ترجمة وتحرير نون بوست
“عندما كان طفلاً أنا التي قمت بتغيير حفاضات أخي الصغير، أما الآن؟ فأنا أم تبلغ من العمر 42 عامًا، وأنا بحاجة له لكي يوقع لي على إذن سفر خارج البلاد”، قالتها صديقتي السعودية المطلقة وهي تبدي اشمئزازها وذلك أثناء احتسائنا للشاي في فندق الفيصلية بالرياض، صديقتي ذات الجمال الملكي الصارخ، والتي تعمل بإحدى الوظائف المدعومة دوليًا، نفذ صبرها إزاء ثقافة بلادها التي تحاول حماية الممارسات الخانقة للنساء.
“إن البلاد تتغير” أصرّت صديقتي، وتابعت “نحن في المرحلة الإصلاحية”، لا يمكن لأحد أن يشكك بظهور علامات على تقدم المرأة في المملكة؛ ففي رحلتي الأخيرة إلى الرياض وجدة، كان الجميع – سواء من أبناء المملكة أو من الأجانب – يشددون على أن البلاد تتغير، ويقول سفير أمريكا السابق في السعودية جيمس سميث “البلاد على مسار التحديث”، وسميث وزوجته عاشا حوالي خمس سنوات، تعرفا فيها عن كثب على ثقافة المملكة، ويصف سميث هذه المرحلة بقوله “هناك عدم توازن سياسي طالما انحاز قليلاً نحو دعاة التحديث، وهؤلاء الدعاة هم كتلة كبيرة نسبيًا مكونة من الفتيات – في الجامعات والوظائف – اللواتي سيحدثن فرقًا”.
ليس من المرجح أن تسمع هذه الآراء عن تطور السعودية في الولايات المتحدة أو أوروبا، كون المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة على وجه الكرة الأرضية التي تمنع النساء من قيادة السيارات، هذا النشاط الذي يعتبره الغرب مكافئًا لمفاهيم حق الحرية، وحرية التنقل، وحق الاستقلال؛ فالغرب يشفق على المرأة السعودية التي لا يمكنها أن تقود سيارتها للوصول إلى مركز التسوق أو إلى مكتب الطبيب أو حتى إلى وظيفتها الخاصة، وبدلاً من ذلك، تفرض السعودية على النساء أن يرتدين البرقع ويجلسن في المقعد الخلفي من السيارة، هذه الحقائق بالإضافة إلى حقيقة أن النساء اللواتي يقدن سياراتهن ضمن طرقات السعودية يتم اعتبارهن من المحتجين، تجعل من المملكة العربية السعودية تبدو وكأنها دولة عالقة في ممارسات الماضي السحيق.
ولكن الواقع يبدو أكثر تعقيدًا من النظرة السطحية التي يعرفها الغرب عن السعودية والتي تتمثل بمنع النساء من القيادة فقط؛ فالمرأة السعودية -المحرومة من عدد كبير من الحقوق الأساسية – حققت تقدمًا كبيرًا في السنوات الخمس الماضية، حيث ازداد خلال الفترة الماضية عدد النساء المتخرجات من الجامعات السعودية أكثر من أي وقت مضى، كما وازداد عدد النساء اللواتي يتم قبولهن في الوظائف والأعمال، وأصبحت النساء تتحدث بحرية أكبر خاصة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وفي العام الماضي، عيّن الملك المتوفى عبد الله 30 امرأة في مجلس الشورى السعودي، وهو هيئة استشارية مؤلفة من 130 عضو تعمل على اقترح القوانين للملك، وشملت النساء المُعينات في المجلس أعضاء من ناشطات حقوق الإنسان، وناشطات الصحة العامة، وأميرتين، ويشير سميث أنهن “لا يشعرن بالخجل” لمواجهة رجال الدين السعوديين الذين يصفوهن بأنهن عاهرات.
