ترجمة وتحرير نون بوست
كتب أليساندرو أكورسي وجيوفاني بيازسي
عبد الله بالكاد يستطيع أن يتحدث عن الليلة التي كان يخطط فيها لمشاهدة فريقه المفضل وهو يلعب كرة القدم، فبدلاً من مشاهدة المبارة، انتهى الأمر بعبد الله وأصحابه للهروب من الموت، مخلفين وراءهم 30 جثة على الأقل من أنصار نادي الزمالك لكرة القدم.
يشير بودي تايغر أو بودي النمر – لقب عبد الله في الأولتراس- أنه وصل إلى استاد الدفاع الجوي في القاهرة قبل بضع ساعات من بداية المباراة، ومشى مع أصدقائه نحو البوابة الرئيسية للملعب من خلال قفص بعرض 4 أمتار مصنوع من قضبان حديد وأسلاك شائكة، علمًا بأن هذه المرة الأولى التي يُسمح فيها لأنصار نادي الزمالك بحضور مباراة فريقهم، منذ حادثة بورسعيد في 1 فبراير من عام 2012 والتي راح ضحيتها 72 مشجعًا لفريق الأهلي ثاني أكبر الفرق شعبية في مصر.
يقول عبد الله “عندما كنا داخل القفص، قالت لنا الشرطة إنهم لن يسمحوا لنا بالدخول، وعلى الرغم من أننا أريناهم تذاكر المباراة، إلا أنهم قاموا بضربنا بالعصي وهم يضحكون”، هذا الموقف جعل الحشد الواقف أمام الباب الرئيسي غير قادر على التحرك إلى الأمام أو التراجع إلى الخلف، وكون الأشخاص القادمين من الخلف لا يدركون ما يحدث في المقدمة من ضرب وتنكيل، استمر الناس بالتجمع داخل النفق، وحينها قال عبد الله “هناك ثلاثة أشياء كان يمكن أن تقتلتنا، الناس المتدافعة في النفق، الغاز المسيل للدموع، الرصاص المطاطي الذي تم إطلاقه من قبل الأمن”، وفي النهاية، فعلاً أدت هذه الأمور الثلاثة إلى الوفيات.
أكدت فحوص الطب الشرعي التي أُجريت على 19 جثة أن أسباب الوفاة كانت “الاختناق، الفرار الجماعي، الضغط على الجهاز التنفسي”، وقال محمد لطفي المدير التنفيذي للجنة المصرية للحقوق والحرية “كان هناك أشخاص مصابين بالرصاص المطاطي، ولكن لا يوجد ضحايا لإطلاق نار”.
من جهتها رفضت السلطات المصرية والنائب العام المصري الاعتراف بمسؤولية قوات الأمن عن الحادث، واصفة الحادثة بأنها تدافع بسيط، أما بودي تايغر فليس لديه أي شك حول مسؤولية قوات الأمن عن الحادثة حيث قال “لقد كان الموضوع لعبة بالنسبة لهم، أطلقوا أسطوانة غاز مسيل للدموع داخل القفص، وقبل أن ينقشع الدخان، بادروا بإطلاق واحدة أخرى”.
“دعنا نفترض أنهم أرادوا فعلاً تفريق الحشود ومنعنا من الدخول”، يقول محمد مشجع آخر للزمالك كان ضمن الحادثة، ويضيف “لو كان الأمر كذلك، لكانت قوات الأمن أطلقت النار في الهواء فقط، ولكن بدلاً من ذلك عندما حاول أحد الأشخاص سحب أحد المشاعل – التي يتم استخدامها للاحتفال ضمن الملعب – بهدف الإشارة إلى الناس في الخلف للتراجع، وبمجرد أن وضع يديه في الهواء، وقبل أن يتمكن من إشعالها، بدأت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع كالمجانين ضدنا داخل الأقفاص”.
