كنا نسير في شوارع مدينة تل رفعت من ريف حلب الشمالي، بصحبتنا فنانين ونشطاء ومصورين، فإذا بدراجة نارية يركبها اثنان مسلحون، أوقفا السيارة التي كنا نستقلها، وطلبوا منا النزول.
كنا على وشك النزول فعلا والامتثال لأمرهم، إلا أن مرافقنا الذي يساعدنا في التوثيق وأعمال الإغاثة أوقفنا، وبدأ في حوار حاد مع المسلحين، فهمنا منه أنهم تابعون لدولة العراق والشام الإسلامية “داعش”، وأنهم قلقون للغاية بعد أن أعلنوا دولتهم.
أتذكر كلمات أحدهم نصا -وقد قالها بالعربية الفصحى- “الدولة الإسلامية دولة وليدة، ويجب أن نحافظ عليها” من الإعلام غالبا. الحوار انتهى بأن أصر مرافقنا على أن نكمل تصوير، وهدد المسلحين وهو الأعزل أنه سيحادث مسؤوليهم في “داعش” ليوقفوا ما يفعلونه، بعدها بحوالي ثلاثة أشهر، يوم أمس كانت قوات “داعش” تقتل مرافقنا: حازم العزيزي.
حازم العزيزي، اسم يعرفه معظم الصحفيين والعاملين في المجال الإغاثي الذين يمرون عبر معبر باب السلامة الحدودي بين تركيا وسوريا، حيث يعمل حازم -واسمه الحقيقي عمر- في المكتب الإعلامي للواء عاصفة الشمال، لواء الجيش الحر الذي يسيطر على المعبر الحدودي مع تركيا، ويؤمن أحد أكبر مخيمات اللاجئين داخل سوريا، والمعروف بمخيم “اعزاز”.
حازم الشاب العشريني الذي شارك في العديد من المعارك ضد نظام الأسد، وتفرغ لاحقا للعمل الإعلامي لنصرة الثورة السورية، كان قد كتب قبل مقتله بساعات يقول: “اصابة اثنين من عناصر لواء عاصفة الشمال احدى الاصابات خطيرة اثناء محاولة التصدي لدولة العراق والشام التي حاولت اقتحام واعتقال ائنين من اطباء مشفى اعزاز الاهلي واثناء منع دولة العراق والشام من اعتقال الاطباء اطلقت النار وبشكل مباشر على عناصر لواء عاصفة الشمال”
كنت أبيت معه في مقر المكتب الإعلامي قبل أسابيع قليلة، واستضافني مبتسما كعادته، وعندما جلست إلى مكتبه، وجدت العديد من الصفحات المطبوعة بأخبار انجليزية من وكالات إعلامية كبرى مثل “بي بي سي”. وجدت الصفحات مُحشاة ومذيلة بتعليقات حازم بالعربية، بعضها ترجمة لكلمات لم يعرفها، وبعضها الآخر تعليقات على أسماء أشخاص سوريين، كان طموحا للغاية، وكان يحاول جهده أن يساعد الصحفيين الأجانب الذين يأتون لتغطية أحداث الثورة.
ما تفعله “داعش” مع نشطاء الثورة السورية يتجاوز وصف “الخطأ غير المقصود”، فبعد اغتيال مسؤول العمل الإغاثي بجبهة أحرار الشام الإسلامية، والذي كان يساعد وفدا إغاثيا ماليزيا، وبعد اختطاف العديد من الإعلاميين والصحفيين من بينهم عُبيده بطل مراسل تليفزيون الأورينت في حلب، واختطاف الأب باولو أحد أكثر النشطاء دعما للثورة السورية ولحراك الشعب السوري، يظل التساؤل مطروحا: لصالح من كل هذه “الأخطاء” التي ترتكبها “داعش”؟
حازم العزيزي لم يكن أول ضحايا “داعش” ويبدو أنه لن يكون آخرهم، الأمر الذي يضع الثوار في سوريا أمام مسؤولية أخلاقية ووطنية لإيجاد حل حاسم للتعامل مع التكفيريين القادمين من العراق، الذين يخدمون أول ما يخدمون نظام بشار الأسد الساقط في سوريا.