يعمل مجلس الشورى من خلال النساء الـ 30 اللواتي تم تعيينهن مؤخرًا ضمنه، على تغيير سياسات المملكة في مجالات الرعاية الصحية والزواج المُبكر والوصاية الذكورية وقيادة السيارات، حيث وقع الملك المتوفى في العام الماضي على قانون جديد تم اقتراحه من المجلس، يسمح للنساء بالتقدم للحصول على قروض عقارية بغض النظر عن الحالة الاجتماعية، وفي العام القادم ستُمنح النساء الحق في الترشح للانتخابات المحلية، وذلك بعد أربع سنوات من منحهن الحق في التصويت على هذه الانتخابات بموجب مرسوم ملكي.
استطاعت المرأة خلال الفترة الماضية أن تكسب حقها لتلعب دورًا جديدًا ضمن محاكم البلاد؛ ففي أكتوبر من عام 2013، تم الترخيص لأول أربع نساء سعوديات للعمل كمحاميات ضمن البلاد، وقبل صدور هذا الترخيص كانت النساء المُتخرجات من كلية الحقوق يستطعن العمل كمستشارات قانونيات فقط، ولم يكن يسمح لهن الترافع في المحاكم أو إدارة مكاتب المحاماة الخاصة بهن، أما الآن، فالترخيص لن يساعد المحاميات الشابات فقط، بل سيساعد النساء على توكيل المحاميات اللواتي سيقدمن للموكلات عونًا كبيرًا في نظام المحاكم التي تسيطر عليها النظرة الذكورية، والتي تسعى لغبن حقوق المرأة، وعلى الرغم من أن هذا التغيير يعتبر حجر الأساس في الوصول إلى حقوق المرأة، إلا أننا بحاجة للانتظار بعض الوقت لرؤية النتائج.
إن التطور الحاصل في مجال وظائف المرأة لا يقتصر فقط على نخبة النساء السعوديات، بل إن عملية “سعودة الوظائف” (وهي السياسة الحكومية الهادفة إلى استبدال العمالة الأجنبية الكبيرة بمواطنين سعوديين) عملت – بدون قصد – على إعادة تشكيل فرص لجميع النساء اللواتي يرغبن بالعمل، كما أنها أفسحت المجال أمام الأزواج لتوظيف زوجاتهم للحصول على دخل إضافي للأسرة، وتشير النساء السعوديات أن عادل بن محمد فقيه، وزير العمل في المملكة العربية السعودية، هو البطل المغمور لسماحه للنساء بالدخول ضمن حصة سوق العمل السعودي؛ فوفقًا لوزارة العمل، يوجد حاليًا أكثر من 454.000 امرأة سعودية عاملة، مقارنة مع 50.000 امرأة في عام 2009، علمًا بأن هذه الأعداد هي في تزايد بعد إعلان الوزارة مؤخرًا أنه خلال ثلاث سنوات يجب على جميع محال الملابس والإكسسوارات النسائية أن توظف عمالاً من الإناث فقط.
خلال سنوات سوف تمتلك السعودية طاقمًا من العاملات المدربات لشغل الوظائف الدنيا والوظائف العليا على حد سواء، كون الإناث يشكلن الآن غالبية خريجي الجامعات السعودية، كما أنهن حصلن على أعلى معدلات تخرج، وعندما أعلن الملك المتوفى عبد الله عن خططه لإرسال 100.000 طالب سعودي في منح دراسية حكومية للجامعات في الخارج، أشار أنه خصص حوالي ثلث هذه المقاعد للنساء، وهذه الخطط لن تتعارض مع تشكيلة المجتمع السعودي، كون الآباء المحافظون يدعمون الطموحات المهنية لأولادهم الإناث والذكور على حد سواء، ويقول سميث “الرجال السعوديون يفخرون ببناتهم كما يفخرون بأبنائهم، لا أعتقد أن المملكة عندما أصدرت هذا القرار لم تفكر في العواقب الغير المقصودة حول آراء المجتمع في تعليم النساء”.