محمد بالكاد استطاع أن يفسّر لماذا عمدت الشرطة عند نجاح بعض المشجعين من الفرار والهرب، إلى مطاردة الناجين وإطلاق الرصاص المطاطي عليهم مرارًا وتكرارًا، حيث أوضح أن الملعب يقع في وسط منطقة صحراوية، ولم يكن هناك مكان للهرب أو الاختباء، ولكن لحسن حظ محمد، تمكّن من إيقاف سيارة والهرب بحياته، وأشار أنه خجل لفراره بنفسه وتركه لأصدقائه خلفه، كونهم بالنسبة له أكثر من مجرد زملاء في تشجيع فريق لكرة القدم.
عندما انتقل محمد من السويس إلى القاهرة للدراسة في الجامعة، أشار أنه سرعان ما وجد عائلة جديدة في منظمة مشجعي الزمالك التي تسمى “أولتراس وايت نايتس”، وعلى الرغم من أنه كان يعيش سابقًا بعيدًا عنهم، إلا أن السنوات التي قضاها بينهم كانت كافية لتحويل العاطفة المشتركة بينهم تجاه اللعبة والفريق إلى علاقة خاصة تجاوزت الصداقة العادية، فالأولتراس يعتبرون أنفسهم رفاقًا وأخوة، وهم يدينون بالولاء للجماعة وللفريق، ويعتبرون احترام قادة مجموعات الألتراس شيئًا ذا أهمية قصوى.
الجماعات المنظَّمة من مشجعي كرة القدم المبنية على نموذج الأولتراس الإيطاليين أو الهوليغنز الإنجليزيين هي ظاهرة جديدة نسبيًا في مصر، حيث تم إنشاء أول مجموعة مشجعين في عام 2007 من قِبل مشجعي النادي الأهلي المصري الذين عاشوا في الخارج وعادوا إلى القاهرة، واستوردوا المصطلحات وفكرة تنظيم أفواج المؤيدين من الخارج؛ فالأولتراس يدعمون فريقهم بالشعارات، وبإضاءة الألعاب النارية، وتنظيم الرقصات ضمن الملعب، ونشر شعار النادي من خلال الكتابة على الجدران (جرافيتي) في جميع أنحاء المدينة، وارتداء ألوان ولباس الفريق، ويوضح البروفيسور جيمس دورسي من جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة “إن الإحساس بالانتماء الاجتماعي لدى الألتراس نابع من حبهم لهذه الرياضة وتشجيعهم للنادي وكراهيتهم لقوات الشرطة”.
في السنوات الأربع الأخيرة من حكم مبارك، انضم عشرات الآلاف إلى جماعات الأولتراس (سواء التابعة للأهلي أو للزمالك)، حيث جاء هؤلاء الأشخاص من مناطق مختلفة وطبقات اجتماعية وخلفيات متباينة، ومن ثم اندلعت ثورة 25 يناير، ووضعت الجماعات المتنافسة خلافاتها جانبًا، وانضم الجميع للتظاهر في ميدان التحرير، يقول عبده مؤيد أهلاوي سابق من المطرية “كنا خصومًا، ولكننا جميعًا جئنا من ذات المناطق، لقد اجتمعنا معًا وجميعنا كنا نكره الشرطة”، وكون جماعات الألتراس هم من ذوي الخبرة في الاشتباكات مع قوات الأمن داخل وخارج الملاعب، عملت جماعات أولتراس الأهلي والزمالك معًا بمثابة “حرّاس ساحة التحرير”، حيث كانوا يشكلون ما يشبه قوات النخبة لحماية المحتجين عند الاشتباكات مع الشرطة.
عندما تم ذبح 72 شخصًا من أولتراس الأهلي في ملعب بورسعيد في 1 فبراير 2012، انضم أولتراس الأهلي والزمالك مرة أخرى سويًا، وقاموا بأعمال شغب ضد وزارة الداخلية، التي اعتبروها مسؤولة عن عمليات القتل في ذاك اليوم، حيث اتهمت مجموعات الأولتراس قوات الأمن ليس فقط بالتواطؤ في هذه المأساة، بل بالمسؤولية المباشر عن القتل المتعمد للأشخاص، كعمل من أعمال الانتقام المدبرة من قِبل الشرطة لمعاقبة أنصار كرة القدم لاشتراكهم في الثورة.
