ترجمة وتحرير نون بوست
كتب ماري أتكينسون وروري دوناغي:
أطلق الإعلامي المصري الشهير إبراهيم عيسى هجومًا لاذعًا على المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، داعيًا مصر لوقف قبول التمويل الخليجي الكثيف، مما يثير عدة تساؤلات جديدة حول التغيّرات المحتملة في التحالفات الإقليمية الناجمة عن وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله.
عيسى الذي يطل على الشاشة من منبر برنامجه الأسبوعي “25/30” الذي يُعرض على قناة أون تي في، اتهم المملكة العربية السعودية التي تعتبر الحليف الأقوى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بدعم الإرهابيين في سوريا، وحث الرئيس السيسي على عدم وقوعه “كأسير” للرياض، قائلاً إنه يجب أن تُبنى العلاقات المصرية السعودية على “المصالح المشتركة”، التي لم تعد موجودة بعد الآن، وأضاف عيسى أن “مصر يجب أن تتحرر من علاقة الامتنان مع السعودية”، في إشارة إلى مليارات الدولارات الذي تقدمها السعودية كمساعدات لدعم الاقتصاد المصري المتداعي.
تعليقات المذيع المخضرم يمكن أن تؤدي إلى تحوّل في العلاقات بين الترويكا المصرية – السعودية – الإماراتية، خاصة إذا صحّت التسريبات الصادرة عن مكتب الرئاسة المصرية والتي تشير إلى ارتباط الكثير من الإعلاميين المصريين بأوامر وتوجيهات السلطة، حيث كان اسم عيسى ضمن الشريط المسرّب من مكتب السيسي، والذي فضح ارتباط كبار المسؤولين المصريين وعدد من الشخصيات الإعلامية البارزة بالعمل لمصلحة الجيش، وتضمن التسجيل تعليمات وجهها اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي، إلى وسائل الإعلام المصرية لدعم السيسي في انتخابات عام 2014، حيث ظهر كامل في الشريط المسرّب وهو يقول “نريد لوسائل الإعلام أن تعمل على تشجيع الناس للتصويت لانتقال السيسي من قيادة الجيش إلى الرئاسة”، كما نشرت القناة التلفزيونية الداعمة للإخوان في مصر “مكملين” وهي القناة التي نشرت التسريبات، مقطعًا لعيسى على قناة “تحرير” المصرية يشير فيه أن السيسي هو “منقذ” الأمة، وهو ما اعتبرته القناة دليلاً دامغًا على وجود أذرع إعلامية للرئيس المصري.
هذا الشريط غير المدقق والذي يوضح ارتباط عيسى بأوامر النظام المصري، دعى الكثيرين للتكهن بأن عيسى كان يتحدث بلسان السيسي عند انتقاده للمملكة العربية السعودية، وهذه التصريحات قد تمثل تحولاً في تحالفات مصر الإقليمية في أعقاب وفاة الملك عبد الله، حيث أشار عيسى في برنامجه هذا الأسبوع، أن الملك السعودي الجديد سيأتي “بإدارة جديدة، وهذه الإدارة سيكون لديها سياسة خارجية جديدة”، وعطف عيسى هذه التغييرات الجديدة في القيادة السعودية على تغيّر موقف السعودية من الإخوان حين قال “السعودية أصبحت أحد حلفاء جماعة الإخوان المسلمين”، وهذه الخطوة تعتبر خروجًا عن السياسة السعودية السابقة التي كانت تعتبر الجماعة “منظمة إرهابية”، تماثلها بذلك مصر والإمارات العربية المتحدة.
إن الرأي الذي طرحه عيسى حول تغيّر نظرة السعودية تجاه الإخوان المسلمين، يتزامن مع تصريحات صادرة عن مصادر مقربة من الحكومة القطرية – الحكومة المعروفة بتأييدها للإخوان – تشير إلى أن قطر تنظر إلى قيادة الملك سلمان في المملكة العربية السعودية بأنها أكثر انفتاحًا على المصالحة مع تنظيم الإخوان، حيث صرّح مصدر قطري رفيع المستوى لم يكشف عن اسمه لوكالة رويترز بقوله “خلافًا لمصر وللإمارات العربية المتحدة، فإن القيادة السعودية الحالية مدركة بأنها لا يمكنها مقاطعة الإخوان بهذه البساطة، كونه لا يمكن إزالة الأيديولوجيات بالقوة، ولهذا السبب تعد إعادة إنشاء الاتصالات أمر ضروري بالنسبة للسعودية”.
