13 عامًا على أحداث 11 سبتمبر ومازالت تُردد وتُسمع في الأوساط الإعلامية، ومازال هناك الكثير من الجدل والخفايا حول حقيقة التفجيرات، وقد كانت المملكة العربية السعودية موضع شبهة منذ البداية بسبب كون غالبية مختطفي الطائرة من الجنسية السعودية.
في تقرير لجنة المخابرات بالكونجرس الأمريكي لتفجيرات 11 سبتمبر هناك 28 صفحة سرية لم يتم عرضها على العامة حتى اليوم تربط السعودية بدعم التفجيرات، هذا التقرير تم إصداره في ديسمبر عام 2002 إلا أنه تم إخفاء الجزء الرابع الذي يحمل عنوان “الحقائق، النقاش والسرد فيما يتعلق ببعض مسائل الأمن القومي”، بأمر من الرئيس السابق جورج بوش.
قبل الجزء كُتب في التقرير: “لم يكن الهدف من هذا التحقيق المشترك أن يقوم بهذه التحريات المفصلة اللازمة لتحديد الأهمية الحقيقية للدعم المزعوم للمختطفين، من جانب، من المحتمل أن هذه الروابط (بين الداعمين والمختطفين) ممكن أن تكون مؤشرا على – كما تم ذكره في مذكرة الاستخبارات الأمريكية – دليل لا جدل فيه أن هناك دعم لهؤلاء الإرهابيون، من جانب آخر، من المحتمل أيضًا أن تحقيقات إضافية في هذه الادعاءات قد تفصح عن تفسير قانوني وبريء لهذه الروابط”.
بالرغم من أن بعض عائلات ضحايا 11 سبتمبر طالبت منذ عام 2003 بنشر الجزء الرابع من التقرير في دعوى تعويض قضائية على السعودية واستمرت بالمطالبة خلال الثلاث عشرة سنة الفائتة، إلا أن مطالباتهم لم تلق صدى إعلاميًا قويًا إلا بعد أن قام عضو في القاعدة ومتهم في تفجيرات 11 سبتمبر بالمثول أمام المحكمة في أواخر العام الماضي لإدلاء بشهادته بخصوص تورط السعودية في تمويل القاعدة.
زكريا موسوي، الذي يقضي حكمًا بالسجن مدى الحياة، صرح أنه كان على اتصال مع مسؤولين في الحكومة السعودية قبل أحداث 11 سبتمبر، وأخبر عن لقائه مع الملك سلمان عندما كان أميرًا ومع أطراف آخرين من العائلة المالكة بينما كان يوصل لهم رسائل من أسامة بن لادن، كما أخبر أنه في عام 1998 أو 1999 تم توجيهه من قِبل القاعدة في أفغانستان لإنشاء قاعدة بيانات إلكترونية تضم أسماء الداعمين للجماعة، وذكر أن من ضمن الأسماء التي أدرجها الأمير تركي الفيصل الذي كان رئيس المخابرات السعودية آنذاك، والأمير بندر بن سلطان سفير السعودية السابق للولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الأمير الوليد بن طلال رجل الأعمال الشهير والأمير محمد الفيصل، كما اتهم الأمير تركي، في رسالة إلى قاضي فيدرالي في أوكلاهوما، بأنه أمر مسؤول سعودي بمساعدة الرجال الذين أصبحوا بعد ذلك مختطفي الطائرة.
وقد اُستخدمت شهادة موسوي من قِبل عائلات الضحايا ومحاميهم لإثبات قضيتهم، ولا شك أنهم ينظرون إليها كدليل شبه قاطع لادعاءاتهم، نظرًا لكون موسوي عضو سابق في القاعدة وكان ضمن المشاركين في التحضير للهجمات.
وقد رفض الرئيس السابق بوش والرئيس أوباما الإفصاح عن هذه الصفحات السرية بحجة الأمن الوطني، إلا أن الكثير من الناقدين من ضمنهم أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين قرأوا الصفحات بعناية صرحوا بأن الأمن الوطني لا علاقة له بسرية الصفحات، وإنما يرجع السبب إلى العلاقة الوطيدة التي تجمع الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، فالسعودية حليف مهم للولايات المتحدة الأمريكية عسكريًا وإستراتيجيًا خصوصًا بعد مشاركة السعودية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وبالتأكيد، فإن أي إثبات بتورط السعودية في 11 سبتمبر ينعكس بشكل جذري على طبيعة العلاقات القائمة بين الطرفين.