أعمال الشغب التي تلت هذه الحادثة أوضحت أهمية المشاركة السياسية للأولتراس؛ ففي أعقاب أول انتخابات رئاسية ديمقراطية في مصر في يونيو 2012، انقسمت قاعدة المشجعين بناء على مناصرة المرشحين السياسيين، وفي نهاية المطاف، عادت جماعات الأولتراس للتجمع سويًا للقيام بأعمال شغب بشكل متقطع مرة أخرى في أحداث متصلة بمذبحة بورسعيد وتبرئة ضباط أمن في هذه القضية، ومن ثمّ وعلى خلفية الإطاحة بحكم الرئيس مرسي في يوم 3 يوليو 2013، انقسم أعضاء الأولتراس لمجموعتين: المجموعة الأولى الأولتراس الموالية للرئيس المخلوع مرسي واعتصموا في رابعة، والمجموعة الثانية الأولتراس المؤيدة للسيسي واحتجوا في ميدان التحرير.
يوضح الأستاذ دورسي أن الفكر السياسي داخل الأولتراس يمتد من اليمين إلى اليسار، وهذا هو السبب بعدم ترجمة أنشطة الأولتراس ضمن سياسة أو جماعات سياسية منظمة بشكل جيد، لكن على الرغم من عدم وجودهم ضمن قالب سياسي منظم، إلا أنهم قادرون بالتأكيد على تشكيل جماعة ضغط على الحكومة، وهذا الواقع تثبته الأحداث الماضية التي اشتركت فيها هذه الجماعات.
لكن الأيام التي ظهر بها أعضاء الأولتراس بمظهر بطولي ضمن المجتمع المصري، واستطاعوا فيها جذب التعاطف من السكان، يبدو أنها انتهت منذ فترة طويلة، حيث كشفت المجزرة التي حصلت خارج ملعب الدفاع الجوي انخفاض شعبيتهم، فالأشخاص ظلوا يتمتعون بالمباراة داخل الملعب، على الرغم من المجزرة التي حصلت على بعد أمتار قليلة منهم، حتى إن نادي الزمالك لم يقم بإيقاف المبارة احتجاجًا على مقتل مشجعيه خارج الملعب.
يشير لطفي إلى إن جماعات الأولتراس التي تحافظ على موقفها المعادي للأمن على الرغم من تغيّر الظروف لن تكسب الشعبية؛ ففي عام 2011 ساعدت هذه الجماعات الناس على محاربة قوات الشرطة لذلك كانوا أبطالاً، أما الآن فإن الأولويات تغيرت، وأصبح الاتجاه العام يحبذ الأمن والاستقرار؛ لذلك لا أحد سيدعم مسعاهم المعادي للشرطة.
تشير الوقائع إلى أن بعض جماعات الأولتراس قد اعترفوا بالتغيير؛ فقبل ثلاث سنوات وبعد مجزرة بورسعيد، احتشد أولتراس الأهلي والزمالك معًا للانتقام من قتل أصدقائهم وفي نهاية المطاف حاولوا اقتحام مبنى وزارة الداخلية، أما اليوم فالجماعات بقيت صامتة أو أغلقت هواتفها.
عبد الرحمن كان في الملعب، وهو صديق محمد في أولتراس الزمالك، ولكنه استطاع الدخول إلى الملعب قبل لحظات من التدافع، وعندما تم الاتصال به هاتفيًا بعد المبارة وطُلب منه وصف ما حدث، بدأ الحديث عن المباراة وقال “كنا نستحق الفوز، ولكن الحكم كان سيئًا”.
المصدر: ميدل إيست آي