ولكن على الناحية الأخرى، لماذا ينجر الجمهوريون إلى هذا التحالف مع الليكود؟
بيبي والجمهوريون
يُعَد حزب الليكود وأنصاره على الساحة السياسية الأمريكية ركنًا رئيسيًا من المعسكر الجمهوري في الولايات المتحدة، وليس هذا بمستغرب بالنظر للدور الإسرائيلي غير الهيّن في أمريكا، لاسيما مع المؤسسة العسكرية، ونتنياهو بالتحديد عضو في دوائر المحافظين بالحزب الجمهوري منذ سنوات حُكم الرئيس السابق رونالد ريجان، وقد استقبل قبيل انتخابات 2012 المرشح المحافظ ميت رومني في القدس في جهد واضح لتقويض فُرَص الرئيس أوباما، أضف إلى ذلك تلقيه الدعم المالي من شيلدون أدلسون أحد أهم ممولي حملة رومني آنذاك، والذي ينفق الملايين لدعم جريدة إسرائيل حايوم المجانية، والتي تدعم نتنياهو وتروّج لسياساته بشكل واضح.
يُعَد كل ذلك ربما غير مسبوق في تاريخ السياسة الإسرائيلية، إذ طالما حرصت إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة (AIPAC) على الحياد في السياسة الأمريكي، لتتمتع بدعم الإدارة الأمريكية أيًا كان الحزب الوجود بالسلطة، ولكن بالنظر لما يقوم به نتنياهو مؤخرًا، فإنه قد جلب الكثير من المتاعب ربما لليهود في السياسة الأمريكية، خاصة المختلفين مع أيباك والتي تدعم نتنياهو بقوة، ولذلك نشأ عام 2008 لوبي يهودي جديد (جيه ستريت J Street) أكثر ليبرالية في مواجهة آيباك، ليعبّر أكثر عن توجهات اليهود في الولايات المتحدة، حيث يصوّت 70٪ منهم للديمقراطيين، ويعتقدون بأن أوباما يجب أن يضغط على إسرائيل للوصول لاتفاق سلام مع الفلسطينيين.
في الحقيقة قد لا يكون اللوبي التقليدي أيباك مسؤولًا عن هذا الميل الإسرائيلي مؤخرًا نحو اليمين، كما يقول رئيس جيه ستريت، جريمي بن أمي، فكل ما هنالك أن مجموعة من الأشخاص الجمهوريين، والمرتبطين بأيباك من بعيد، يقومون بتوثيق الصلات التقليدية بين الجمهوريين والليكود بدعمهم لسياساته المعتادة المتطرفة فيما يخص القضية الفلسطينية، وبالنظر لوجود نتنياهو لفترة طويلة بالسلطة وقدرة هؤلاء على ممارسة نفوذهم، وجد أيباك نفسه وجهًا لوجه مع إدارة أوباما وقطاع واسع من الديمقراطيين، وفي صف واحد مع الجمهوريين، بغض النظر عن نواياهم الأصلية، والتي ربما لم تكن أصلًا تفضّل هكذا انحياز داخل الساحة الأمريكية.
في الحقيقة، الصراع هنا ليس بين نتنياهو وأوباما، أو الرؤية الأمريكية والرؤية الإسرائيلية للقضية الفلسطينية أو لمسألة إيران، ولكنه صراع بين فكرتين أساسيتين عما يجب أن تكون عليه علاقات البلدين على المستوى العالمي والإقليمي في الشرق الأوسط، فالفكرة الأكثر ليبرالية واعتدالًا تجد صدى عند حزب العمال الإسرائيلي وبين الديمقراطيين، وبطبيعة الحال يجد الموقف الأكثر تشددًا صدى بين الجمهوريين وحزب الليكود، وهو ما يؤدي لنشوء تلك التحالفات بين الأحزاب هنا وهناك.
واقعية أوباما وصلف نتنياهو
لقد كان أوباما ناجحًا في منع إسرائيل من التصرّف بشكل منفرد تجاه إيران، ومحاولة ضربها عسكريًا كما أرادت في أوقات عدة، ولكن الخلافات بين أوباما ونتنياهو رُغم ذلك لم تنته، لأنها بالأساس نابعة من رؤية المعسكرين السابق ذكرهما في الساحة السياسية وهناك، فمن جانبهما، يتبني أوباما ووزير خارجيته جون كيري نهجًا أكثر واقعية في التعامل مع شؤون الشرق الأوسط، إذ يقول ستيفن سيمون، الموجه السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إدارة أوباما، إنه كان على استعداد للتعامل مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ورفض في نفس الوقت أن يسم ما جرى في 2013 بالانقلاب العسكري، وكان ذلك تجليًا لحرصه على استقرار المنطقة قبل أي شيء.
وبالمثل، فإن موقفه من إسرائيل والأراضي الفلسطينية هو أن يحاول الوصول لاتفاق يمنع اشتعال المنطقة، دون النظر إلى أي أيديولوجيات أو انحيازات سياسية، وهو موقف يشاركه فيه في الواقع الكثير من الإسرائيليين، مثل إفرايم هاليفي ومائر داجان وأميران لفين، الرؤساء السابقين للموساد، وكذلك يوفال ديسكين ويعاكوف برّي، الرؤساء السابقين لشين بيت.