يقول سميث بأن المجتمع السعودي شهد خلال الفترة الماضية تحولاً ثقافيًا مهمًا؛ فخلال فترة وجوده كسفير في المملكة، راقب سميث عن كثب تغيرات المجتمع السعودي، وفوجئ في عام 2010 برؤية صورة في صحيفة تظهر الملك وهو يكرّم باحثة سرطان لم تكن تغطي وجهها، كما أشارت زوجة سميث، أنها تصورت أكثر من مرة مع طبيبات تلقين تكريمًا ممثالاً في وقت لاحق وتم نشر هذه الصور في الصحف، وهذه التطورات تعتبر تحولاً هامًا جدًا في مجتمع لم يسبق له أن سمح لصورة امرأة بالظهور في الصحف، ويشرح سميث هذه الظاهرة بقوله “ليس منذ زمن بعيد، في حوالي عام 2005 أو 2006، لم يكن من الممكن نشر اسم النساء في الصحف، فما بالك بالصور؟”.
توفّر مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة جديدة للنساء لدفع البلاد إلى الأمام، حيث تشير شركة العيادة الاجتماعية، وهي شركة إنترنت استشارية مقرها السعودية، أن المملكة لديها أعلى نسبة من مستخدمي الإنترنت الذين يستخدمون تويتر، فحوالي ثلث مستخدمي الإنترنت يستخدمون التويتر بانتظام، وفي عام 2013 وحده، زاد عدد السعوديين الذين يستخدمون الفيسبوك على الموبايل بنسبة 150%، حيث تقول إحدى الطالبات الجامعيات إن مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وفرت وسيلة لإضفاء الشرعية على وجهات النظر التقدمية التي لم يسبق أن تم نشرها على العلن، كما كشفت السفارة الأمريكية عن مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي خلال فيضانات جدة في 2009، حيث كانت هذه الوسائل بمثابة متنفس لشكاوى المواطنين الغاضبين، وتم اعتبار الفيسبوك والتويتر حينها الوسيلة الأكثر موثوقية لعكس الأحداث الواقعية مقارنة بوسائل الإعلام المطبوعة أو الأخبار التلفزيونية.
وخلافًا لما حدث في بلدان أخرى، عملت وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية كأداة لإخماد المعارضة بدلاً من أداة لتنظيم احتجاجات الشوارع؛ ففي عام 2012، على سبيل المثال، عمدت المملكة لمنع الرجال من بيع الملابس الداخلية النسائية بعد أن انتشار حملة على الفيسبوك تسمى “كفى إحراجًا” ألقت الضوء على الإحراج الذي تلقاه المرأة السعودية لاضطرارها لشراء حمالات الصدر والملابس الداخلية من الباعة الرجال، وفي العام الماضي، انتشرت حملة غاضبة على تويتر ألقت الضوء على زواج رجل يبلغ من العمر 90 عامًا من فتاة تبلغ 15 عامًا مقابل مهر بلغ 17.500 دولار أمريكي، ووصلت هذه الحملة إلى المسؤولين السعوديين؛ مما حذا بهم إلى الانتباه لضعف قوانين الزواج التي تسمح بزواج الفتيات دون السن القانوني في المملكة.
بالنسبة للمجتمع السعودي الغاضب، خاصة في أعقاب ثورات الربيع العربي، تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على توفير منفذ آمن نسبيًا للتنفيس عن غضب المعارضة؛ فحتى بالنسبة لأهم موضوع يشغل الشارع السعودي وهو الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات، لم تحظ الدعوة للمشاركة في الاحتجاجات بالشوارع سوى على تأييد بالكاد ظهر على أرض الواقع، حيث تشير العديد من النساء السعوديات أنهن قررن عدم المشاركة بهذه المسيرات لأن النظام الملكي قد أشار بوضوح إلى أن الاحتجاجات سوف تؤدي إلى تراجع مطلبهم من خلال إثارة رد فعل عنيف من قِبل اليمين الديني، أما في جدة وهي المدينة السعودية الأكثر انفتاحًا، يمكنك ملاحظة أن الرجال والنساء يعملون سويًا على تنظيم المسيرات كوسيلة لإحداث التغيير، ويقول الأمير السعودي الوليد بن طلال “السعوديون يريدون تطورًا هادئًا ورصينًا، وهم لا يسعون لثورة فوضوية”.
