الأحد 8 فبراير، حاجة وعشرين واحد من المصريين قتلوا أمام بوابات استاد الدفاع الجوي، بعضهم بالرصاص الحي والبعض الآخر بالخرطوش وبعضهم خنقًا بالغاز وآخرون دهسًا تحت الأرجل.
الفيديوهات والصور تُظهر الجماهير محبوسة في أقفاص حديدية وبين أسلاك شائكة، بينما رجال الأمن والداخلية يطلقون الغاز والخرطوش بكثافة عليهم، شهادات الأهالي وصور الضحايا تؤكد عدد من الإصابات بالرصاص الحي، الداخلية تنفي مسئوليتها، والمشرحة تجبر المواطنين على توقيع شهادات تفيد مقتل ابنائهم نتيجة التدافع إن أرادوا دفن قتلاهم؟!
النيابة ستحقق، والقضية ستنتقل إلى المحاكم، القاضي يأتيه اتصال تليفوني، مبروك، المحكمة حكمت ببراءة المتهمين!!
ما الجديد؟! لا شي.
يتفنن المصريون في حكاية المحكي، وتكرار المكرر، القصة المعادة، والمسلسل المخيف، بنفس الأبطال، ونفس الأحداث ونفس النهاية .. والعجيب أنهم كل مرة يتفاجأون!
“حاجة وثلاثين واحد” قتلوا حرقًا وخنقًا في سيارة للترحيلات، والقاتل .. براءة.
وقبلها “حاجة وثلاثة آلاف واحد” قتلوا وأُحرقت جثث بعضهم وجرفت بالجرافات، لم يُحقق في مقتلهم من الأساس، القاتل تولى رئاسة البلاد.
قبلها “حاجة وسبعين واحد” قتلوا وهم سجود أثناء صلاة الفجر في الحرس الجمهوري.
وقبلها “حاجة وستين واحد” قتلوا وأُلقيت جثامينهم الطاهرة في صفائح القمامة في شارع محمد محمود.
ومن قبل “حاجة وعشرين واحد” قتلوا على أرصفة شارع مجلس الوزراء.
وقبلها “حاجة وعشرين واحد” قتلوا بالرصاص الحي ودهسًا تحت عجلات المدرعات في شارع ماسبيرو وحول مبنى التليفزيون.
وقبلها “حاجة وسبعين واحد” ذبحوا بالأسلحة البيضاء فوق الكراسي، والبعض تم إلقائه من أعلى مكان في مدرجات ستاد بورسعيد.
ومن قبل “حاجة وثمانمائة متظاهر” قتلوا في أنحاء متفرقة من الجمهورية أثناء احداث ثورة يناير، وقضت المحكمة ببراءة مبارك من تهمة القتل ووزير داخليته وجميع مساعديه.
ليست هذه أول الحكاية.
كان هناك “ألف وحاجة وثلاثين” قُتلوا غرقًا في عبارة تدعى السلام 98، في عام 2006.
وقبلها “حاجة وأربعمائة مصري” ماتوا متفحمين في عربات قطار متوجه من القاهرة إلى إسوان في أول أيام عيد الأضحى عام 2002.
ملحوظة: هذا هو الرقم الذي تجرأت الحكومة على إعلانه، بينما تقارير حقوقية وشهادات لمراسلين أجانب وبعض الصحف المصرية يرفع الرقم الحقيقي لما فوق الألف وخمسمائة ضحية، لم يبق منهم سوى هياكلهم العظمية، بعد أن انفجرت جماجمهم نتيجة الحرارة الشديدة.
بينما الحكم الصادر من قضائنا الشامخ: كان هو براءة 11 مسؤولاً بهيئة السكك الحديدية بعد محاكمتهم بتهمة الإهمال، والملفت في منطوق الحكم أن المحكمة قالت إن المتهم الحقيقي لايزال طليقًا، وكان الأولى بهيئة المحكمة الشامخة أن تقول في حيثياتها إن المتهم الحقيقي لايزال فوق كرسي الحكم.
طبقًا للموسوعة العلمية ويكيبيديا فإن عدد قتلى إسرائيل في حرب 73 ثمانية آلاف وخمسمائة وثمانية وعشرين من المصريين.
بينما قتلى المصريين في حرب اليمن بلغ أكثر من عشرين ألف جندي، بخلاف آلاف الجرحى والمعوقين والمشوهين، وخسارة مصر لأكثر من خمسة مليار جنيه (بقيمة هذه الفترة)، ونصف الاحتياطي الذي تملكه مصر من الذهب لرشوة القبائل اليمنية، بل وتدهور العملة المصرية لما يقرب من النصف.