ستيفن لينش أحد أعضاء الكونجرس الذين قرأوا الصفحات السرية أخبر أنه يرى الصفحات “مثيرة في وضوحها في عرض التخطيط المسبق، التمويل، والتفجيرات التي حدثت ذاك اليوم”، كما أضاف أنه لا يمكن الاستدلال إذا ما كان الأشخاص المتعرف عليهم في التقرير “يعملون كجزء من حكومة أو ضمن وكلاء محتالين”.
وبدورها صرحت السفارة السعودية أن لجنة 11 سبتمبر رفضت الادعاءات التي تربط الحكومة السعودية أو مسؤولين سعوديين بتمويل القاعدة، كما أكدت أن موسوي مجرم مختل عقليًا، وأنه قد تم تقديم أدلة من قبل محاميه تدل على عدم قابليته العقلية ولذلك فإن ما أخبر به موسوي ليس فيه مصداقية، وأن لجنة التحقيق في تفجيرات 11 سبتمبر استنتجت عدم وجود أدلة تربط السعودية بالهجمات.
من جانب آخر صرح الأمير بندر بن سلطان في عام 2003 أنه يفضل أيضًا أن يتم الإفصاح عن الصفحات حتى يتأكد الناس أن السعودية لا علاقة لها بالتفجيرات، مؤكدًا أن السعودية ليس لديها شيء تخفيه، وشاركه في ذلك الرأي الحكومة والسفارة السعودية، وأضاف الأمير بندر أن “فكرة كون الحكومة السعودية مولت وأعدت أو حتى أنها تعرف عن 11 سبتمبر فكرة كيدية وخاطئة بشكل واضح”.
وبالرغم من أن الرئيس أوباما وعد عائلات الضحايا بأنه سيتم الإفصاح عن الصفحات وتم تشكيل لجنة لمراجعة الصفحات إلا أنه لم يتم نشرها حتى اليوم بالرغم من المطالبات المستمرة، ولا يبدو أن الحكومة الأمريكية تعتزم نشر الصفحات نظرًا لمماطلتها خلال السنوات الماضية، ولأنه إذا ما ثبتت الادعاءات ضد السعودية فإن الحكومة الأمريكية ستكون في موقف حرج أيضًا بسبب العلاقات التي تجمعها بالسعودية.
فالولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى الحكومة السعودية كحليف مهم في المنطقة، فبالرغم من توتر العلاقات حديثًا تحديدًا بسبب الربيع العربي وشعور السعودية بالإحباط من موقف الحكومة الأمريكية بالإضافة إلى العلاقات الإيرانية – الأمريكية المتطورة، إلا أن العلاقة بين الطرفين مازالت قوية ومازال هناك الكثير مما يجمع بين الطرفين ويضر كلا الطرفين في حال حصول تغيير في طبيعة العلاقات، ومازالت إدارة أوباما تنظر للسعودية كحليف إستراتيجي للحفاظ على الأمن في المنطقة وعلى استقرار الوضع الاقتصادي العالمي، كما بدا جليًا بعد موت الملك عبدالله وتولي الملك سلمان للسلطة أن العلاقات بين الطرفين مازالت كما هي وأن الطرفين معتزمين على المحافظة عليها.
من أقوى ما يجمع السعودية بالحكومة الأمريكية صفقات الأسلحة والتعاون في الحرب ضد الإرهاب، هذا بجانب القلق المشترك حيال إيران – الذي يبدو أنه قد بدأ يخف بشكل واضح من جهة الحكومة الأمريكية – والقاعدة وحديثًا تنظيم الدولة الإسلامية.