إن الدعم الفاتر الذي تلقته الـ60 امرأة اللواتي شاركن في احتجاج منع القيادة في الرياض، يمكن مقارنته مع مقطع الفيديو الهزلي الذي تم نشره على موقع يوتيوب وتم تصميمه من قِبل شابين سعوديين في العام الماضي، حيث إن مقطع الفيديو أثبت أنه يستطيع الدفاع عن قضية المرأة أكثر من الاحتجاج الذي نظمته النساء في الرياض؛ فهذا الفيديو الذي يسخر من رجال الدين المحافظين الذين يبررون عدم السماح للمرأة بالقيادة لأن القيادة تضر بالمبايض، استطاع حصد متابعة أكثر من سبعة ملايين مشاهدة في الـ24 ساعة الأولى على نشره، حيث تعتبر هذه الطريقة من الطرح الهزلي التي يتبعها الإصلاحيون الجدد أقل تهديدًا من طرق المعارضة التقليدية التي تتضمن النزول إلى الشوارع، وهي بالتالي أكثر أمانًا منها، أما بالنسبة لبعض النشطاء الذين يؤيدون السماح للمرأة بقيادة السيارة، فهم يعمدون لتبرير موقفهم من وجهة النظر الأسرية، بدلاً من ترويجها على أنها مسألة من مسائل حقوق المرأة، حيث يناقش هؤلاء أن عدم السماح للمرأة بالقيادة سيضطر العائلة إلى توظيف سائق ذكر – أجنبي في كثير من الأحيان – مما يذهب بربع وارد العائلة من الطبقة المتوسطة على الأقل.
إن موضوع قيادة المرأة للسيارة يبقى موضوعًا جدليًا ومتشابكًا مع قضايا عميقة تخص المجتمع السعودي وثقافته؛ فمثلاً معظم النساء ذوات الشأن، واللواتي قد يؤثرن على الرأي العام، يفضلن الحفاظ على السائقين بدلاً من قيادة السيارات والاضطرار للتعامل مع حركة المرور، وعلاوة على ذلك، تعتبر القيادة في المملكة العربية السعودية من أخطر الأعمال التي يمكن القيام بها هناك؛ فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية تعتبر السعودية أحد أعلى البلدان في العالم في معدلات الوفيات المرتبطة بقيادة السيارات، ويمكنك أن تلاحظ مدى خطورة الطرقات السعودية بمجرد إجراء بحث بسيط على مقاطع الفيديو في اليوتيوب، والتي تظهر تهوّر الشباب السعودي في الشوارع، لذا يمكنك معرفة المخاوف التي تدور في أذهان الذكور السعوديين حول إرسال أمهاتهم أو زوجاتهم على الطرقات بدون مرافقة، وقد يبدو هذا التبرير واهيًا، ولكنه حقيقة واقعة يمكن التماسها في فكر الملك السعودي المتوفى الذي أشار أنه يدعم قضية قيادة النساء للسيارات، ولكنه بذات الوقت نصح النساء بالصبر لبعض الوقت.
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن المراسيم الملكية غالبًا ما تصدر بناء على موافقة أكثر من ثلثي السكان، والآن ومع زيادة عدد النساء المتخرجات من الجامعات، وزيادة عدد النساء المتجهات إلى سوق العمل، فإن الرأي العام سيميل نحو الحداثة، ولكن إذا كان الغرب يتوقع قريبًا أن يرى النساء يخرجن في احتجاجات حول المفاهيم المجردة لحقوق المرأة، فمن المرجح أن يُصاب الغرب بخيبة أمل، وفي ذات الوقت يشير سميث بأن تطور وتقدم المرأة سيعمل في مصلحة النظام الملكي حيث يقول “دور المرأة سيكون قضية إستراتيجية رئيسية خلال العقد القادم، لا يمكنك أن تصبح دولة عظيمة طالما أن نصف قدرتك الفكرية مهمشة ومغيبة”.
المصدر : فورين أفيرز