عيسى في عرضه الأخير سخر من المملكة العربية السعودية، ولكنه بالمقابل أثنى بشكل خاص على الإمارات، الحليف المقرب الآخر من مصر وأحد الداعمين الماليين لحكومة السيسي، حيث وصف دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها “دولة مهمة ومحترمة وكبيرة ذات شعب رائع”.
هذه الإشادة غير المسبوقة من قِبل عيسى بالإمارات، يمكن ربطها مع الموقف الإماراتي الذي انتقد الحكومة السعودية الجديدة في عهد الملك سلمان، حيث تم نسب هذه الانتقادات لحكومة الإمارات بطريقة غير مباشرة أيضًا، وهذه المرة من خلال موقع أخبار إماراتي يعتبر مقربًا من حكام البلاد، حيث انتقدت شبكة إرم الإخبارية مؤخرًا تعيين الأمير محمد بن نايف نائبًا لولي العهد الأمير مقرن، ووفقًا للشبكة، فقد اُتخذ قرار تعيين بن نايف “بالمخالفة لنصيحة مجلس البيعة” وهي الهيئة التي شكّلها الملك الراحل عبد الله لتحديد خلفاء المملكة، وأضافت الشبكة في تقريرها “يجب أن يتم اختيار الشخص الذي يشغل دور نائب ولي العهد بناء على قرار من مجلس البيعة”، ولكن على الرغم مما تقدم عادت الشبكة لتقول “من المرجح جدًا أن يكون الأمير محمد بن نايف قد تم اختياره بالاتفاق مع مجلس البيعة”.
تمت تغذية الشائعات التي انتشرت حول الخلاف الناشئ بين الرياض وأبو ظبي من خلال حقيقة أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء محمد بن راشد آل مكتوم لم يحضرا جنازة الملك عبد الله في السعودية الشهر الماضي، حيث ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية بتقرير للكاتبة دعاء سويدان أن محمد بن زايد – وهو الحاكم الفعلي للإمارات – أمر فقط حكام الشارقة وعجمان ورأس الخيمة لحضور تعزية الملك عبد الله، ووفقًا للصحيفة، كان ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد غاضبًا من التطورات التي جرت صبيحة يوم دفن الملك عبد الله، حيث ذكر التقرير “الدفعة الأولى من الأوامر الملكية تعارضت مع رغبات بن زايد، حيث تلقى الأخير ضربة موجعة بتعيين محمد بن نايف نائبًا لولي العهد، وطرد خالد التويجري من الديوان الملكي، واستبعاد متعب بن عبد الله (ابن الملك الراحل) من المراكز الثلاثة الأولى”.
بحسب أوساط خليجية، فإن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد هو في خلاف طويل الأمد مع نائب ولي العهد السعودي محمد بن نايف، ويرجح أن هذه الخلافات تعود – جزئيًا – إلى التعليقات التي أدلى بها بن زايد عن والد الأمير محمد بن نايف؛ ففي لقاء مع مسؤولين أمريكيين قبل غزو العراق عام 2003، قال بن زايد أن الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود له صفات تشبه القرد، حيث أشارت برقية دبلوماسية سرّبها موقع ويكيليكس إلى هذا التعليق بقوله “محمد بن زايد كان ينظر بدونية لبعض كبار حكام آل سعود، حيث سخر من الطريقة التي يتلعثم فيها وزير الداخلية السعودي نايف بن عبد العزيز، وأشار إلى إنه حينما يرى نايف يترسخ لديه الاقتناع بأن داروين كان محقًا حين قال إن الإنسان انحدر من القرد”.
في خضم هذه التكهنات التي تشير أن مصر والإمارات العربية المتحدة الآن في علاقة متوترة مع المملكة العربية السعودية، يبقى من غير الواضح ما إذا كان الدعم المالي من الدول الخليجية الغنية سوف يستمر في دعم الموارد المالية المصرية، حيث أُفيد محليًا في مصر هذا الأسبوع أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت يعزمون على إيداع مبلغ 10 مليار دولار في مصر قبل مؤتمر مارس الاقتصادي المزمع عقده في شرم الشيخ، ولكن هذه الآمال بدعم الاقتصاد المتعثر في القاهرة تحطمت عندما نفى مسؤولون كويتيون وإماراتيون يوم الجمعة الماضي الشائعات حول إيداع هذه المبلغ في الحسابات المصرية.
المصدر: ميدل إيست آي