رغم عدم صدور أي تصريح رسمي من “هاكان فيدان” رئيس جهاز الاستخبارات التركية المستقيل مؤخرا، سيطرت الأخبار المتعلقة بهذه الاستقالة على عناوين الأخبار وعلى البرامج الحوارية طيلة الأيام الماضية، خاصة بعد صدور تصريح من الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أعرب فيه عن عدم ترحيبه بهذه الاستقالة وعن محاولته ثني فيدان عن الاستقالة وعن خوض الانتخابات البرلمانية.
وعصفت تصريحات أردوغان بالتحليلات الصادرت بشكل خاص من بعض رموز المعارضة التركية والتي روجت في البداية إلى أن فيدان، الملقب بيد أردوغان القوية وكاتم سره، استقال ضمن خطة وضعها أردوغان لتعيين فيدان على رأس الحكومة التركية عوضا عن رئيس الوزراء الحالي “أحمد داوود أوغلو”. وقد ادعت بعض قيادات المعارضة التركية طيلة الأشهر الماضية وجود خلاف بين أردوغان وأحمد داوود أوغلو بسبب “تحكم أردوغان في كل شيء”، ووجدت في استقالة فيدان وعزمه الترشح في الانتخابات التشريعية القادمة فرصة للترويج إلى أن أردوغان عزم على الدفع بفيدان لرئاسة الوزراء عوضا عن داوود أوغلو، وهي الرواية التي نفيت بشكل كامل بعد تأكيد رئاسة الوزراء على أن استقالة فيدان جاءت بناء على طلب داوود أوغلو.
وقال أردوغان للصحفيين قبل سفره لكولومبيا: “أنا شخص صريح وأقول بكل صراحة لا أنظر بإيجابية إلى ترشحه في الانتخابات التشريعية وقد قلت ذلك للسيد رئيس الوزراء”، مشيرا إلى أن الموافقة على ترشيح فيدان في الانتخابات وانضمامه للحكومة ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية وإنما من صلاحيات رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، الذي يترأس حزب العدالة والتنمية الحاكم، مضيفا أن “فيدان شأنه شأن أي موظف في الدولة له الحق في الاستقالة من منصبه، والترشح من خلال حزب سياسي”.
ويذكر أن مصادر خاصة لنون بوست قد أكدت منذ يوم السبت ووفق مصادر خاصة في أنقرة أن فيدان ليس مرشحا لرئاسة الوزراء في الوقت الحالي وأن استقالته من البيروقراطية التركية وتوجهه لدخول المعترك السياسي التركي يهدف إلى تسلم منصب وزير الخارجية في حكومة داوود أوغلو، لتستفيد الحكومة من محصلة المعلومات الواسعة التي وقعت بين يديه خلال سنوات ترأسه لأحد أهم أجهزة الاستخبارات في المنطقة وكذلك من العلاقت الدولية الواسعة لفيدان على المستوى الدولي، والتي شكلها خلال سنوات عمله في وزارة الخارجية عندما كان أحمد داوود أوغلو وزيرا للخارجية، وكذلك خلال سنوات ترأسه لوكالة التنمية والتنسيق التركية والتي تتمحور وظيفتها في دعم السياسات الخارجية لتركيا خاصة في دول العالم الثالث.
ومن بين أكثر المشاهد دلالة على العلاقات الخارجية القوية لهاكان فيدان، مرافقته لرئيس الوزراء التركي السابق أردوغان خلال زياراته الرسمية للخارج وخاصة لأمريكا، وكذلك العلاقة القوية التي تجمعه بالشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر الذي استقبله فيدان في أنقرة بشكل رسمي ورافقه في السيارة التي نقلته من المطار إلى القصر الرئاسي التركي.
وقد تلقى فيدان تعليمه في الكلية الحربية التابعة لجيش البر التركي وتخرج منها في سنة 1986 برتبة رقيب، ثم عين في “إدارة فيلق عمليات واستخبارات الرد السريع” في ألمانيا التابعة لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، ثم عمل لمدة سنتين كمستشار في سفارة تركيا في أستراليا، والتحق في سنة 2003 ببيروقراطية الدولة التركية عبر رئاسة “وكالة التنمية والتنسيق التركية”، ثم عمل مساعدا لداوود أوغلو وأشرف على محادثات السلام السرية التي كانت تجرى في أوسلو مع قادة حزب العمال الكردستاني، قبل أن يتم تعيينه في سنة 2007 نائباً لمستشار رئيس الوزراء عن الأمن الدولي والسياسة الخارجية.
ومن بين الشهادات الأكاديمية التي حصل عليها فيدان:
درجة الماجستير من جامعة بيلكنت في فرع العلاقات الدولية، حيث أصدر بحثا بعنوان “مقارنة بين نظام الاستخبارات التركي والأمريكي والبريطاني” في عام 1999، أشار فيه إلى حاجة تركيا لشبكة استخبارات خارجية قوية.
وبعد فوز رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية في الصيف الماضي، وأثناء تشكيل أحمد داوود أوغلو لحكومته الحالية، تداول اسم هاكان فيدان من بين الأسماء المرشحة لشغل منصب وزير الخارجية، غير أن حقيبة الخارجية سلمت آن ذاك لوزير الخارجية الحالي مولود شاووش أوغلو، وذهبت بعض التحليلات الآن إلى أن فيدان لم يلتحق بالحكومة الأولى لداوود أوغلو لأنه كان في حاجة لمزيد من الوقت لترتيب ملفات خروجه من جهاز الاستخبارات وتسليم رئاسة هذا الجهاز للرئيس القادم الذي لم يتم الكشف عن اسمه إلى حد الآن والذي يفترض أن يقترحه داوود أوغلو ويصادق على تسميته رئيس الجمهورية.
ورغم ارتباط اسمه بعدد من الملفات الحساسة وشديدة الأهمية، مثل تسليح المعارضة السورية ومعركته مع جماعة فتح الله كولن وتركيز الإعلام العالمي على شخصيته كونه “عدوا لإسرائيل” ويمثل خطرا عليها، لم يكن لهاكان فيدان أي تصريحات إعلامية معتبرة طيلة السنوات الماضية، مما جعل بعض الإعلاميين الأتراك يلقبونه بالصندوق الأسود. مع العلم أنه لازال يحتفظ بصمته حتى الآن ويفترض أن يكون له ظهور إعلامي هام في الأيام القادمة بعد خروجه رسميا من جهاز الاستخبارات.