بعد أحداث الموصل في 10 يونيو 2014، خلق تنظيم الدولة “داعش” حالة من العزلة الرهيبة بحصار كامل على المدينة التي نزح ما يقارب نصف السكان منها إلى المناطق الأكثر أمانًا في إقليم كردستان المجاور أو للعاصمة بغداد وبعض محافظات الجنوب.
على الرغم من احتدام المعارك بين تنظيم داعش من جهة والبيشمركة الكردية والجيش العراقي والتحالف الدولي الذي يقصف من السماء من جهة أخرى، فقد استمر النزوح بطرق عديدة للخروج من مدينة الموصل وكان الهاجس الأول للنزوح خوف الأهالي من تجنيد الشباب الإلزامي الذي لم يُفرض بعد، ولكن الشكوك تراود أهالي المناطق التي تسيطر عليها داعش؛ لذلك تجازف العوائل بالهروب للحفاظ على شبابها من أن يكونوا وقودًا لحرب هم ليسوا طرفًا فيها، وخوفهم من بطش تنظيم داعش.
فرض التنظيم قيود مشددة للخروج من الموصل، كان أهم هذه القيود هي حجز تذاكر النقل من شركة معينة داخل مدينة الموصل وهي “شركة حلب”، والشرط الثاني أن يكون الخروج من الموصل إلى الحدود السورية مباشرة بدون السماح لهم بالبقاء في سوريا أو النزول إلى جنوب سوريا ومنها إلى محافظة الأنبار ثم إلى كربلاء فبغداد.
تبدأ المعاناة للعائلة الموصلية بتدبير مبلغ المال الذي يحتاجونه لغرض الوصول إلى مدينة إسطنبول التي يوجد بها القنصلية العراقية التي ستمنحهم جواز السفر الذي يمكّنهم من الرجوع للمحافظات العراقية الآمنة أو التقديم إلى اللجوء من خلال الأمم المتحدة.
بعد تدبير مبلغ المال الذي يعني بيع المصوغات الذهبية والمقتنيات المنزلية بالسوق بثمن لا يتجاوز نصف ثمنه الحقيقي، يتم الحجز لدى شركة النقل التي لديها نقل يومي إلى مدينة غازي عينتاب كما يذكر موظفوها، بعد الحجز يتم تحديد موعد الانطلاق للمركبة التي تضم 32 مسافرًا يتم أخذهم والانطلاق بهم بطريق يمتد لمدة 12 ساعة سفر متواصلة إلى أن يصلوا مدينة الرقة السورية، حيث يسلكون طرقًا قريبة جدًا من بعض مواقع الاشتباك القريبة من سنجار وكوباني وغيرها، والسير ليلاً بدون إنارة بغرض تجنب قصفهم من طائرات التحالف التي تُحلِق بكثافة في تلك المناطق وتقصف أي هدف يشتبه به، وقد حدثت حالات لقصف بعض السيارات راح ضحيتها مدنيون من مدينة الموصل، وبعد سير متواصل بدون انقطاع يتم الوصول إلى مدينة الرقة حيث يتم تغير الحافلة ذات ال 32 راكبًا إلى سيارات ذات 7 ركاب، تنطلق بهم بعدها باتجاه مدينة تل الأبيض الحدودية وهي مدينة بشطرين: الأول في الجانب السوري والثاني في الجانب التركي.
عندها يتم إيصالهم للحدود وتركهم هناك ليعبروا الحدود سيرًا على الأقدام لمسافة حوالي 2 كيلو متر، وقد يتعرضون للقتل من حرس الحدود التركي، خاصة إذا شك في وجود مقاتلين من بين الذين يتسللون لغرض عبور الحدود، وسط حالة من الخوف والرعب تسير العائلات بينهم كبار السن والأطفال المسافة الحدودية بخطوات سريعة وخائفة حتى تجتاز الحدود لتصل إلى الجانب التركي.
وهنا تنتهي المعاناة الأمنية وتبدأ معاناة من نوع آخر، إنها معانات النزوح واللجوء والتشرد، حيث تستأجر تلك العوائل سيارات أجرة بغرض إيصالهم لمحطة الحافلات في مدينة أورفا ومنها يتم حجز رحلة إلى مدينة إسطنبول، ليصلوا بعدها إلى قنصلية العراق؛ فتنهال عليهم مجموعة من الإجراءات المعقدة بغرض الحصول على جواز سفر يعودوا به إلى محافظات النزوح في داخل العراق أو التقديم إلى منظمة الأمم المتحدة حتى تصله رحمة النزوح الإنساني الذي يفرض شروط وتعقيدات وفترات انتظار تجعل العوائل في حالة لا تحسد عليها وتنتهي رحلة الألف ميل القاتلة برحلة جديدة من نوع آخر من المعانات والتشرد.