لمن لا يعرف حرب اليمن، هي الحرب التي تورطت فيها مصر منذ عام 1962 إلى عام 1967، وهي إحدى أكبر شطحات جمال عبدالناصر، والذي قرر إرسال نصف الجيش المصري، ليس لتحرير الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني، بل لنصرة الانقلابيين في الشمال بقيادة المشير “عبد الله السلال” الذي أعلن عن قيام الجمهورية، بعد خلع الملك اليمني الإمام “محمد البدر”، والمضحك والمبكي في نفس الوقت أن المشير “السلال” الذي أنفقت مصر على حكمه عشرين ألف قتيل لم يدم حكمه سوى خمس سنوات فقط منذ عام 1962 إلى أن تم الإنقلاب عليه في نوفمبر 1967 وهرب بعدها إلى القاهرة!
عشرات الآلاف وأكثر قضوا نحبهم منذ قررت مجموعة من ضباط الجيش المصري على رأسها بكباشي مجنون بالزعامة، تربى ونشأ في حارة اليهود بالجمالية اسمه “جمال عبدالناصر” ورفاقه أن يحكموا البلاد في العام 1954.
تراجعت مصر بعدها في كل شيء، في التنمية، في العلم، في الصناعة، في الزراعة، في السياحة، وفي التجارة، كل شيء تراجع، وبقي وحده عدّاد القتلى يحرز التقدم.
يموت عبدالناصر مسمومًا بعد أن ضيع من المملكة المصرية التي استلمها أرض السودان بكاملها وغزة وشبه جزيرة سيناء والاحتياطي المصري من الذهب، فمصر التي استلمها جنة الله في أرضه، تركها أرضًا محتلة منهوبة منهكة ينخر الفساد في أساسها.
يموت السادات مقتولاً بين جنوده، بعد أن فرّط في السيادة الوطنية لمصر علي جزء عزيز من أرضها وهي شبه جزيرة سيناء، بموجب اتفاقية العار “كامب ديفيد” والتي فرضت على مصر تحويل مطاراتها العسكرية في سيناء إلى مطارات مدنية محظور عليها استخدامها في الأغراض العسكرية، بل وفرضت عليها ترك مناطق شاسعة من سيناء خالية من السلاح ومناطق أخري لا يُسمح فيها بأي تواجد عسكري مصري؛ مما جعل ثلثي سيناء منزوع السلاح تراقبه إسرائيل، وبالتالي يصعب الدفاع عنها إذا أرادت الأخيرة إعادة احتلالها ثانية كما هددت بذلك أكثر من مرة.
ثم يأتي مبارك ليقدم لإسرائيل وشعبها خدمات جليلة ومواقف عظيمة جعلتهم يخلعون عليه لقب “كنز إسرائيل الإستراتيجي”، ثم يترك بلاده بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 بعد أن نهب خيراتها وجرف ثرواتها وأسس منظمات للفساد تحكم كل شبر على أرضها، وقتل الآلاف من ابنائها ما بين غرقى في عبارات ومتفحمين في قطارات، وأشلاء على طرق خربة، وترك مصر وهي مديونة بتريليون و172 مليار جنيه، ديون داخلية وخارجية.
لم يتنح مبارك عن الحكم لسواد عيون الشعب، بل تنحى تاركًا الحكم لرفاقه من عصابة الجيش ليكملوا المسيرة، مسيرة حكم فاسد وسلطة غاشمة، المحتل من بني جلدتنا، ينهب ثرواتنا ويسرق خيراتنا، ويقتل ابنائنا ويسجن ويسحل ويهتك أعراض مخالفيه.
وعندما يتجرأ هذا الشعب “الجعان والمتنيل بنيلة في نظرهم” على انتخاب رجل مدني منهم، كان لابد أن تخرج الدبابات له في الشوارع، وتقف المدرعات أمامه، من أجل عودة الجنرالات للحكم.
ويأتينا بعدها الجنرال القزم أسود الوجه ابن حارة اليهود، ليطلب من داعميه في الخليج ثلاثين مليار جنيه لحساب الشركة المسلحة التي يديرها، أو ما يطلق عليها زورًا جيش مصر، وقرشين لتقفيل ميزانية “الشعب المتنيل بنيلة”.
ثم يتولى هو رئاسة البلاد، وتستمر حلقات المسلسل المصري، مسلسل القتل والسحل والنهب والتخريب.
فما الجديد؟!!