حزب رجل الشارع الهندي يوقف قطار مودي ويكتسح في دلهي

في أول هزيمة يتلقاها رئيس الوزراء نارِندرا مودي، حقق حزب رجل الشارع وزعيمه أرفيند كِجريوال فوزًا كبيرًا في انتخابات مجلس دلهي، عاصمة أكبر ديمقراطية في العالم.
بينما بدا للكثيرين أنه لا يمكن لأحد أن يوقف قطار بهارتيا جَنَتا (الشعب الهندي) القومي الهندوسي، والذي اكتسح انتخابات البرلمان الهندي العام الماضي بقيادة زعيمه نارندرا مودي ذي الشعبية الجارفة ليشكّل الحكومة منفردًا، حقق حزب رجل الشارع (آم آدمي) الذي تأسس عام 2012 مفاجأة بفوزه الساحق في انتخابات العاصمة دلهي، ليحصل على 67 مقعدًا من أصل 70 في مجلس دلهي التشريعي، تاركًا ثلاثة فقط لبهارتيا جَنَتا، وملقيًا بحزب الكونجرس العريق خارج السياسة في العاصمة بلا أي مقعد.
بمجرد إعلان النتائج الأولية اشتعلت الأجواء خارج المقر الرسمي للحزب في دلهي، وانطلق أنصاره بالطبول يرقصون ويحتفلون وسط صدمة المحللين الذين توقع بعضهم فوزه ولكن ليس بهذه النتيجة الكبيرة، لاسيما وقد هزمه حزب بهاريتا جنتا في دلهي أثناء انتخابات البرلمان العام الماضي ليهيمن على مقاعد البرلمان السبعة الخاصة بالعاصمة، تاركًا له أربعة مقاعد فقط عن ولاية بنجاب.
“لقد كان العام الماضي، 2014، هو عام زحف مودي، أما 2015 فستكون سنة رجل الشارع”، هكذا قال راجِش كومار، أحد أنصار الحزب، بينما بدأت الحلوى في الوصول إلى البيوت في أحياء متفرقة بدلهي وانطلقت الألعاب النارية والأغاني هنا وهناك.
من جانبه قال كِجريوال رئيس الحزب في حديثه لأنصاره بالأمس بينما غمروه بالورود، “أشكركم جميعًا على هذا الفوز غير المسبوق، إنه في الحقيقة مخيف جدًا، فقد ازداد دعم أهل دلهي والتفويض الذي أعطونا إياه، وأنا أوجه حديثي الآن إلى العاملين في الحزب وأقول لهم بألا يغتروا بهكذا فوز”.
كان كِجريوال، البالغ من العُمر 47 عامًا، والذي عمل سابقًا كمفتش ضرائب وناشط ضد الفساد، قد أحدث مفاجأة مشابهة في ديسمبر 2013 حين حصل على 28 مقعدًا في انتخابات دلهي، ليحل ثانيًا بعد بهارتيا جنتا، مقصيًا حزب الكونجرس ومرشحته رئيسة دلهي السابقة شيلا ديكشيت، والتي ظلت تحكم العاصمة منذ العام 1998، بيد أن بهاريتا جنتا قد رفض حينها تشكيل الحكومة في دلهي تاركًا مسؤوليتها لرجل الشارع، والذي لم ينجح في إدارة دفة المدينة واستقال بعد 49 يومًا، لتظل دلهي تحت إدارة رئيس الجمهورية حتى انتخابات الأمس.
اليوم يعود الحزب بوعود ضد الفساد المستشري في ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وفي عاصمة تعاني الكثير فيما يخص البنية التحتية، وكذلك عصابات اختطاف النساء، وليثبت أنه لم يكن مجرد فقاعة تمددت عام 2013 كما اتهمه نقاده، أو ذراع غير مباشرة للكونجرس الذي يواجه الكثير من المصاعب، كما اتهمه أنصار بهاريتا جَنتا.
قطار مودي يتوقف في العاصمة.
من ناحيتهم، وجه أنصار مودي الانتقادات لمودي وللحزب لترشيحهم الناشطة كيران بِدي، غير العضوة بالحزب، والتي كانت زميلة لكِجريوال في نشاطاته ضد الفساد قبل وقوع الخلاف بينهما، واعتبروها حركة طفولية من مودي أن يرشحها فقط لإشعال سباق الانتخابات بينها وبين كجريوال ليس إلا، دون أن تكون على التزام بأجندة الحزب.
على الناحية الأخرى، اعتبر الكثيرون خوض كيران بِدي للانتخابات عن حزب بهارتيا جنتا استغلال لانتصاراته التي حققها العام الماضي وفقط، ومحاولة لتسجيل فوز على غريمها كجريوال بركوب موجة مودي، ولكنها محاولة لم تنجح مع سكان دلهي كما اتضح، لتخرج كيران بعد خسارتها وتعلن أن الحزب بطبيعة الحال شريكها في الخسارة.
قد تكون كيران هي كبش فداء الحزب ليتمكن من تبرير خسارته، وتفادي إقرار الواقع، وهو أن قطار مودي قد توقّف، على الأقل في العاصمة، بعد أن ظل منطلقًا منذ نتائج الحزب الجيدة في انتخابات الولايات عام 2013، ثم اكتساحه انتخابات البرلمان في مايو الماضي، ثم فوزه في انتخابات مجالس ولايات مهارشترا وهاريانا وجارخند، بل وكذلك جامّو كشمير.
ولاية بيهار هي الأخرى، واحدة من أهم الولايات التي حقق فيها الحزب نتائج جيدة في الانتخابات العامة، من المنتظر أن تنتخب مجلسها أواخر هذا العام، وستكون اختبارًا لمدى صحة ما يقوله أنصار مودي من عدمه، وما إذا كانت موجة مودي قد هدأت أم لا.
في جميع الأحوال، سيكون صعود بديل قوي للكونجرس تحديًا لمودي، والذي كان ضعف الكونجرس في مواجهته أحد أبرز أسباب اتجاه الهنود إلى حزبه، وهو ما تدلل عليه انتخابات دلهي بالأمس، إذ يبدو بجلاء أن غالبية من كانوا يميلون للكونجرس، ويفضّلون أجندته الاجتماعية المهتمة بالفقراء، ولا يحبذون اللهجة الدينية والقومية التي يتحدث بها قيادات بهارتيا جنتا، قد وجدوا ضالتهم في كجريوال.
إذا ما نجح كِجريوال هذه المرة في تسيير دفة العاصمة الهندية على مدار الأعوام القادمة، وتوسيع قواعد حزبه في ولايات أخرى في الشرق والجنوب، فإنه قد يكون مرشحًا بقوة لمنافسة رئيس الوزراء الهندي مودي في انتخابات 2019، والذي كان هو الآخر رئيسًا لولاية كوجرات منذ العام 2002 قبل أن يتجه لرئاسة الوزراء.
تُعرَف السياسة الهندية بقوة سياستها المحلية، والتي تزداد قوة بصعود مودي، وهو أول رئيس ولاية يصل لمقعد رئاسة الوزراء مباشرة بعد سنوات من هيمنة أسرة نهرو من العاصمة مباشرة، والأسماء التي تُعَد منافسه له كلها تقريبًا من الولايات اليوم، لاسيما الولايات الكبرى مثل بنغال ومدراس ومهارشترا.