اكتب بعد انتهاء هذه الحلقة التاريخية من برنامج “مكملين النهاردة” على قناة مكملين والتي أفخر أني قدمتها للعالم أجمع يوم السبت الموافق 7 فبراير 2015.
لعلك تذكر معي الكلمة الشهيرة لريتشارد قلب الأسد قائد جيوش إنجلترا في الحرب الصليبية أثناء حربه مع صلاح الدين عندما قال “كل حلفائك خانوك يا ريتشارد”.
ولكن ما حدث في حالة السيسي هو عكس هذه المقولة تمامًا، فهنا السيسي خان كل حلفائه، ولكن لماذا؟
ثبت للجميع في هذا التسريب أن علاقة عبد الفتاح السيسي بدول الخليج ونظرته لحكومات وأنظمة هذه الدول تحكمها بعض الرؤى والمُحددات التي يؤمن بها السيسي، ويرددها على لسانه مدير مكتبه عباس كامل، ورئيس أركانه وصهره محمود حجازي، ويسوق لها في عقول المصريين بعض الإعلاميين المحسوبين على المخابرات الحربية.
أول هذه الرؤى والمحددات في علاقة السيسي بدول الخليج حكوماتها هي:
1- الاستعلاء
تحدث السيسي كثيرًا مع مدير مكتبه ورئيس أركانه حول مفهوم “أنصاف الدول”، وأن مصر فعلت للخليج أمورًا كثيرة ولها عليهم أيادٍ بيضاء، ومن الواجب على دول الخليج أن تفهم ذلك وأن تعي دائمًا أنها ترد الجميل لمصر، واللافت للنظر هنا وأنا كنت مجندًا في القوات المسلحة سمعت هذا الكلام وشاهدته، فالسيسي وقيادات القوات المسلحة في اللواءات والكتائب المختلفة وفي مراكز تدريب القوات المسلحة وفي الجلسات المغلقة والتي لا تنقلها وسائل الإعلام عندما يتحدث أحدهم عن دول الخليج مخاطبًا جنوده أو ضباطه، فالحديث عن دول الخليج لا يقل في الإهانة والتقليل والتحقير منهم عما ورد في هذا التسريب، وهو إن دل على شيء فهو يؤكد على نظرة الاستعلاء والتحقير لدول الخليج والتي يتعامل بها السيسي مع حلفائه السابقين والداعمين له ماليًا وسياسيًا على مدار عام ونصف.
2- الانتهازية
شاب صغير مدلل وهو بليد أيضًا، لا يعتمد على نفسه ولا يستطيع أن يُدير عملاً صغيرًا، يعتمد بشكل كامل على والده وأمواله، تخرج من الجامعة بعد تدخل أبيه لمساعدته، ثم تزوج معتمدًا على أبيه، ثم جلس في البيت لا يعمل ولا يبحث عن عمل وكلما حدثه أحد إخوته أو أصدقائه يجب أن تعتمد على نفسك فوالدك من الممكن أن يُغمى عليه أو يموت يرد عليه ساخرًا: “خليه يدفع ده فلوسه زي الرز “.
مثل هذا الولد البليد تنطبق عليه الآية الكريمة في سورة النحل {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
هذا باختصار المُحدد الثاني في تعامل عبد الفتاح السيسي ورجالاته مع حكام الخليج من الملوك والأمراء؛ فهو هنا لا يعتمد إلا على أموالهم وياليته يشكر، لا اللافت للنظر هنا أن السيسي يتعامل مع أموال الخليج وكأنها حق مكتسب أو أنها ميراث ورثه عن أبيه، وأنه طالما امتلك الخليج أموالاً مثل الرز – على حد قوله -، أو امتلك أمراء الخليج مليارات تفوق ميزانيات الدول – على حد قول رئيس أركانه -، أو امتلك حكام الخليج أموالاً “متلتلة” – على حد قول مدير مكتبه؛ فمن أبسط حقوقه أن يطلب منهم ما يشاء، ومن واجب حكام الخليج أن يدفعوا من أموال شعوبهم ولا يبالوا.