فمنذ عام 2010 قامت إدارة أوباما بإبلاغ الكونجرس عن صفقات سلاح لطائرات حربية، صواريخ، قنابل، مدرعات مسلحة، وأجهزة وخدمات مرتبطة بلغت قيمتها أكثر من 90 بليون دولار، وقد كانت الصفقة بمثابة رمز لالتزام الطرفين بالتعاون فيما بينهم، حيث كان من شأن الصفقة أن تطور من قابلية الجيش السعودي، وفي عام 2012 قامت إدارة أوباما بإبلاغ الكونجرس عن صفقات أسلحة مقترحة بقيمة أكثر من 24 بليون دولار شملت استمرارية برامج التدريب ودعم لحماية البنية التحتية الحساسة، كما أن إدارة أوباما قامت بطلب اعتمادات لمبلغ صغير من “تمويل الدعم للتعليم والتدريب العسكري الدولي” يصل إلى 10.000 دولار للسعودية؛ مما يجعل السعودية مؤهلة للحصول على خصومات في صفقات التدريب التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، وبالرغم من أن الكونجرس منع السعودية من الحصول على هذه الإعانات إلا إدارتي بوش وأوباما قامتا بتقديم تنازل أمن وطني يسمح باستكمال الإعانات.
وهناك أيضًا العلاقات الاقتصادية القوية بين الطرفين كون السعودية ذات نفوذ مالي تتمتع به نظرًا لكونها أول أو ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، هذه العلاقات زادت أهميتها في الفترة الأخيرة بسبب التغييرات الجذرية في الأنظمة الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط، كما أن السعودية تعد أقوى حليف تجاري للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، فحسب إدارة التجارة العالمية فإن حجم الصادرات من السعودية للولايات المتحدة الأمريكية بلغ أكثر من 52 بليون دولار في 2013، بينما بلغ حجمها خلال سبتمبر 2014 أكثر من 39 بليون دولار، وبلغ حجم الصادرات الأمريكية للسعودية أكثر من 19 بليون دولار، وخلال سبتمبر 2014 بلغ ما يقارب 14 بليون دولار، ثم هناك النفط الذي استغلته السعودية حديثًا بإبقاء أسعاره منخفضة مما كان في صالح الحكومة الأمريكية.
وحديثًا فإن تنظيم الدولة الإسلامية قد ساهم في تقوية العلاقات؛ حيث انضم الطرفان في جهد مشترك لمحاربة التنظيم، ومنذ أحداث 11 سبتمبر نشأ تعاون بين الطرفين في الحرب ضد الإرهاب ظهر بشكل واضح عندما قامت السعودية بالسماح للجيش الأمريكي بإنشاء قاعدة عسكرية على الحدود الشمالية لبدء الغزو على العراق، إلى جانب قاعدة أخرى لاحقًا على الحدود الجنوبية لإطلاق طائرات بدون طيار على اليمن لمحاربة القاعدة – الأمر الذي يعد خيانة عظمى من قِبل السعودية ولكن يثبت شدة العلاقات التي تربط الطرفين -.
وبالرغم من كون السعودية محل نقد عالمي شديد فيما يخص أمور كثيرة من ضمنها حقوق المرأة وحقوق الأقليات إلا أن الحكومة الأمريكية عمدت دائمًا إلى تجاهل هذه الأمور وعدم التعليق عليها رغم تعرضها إلى انتقادات بسبب ذلك، مما يشير إلى توافق بين الطرفين في غض الطرف عن أخطاء الآخر حفاظًا على العلاقات التي تعتبر أهم من ذلك.
لذلك فإن العلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية بين السعودية والحكومة الأمريكية تعد مصلحة لكلا الطرفين وتفرض اعتماد كل منهما على الآخر، ما يجعل من الصعب التفريط فيها لكلا الطرفين، وإذا ما ثبتت الادعاءات ضد السعودية المذكورة أعلاه فقد يكون ذلك السبب الرئيسي وراء إخفاء الحكومة الأمريكية لتلك الصفحات، ففي حال ثبوت تورط السعودية في التفجيرات فإن الحكومة الأمريكية تعي جيدًا أن من شأن ذلك أن يضعها تحت ضغط كبير قد يضطرها إلى قطع العلاقات تمامًا مع السعودية، الأمر الذي يضر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية.