ساهمت حركة النهضة وعدد من الأحزاب التونسية في إفشال الحكومة الأولى لحبيب الصيد، رئيس الوزراء التونسي، بعد أن أعلنوا عن رفضهم لتزكية تلك التشكيلة الحكومية في البرلمان؛ مما جعل حبيب الصيد يُعيد طرح تشكيلة حكومية جديدة راعى من خلالها اعتراضات حركة النهضة ومعظم مكونات المشهد السياسي التونسي، مثل جعلها حكومة وحدة وطنية ومثل إبعاد الشخصيات اليسارية المتطرفة المعروفة بنهجها الإقصائي.
وفي أول حوار تليفزيوني لرئيس الجمهورية والرئيس السابق لحزب نداء تونس (الحزب الأغلبي في البرلمان)، قال الباجي قائد السبسي إن “الحكومة ليست حكومة نداء تونس، لأن الحزب لا يمكنه أن يشكلها بمفرده”، وأنه من الضروري إشراك النهضة في الحكومة لأنها تمثل حزبًا انتخبه الشعب، مضيفًا: “النهضة دخلت الحكومة وهذا أفضل شيء حصل، ونحن لسنا حلفاء ولكن نتعامل معها لأنها جزء من المشهد السياسي التونسي ولا يجب تجاوزه أو نسيانه”.
ويذكر أن حكومة حبيب الصيد الجديدة التي قدمها للبرلمان بعد تخليه عن التشكيلة الأولى قبل جلسة المصادقة عليها، تمت تزكيتها من قِبل البرلمان بعد حصولها على ثقة 166 نائب من أصل 217 نائب في البرلمان، وهو ما يعني حصولها على الأغلبية المطلقة وعدم وجود رفض حقيقي لهذه الحكومة من قِبل القوى السياسية المؤثرة في البرلمان.
مع العلم أن الحكومة الأولى التي وئدت قبل أن تُعرض على البرلمان كانت تضم وزراء من حزب نداء تونس ومن حزب رجل الأعمال الصاعد سليم الرياحي (الاتحاد الوطني الحر)، إلى جانب عدد من الشخصيات المحسوبة على اليسار المتطرف، في حين ضمت الحكومة الجديدة وزراء من حركة النهضة وحزب آفاق تونس بالإضافة إلى إقصاء الشخصيات اليسارية المنتمية للتيار المتطرف المنادي بإقصاء النهضة والذي يروج إلى تورط النهضة في أعمال عنف.
وعوضًا عن اللجوء للخطاب الذي يكرره الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر حول “الجماعة الإرهابية” و”الحرب على الإرهاب”، وعوضًا عن الإمعان في تقسيم الشعب الواحد إلى شعبين، أشار الباجي قائد السبسي إلى أن “الدستور الذي قبلت به النهضة هو دستور توافقي والنهضة حاليًا انسجمت مع هذا الخيار ولا يمكن أن نقول لا”، مضيفاً: “لا وجود لأي صفقة مع النهضة وهم لم يصوتوا لي ولكن أنا أتصرف بمنطق المسؤول وبمنطق المصلحة الوطنية”.
وفي حواره استنكر السبسي الاتهامات التي يروجها سياسيون من حزبه ومن أحزاب اليسار المتطرف لحركة النهضة لتوريطها في ملف الاغتيالات، قائلاً: “لا يجب أن نرمي الناس بالباطل وسنبذل قصارى جهدنا لكشف الحقيقة”.
وبينما تذهب تحليلات كثيرة إلى أن الحكومة التوافقية جاءت نتيجة لصفقة عقدت بين السبسي والشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، خلال لقائهما الشهير في العاصمة الفرنسية باريس منتصف صيف 2013، قال الغنوشي خلال حوار مع إحدى القنوات الخاصة في تونس إن اللقاء الذي جمعه بالسبسي في باريس كان “لقاء توافق ورمز لوحدة تونس ومنه انتصرت الوحدة الوطنية وانتصر التوافق والثورة، وتونس هي للجميع”.
كما أضاف: “اليوم تجني تونس ثمار رهان الأخوة والتوافق الذي لا يفشل”، مؤكدًا أن “الشعب التونسي احتضن الوحدة والتوافق السياسي الذي بنيت أولى لبناته خلال لقاء باريس”، وأن “اللحظة التي يعيشها الشعب التونسي هي لحظة انتصار وتتويج لدماء مسار الثورة”.