3- التحقير والاستهزاء
عندما تهرول إلى نظام الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لكي يسند مهمة مصالحة مصرية – قطرية بوساطة سعودية لرئيس ديوانه الأسبق الأمير خالد التويجري، ويخرج التويجري بالفعل على قناة العربية ليتحدث عن تجاوب من أمير دولة قطر سمو الأمير تميم بن حمد آل ثان ومن عبد الفتاح السيسي الرئيس المصري بعد الانقلاب العسكري، ويتحرك عباس كامل مدير مكتبك ويأمر الإعلاميين المصريين في مدينة الإنتاج الإعلامي كي يبدأوا حملات مصالحة مع النظام القطري، ثم يسمعك النظام القطري الذي عقد مصالحة معك على مضض وتحت ضغوط كبيرة من مجلس التعاون الخليجي تسب رأس الدولة هناك وتحتقر الدولة القطرية وتستهزء بها؛ عندها فقط يعرف العالم العربي والغربي أيضًا ويعرف النظام القطري ما هو المحدد الثالث لدى السيسي ونظامه في التعامل معه.
4- السرقة والنصب والاحتيال
وجهت سؤالاً بالأمس لحكومات وأنظمة الخليج، وتساءلت هل مليارات الخليج التي طلبها السيسي كانت موجهة للنهوض بالدولة المصرية أم كانت موجهه لحساب قيادات القوات المسلحة المصرية؟ والسؤال هنا له دلالات أخرى؛ ففي الشارع المصري وعلى مدار عام ونصف لم يتم حل مشكلة واحده في المجتمع المصري، انهار الاقتصاد المصري بشكل كبير ولكن الطفرة الاقتصادية الوحيدة التي حدثت في مصر كانت في زيادة موازنة القوات المسلحة المصرية من 38 مليار إلى 49 مليار جنيه مصري ثم زادت معاشات العسكريين ثلاث مرات في فترة قصيرة، إذن الرجل يطلب مليارات من دول الخليج ولا يوجهها للنهوض بالجولة المصرية، ولكنه يستفيد بها هو وقطاع لا يتعدى 8% من القوات المسلحة المصرية، الأمر الآخر مع هذه الزيادة في موازنة الجيش ومع زيادة المعاشات العسكرية يظل السؤال المهم أين ذهبت مليارات الخليج؟ اين ذهبت تلك الأموال؟ ولماذا يطلب السيسي مؤتمرًا للدول المانحة والتي حددها بدول الخليج التي أخطأ في حقها واحتقرها جميعًا في هذا التسريب؟
إذن هي عملية جديدة من السرقة والنصب والاحتيال، وهذا هو المحدد الرابع في علاقة السيسي بحكومات دول الخليج.
5- التآمر على أنظمة الخليج
علاقة السيسي ومدير مكتبه بالأمير خالد التويجري، ونقل بيان ترشح السيسي من اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية لخالد التويجري قبل ظهوره بساعتين، وترتيبات مدير مكتب السيسي لموعد مع التويجري في المملكة العربية السعودية، ثم تعليمات السيسي ومدير مكتبه للإعلاميين المصريين بمهاجمة الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين والاعتراض على توليه مسؤولية الحكم في المملكة، إذا وضعت كل هذا جنبًا إلى جنب مع إقالة الأمير خالد التويجري رئيس الديوان الملكي السابق؛ يصبح الأمر واضحًا وجليًا أن هناك ثمة مؤامرة ما، لها أطراف داخل مصر على رأسهم السيسي ومدير مكتبه كانوا يقفون حائلاً أمام قدوم وتولي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مسؤولية الحكم داخل المملكة العربية السعودية؛ وهنا يظهر المُحدد الأخير لعلاقة السيسي بأنظمة وحكومات دول الخليج.
نعم توقيت عرض هذا التسريب #السيسي_يحتقر_الخليج يصيب السيسي ونظامه في مقتل ويضعه في حالة من الارتباك الشديد ويجعل مصيره على المحك لأنه خان كل حلفائه وأصبح الآن في حرج بالغ، فإما أن يخرج فيعترف بكل ما سبق وعندها تكون النهاية الحقيقية والقريبة، وإما أن يُنكر هذه التسريبات ويحاول تجميل الصورة لدى حكومات دول الخليج مرة أخرى عله يستطيع أن يقترض مليارات أخرى تُقيم مؤتمره الاقتصادي وتعطيه دفعة قصيرة لشهور قادمة.
دعنا ننتظر ونرى.