تتجلى واقعية أوباما بالطبع في التعامل مع الملف الإيراني، والذي يؤرق نتنياهو بشدة رُغم ميل الكثيرين في إسرائيل إلى النهج الواقعي، فنتنياهو لا يريد تنحية الخيار العسكري، ويريد نهاية كاملة لبرنامج إيران النووي لا مجرد صفقة تعترف أصلًا بوجود برنامج نووي، وهي ضربة شديدة لإسرائيل في نظره أن يعترف المجتمع الدولي ببرنامج إيراني ولو سلمي، خوفًا من سهولة تحوّله في أي وقت إلى برنامج عسكري، وهو شك مبرر في الحقيقة بالنظر لمواقف وتوجهات النظام الإيراني، ولكنه يغفل طبيعة الأسلحة النووية، والتي لا تفيد كثيرًا في الحروب المعاصرة، خاصة في الشرق الأوسط حيث يتنامى توجه الصراعات غير المتوازية.
ومع ذلك، يعتقد نتنياهو أن امتلاك إيران لتكنولوجيا نووية عسكرية سيتيح لها التعامل بشكل أكثر عداونية مما تفعل الآن، وقد تعرّض إسرائيل للخطر وتخاطر بإشعال حرب معها إيمانًا منها بأن الكفتين قد أصبحتا متوازنتين الآن، وهو خطر لا يشعر به سوى الإسرائيليون في الحقيقة، بالإضافة لبعض دول الخليج، إذ إن أوباما من جانبه، كرئيس للولايات المتحدة، يعرف أن بلاده قادرة على حماية مصالحها في المنطقة بوجه إيران، ويعرف أيضًا أنه يملك الحل العسكري على الطاولة في أي وقت لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما لا يملكه بالطبع نتنياهو وحده، فإسرائيل لا تستطيع ضرب إيران بشكل يعوّق برنامجها بشكل دائم، وهو ما يدفعها دومًا للبحث عن الدعم الأمريكي، إن لم يكن حث واشنطن على الهجوم بنفسها على منشآت إيران، وهو موقف يتفق فيه جزئيًا المعسكر الجمهوري، والذي يمتلئ بالمتطرفين حيال إيران.
بالإضافة إلى ذلك، يعرف أوباما أن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على احتواء إيران وترويض نزعاتها عبر التعاون معها والانفتاح الاقتصادي عليها، كما فعلت تمامًا مع الصين في سبعينيات القرن الماضي، فوجود إيران كبلد ذي روابط اقتصادية قوية مع الغرب، سيحد كثيرًا من قدرتها على شن سياسات معادية للغرب كما تفعل الآن، وهو أمر لا يتسنى لإسرائيل فعله لأسباب أبرزها أن اقتصادها الصغير ليس كافيًا لجذب إيران، وثانيًا لأن الانفتاح الاقتصادي على إسرائيل ليس أمرًا سهلًا في الشرق الأوسط، لاسيما والتعاون معها مرفوض على مستوى الرأي العام في معظم البلدان.
نهاية الحياد الإسرائيلي
بالنظر لتلك الخلافات في الرؤى، والعلنية التي أصبحت تتسم بها انحيازات نتنياهو والليكود داخل الساحة الأمريكية، يبدو ولأول مرة أن إسرائيل قد تخسر كنزًا ثمينًا، وهو الدعم المستمر والدائم من واشنطن لوجودها وسياساتها العامة بغض النظر عن الحزب الموجود في السلطة، نظرًا لشعور الديمقراطيين المتزايد بأن إسرائيل أصبحت تمثل عبئًا، وأصبحت لاعبًا منحازًا داخل السياسة الأمريكية، لا مجرد لوبي يحاول حماية مصالح إسرائيل بشكل محايد.
ما إذا كان الجمهوريون سيحلون محل أوباما بعد عامين أو لا هو أمر لا يمكن الجزم به، ولكن تحوّل إسرائيل من الحرص على علاقة استراتيجية مع واشنطن، إلى سياسة أشبه بالبلطجة تجاه الديمقراطيين، تعتمد بالأساس على الجمهوريين والأيباك في فرض آراء تل أبيب في واشنطن رغمًا عن أنف أي إدارة ديمقراطية موجودة بالسلطة ولو كان البيت الأبيض نفسه، هو تطور جديد سيقوّض بشكل غير مسبوق التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
تجري الانتخابات الإسرائيلية بعد ستة أسابيع تقريبًا، وهي منافسة في الأساس بين نتنياهو، وسياسة البلطجية التي يمثلها في التعامل مع المجتمع الدولي وفي واشنطن نفسها، وبين معسكر الوسطيين الذي يقوده إسحاق هرزوج وتسيبي ليفني، وبينما يعتمد نتنياهو على مخاوف الإسرائيليين الأمنية، فإن المعسكر الوسطي يعتمد على تخويفه من عواقب خسارة واشنطن كحليف إلى الأبد جراء سياسات نتنياهو، وهو أمر قد يكون أشد خطورة على وجود إسرائيل ربما من هجمات عربية بين الحين والآخر كما يدّعي نتنياهو.
بالنظر لاستطلاعات الرأي الجارية مؤخرًا، يبدو الليكود حتى الآن في المقدمة، وهو ما يعني أن الرأي العام الإسرائيلي غير مدرك لعواقب ما يفعله نتنياهو في واشنطن، وغير منتبه لخطوات عدة جرت مؤخرًا في الغرب قد تُنذِر بفقدان إسرائيل لرصيدها الإستراتيجي، أبرزها رغبة أوربا في الاعتراف بدولة فلسطين.
إذا ما نجح نتنياهو في الاحتفاظ بمنصبه، فإن هذا يعني عامين تقريبًا تشهد فيهما علاقات البلدين المزيد من التدهور، بل وربما أكثر من ذلك إذا ما نجح الديمقراطيون في الحفاظ على رئاسة الولايات المتحدة في انتخابات 2016.
المصدر: نيويوركر + أتلانتك