ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
يعرض هذا المقال الأسباب الثمانية التي تجعل الشباب لا يثور، ويفسر كيف حول المجتمع الأمريكي الشباب لفئة صامتة لا تهتم بالشأن العام ولا تُبدي أي اعتراض على السياسات الاستبدادية والقوانين المقيدة للحريات.
1- إغراق الشباب في المديونية بمصاريف الدراسة الجامعية
أصبحت تكاليف الدراسة خيالية ومخيفة وتمثل عائقا حقيقيًا لا يمكن تجاوزه بالنسبة لأغلب الشباب إلا من خلال الاقتراض، هذا الأمر لم يكن موجودًا خلال فترة السبعينات حيث كانت الدراسة في الجامعات العمومية شبه مجانية وبإمكان أي شخص الحصول على الشهادة الجامعية ومواصلة الدراسات العليا إن أراد ذلك دون اللجوء للقرض الجامعي، اليوم تشير الإحصائيات إلى أن ثلثي الطلبة الذين هم على أبواب التخرج تنتظرهم قروض يتوجب عليهم خلاصها، ويبلغ معدل قيمة هذه الديون 25 ألف دولار ويصل في عدة حالات لمائة ألف دولار، ويؤدي هذا لضغوطات كبيرة على الشباب خلال دخولهم مرحلة الحياة المهنية لأن هذه الفترة التي من المفترض أن تكون مليئة بالجرأة والروح الثورية بفضل غياب أية ارتباطات عائلية تصبح فترة استكانة وخوف لأن الشاب خائف من عدم القدرة على تسديد الديون.
2- معاملة الروح الثورية كمشكلة نفسية
في سنة 1955 قال الطبيب النفسي إريك فروم، الذي كان يكافح ضد التسلط “أخشى أن مهنة الطب النفسي والتحليل النفسي أصبحت أداة للتلاعب بالإنسان”، ولكن عند وفاة هذا الطبيب سنة 1980 كانت الأمور قد ساءت أكثر؛ فقد انتخب الأمريكيون مثلا الرئيس رونالد ريغن الذي رسخ أكثر قابلية الناس لتسلط الدولة، وتم أيضًا إنشاء “الجمعية الأمريكية لأطباء النفس” التي أضافت تصنيفات جديدة لقائمة الأمراض النفسية المعروفة متعلقة أساسًا بالمشاكل السلوكية لدى الأطفال والمراهقين مثل “خلل رد الفعل العكسي”، وكشفت الدراسات تلاعبًا خطيرًا في هذه المهنة، حيث إن نسبة الفقراء الذين تتكفل مؤسسة “ميديكايد” بتأمينهم الصحي والذين يصف لهم الأطباء مهدئات عصبية تبلغ أربعة أضعاف نفس النسبة لدى الأثرياء الذين تتكفل شركات خاصة بتأمينهم.
وتحقق الشركات المنتجة بفضل هذه العقاقير القوية ربح هائل بلغ سنة 2010 أكثر من 16 مليار دولار، وفيما بعد كشفت الجمعية الأمريكية للطب في أحد تقاريرها سنة 2010 أن أغلب الأطفال والمراهقين الذين يتعاطون هذه العقاقير لا يعانون فعلاً من “خلل رد فعل العكسي” أو أية مشاكل أخرى سلوكية وهو ما يحيلنا إلى التلاعب الذي يحصل في قطاع طب النفس من أجل تحقيق الأرباح ومن أجل تصنيف أي سلوك ثوري للأطفال على أنه خلل سلوكي ثم تخديرهم ليبقوا هادئين.
3- المدارس تعلم الأطفال الطاعة بدل الديمقراطية:
خلال حفل تكريم المدرسين المتميزين في نيويورك سنة 1990 صدم الأستاذ جون تايلور جميع الحاضرين بقوله “الحقيقة هي أن المدارس لا تقدم للأطفال شيئًا يُذكرغير تعليمهم السمع والطاعة، وهذا أمر لا أتفهمه فهنالك آلاف الأشخاص المبدعين والمتحفزين الذين يعملون كمدرسين ومؤطرين في المدارس ولكن النظام الصارم في هذه المؤسسات لايسمح لهم بتقديم إضافة أو إضفاء لمستهم الشخصية على عملهم”.
وقد أثارت مسألة التعليم الإجباري الذي تستغله الدولة لخلق مجتمع استبدادي العديد من النقاشات في الماضي، ولكنها اختفت من قائمة الاهتمامات في هذه الفترة رغم أنها تفاقمت أكثر، إذ تُحضر أغلب الحصص المدرسية الأطفال ليكونوا في المستقبل سلبيين، مسيرين من قبل الآخرين، مطيعين للأوامر، مهتمين بالحوافز المقدمة وخائفين من العقوبات المُعدة لهم؛ وهو ما يجعلهم يتظاهرون بالاهتمام بأشياء لا يهتمون حقًا بها ويُرسخ لديهم قناعة بأنهم غير قادرين على تغيير الواقع، ومهما تلقى الأطفال الدروس حول الديمقراطية فإن الواقع الغير ديموقراطي الذين يعيشونه في الوسط المدرسي يعلمهم العكس.
4- التنقيحات الجديدة في نظام التعليم:
وجد التسلط طريقة لجعل المدارس استبدادية أكثر من ذي قبل وذلك من خلال التنقيحات في نظام التدريس والتقييم المستمر وفرض امتحانات موحدة من حيث المحتوى والتوقيت لجميع المدارس؛ وهو ما يثير موجات خوف في صفوف التلاميذ وهذا في حد ذاته مخالف لروح الديمقراطية، فالخوف يدفع التلاميذ والمدرسين للعمل من أجل تجاوز تلك العقبات عوضًا عن التفكير في الإبداع والابتكار، وهذا يقضي على حب الاطلاع والروح النقدية لديهم وبالتالي يقضي على قدرتهم على مساءلة السلطة ومقاومتها حتى لو كانت غير شرعية.
وعلى العكس من هذا فإن المجتمعات الديمقراطية الغير استبدادية تقيس نجاح المدرس ليس خلال نتائج الامتحانات المفروضة من قِبل السلطة المركزية بل من خلال سؤال التلاميذ والأولياء والمجتمع إن كان المدرس قد نجح في تشجيع التلاميذ على حب المعرفة والقراءة وتحصيل الثقافة خارج المدرسة واكتساب نظرة نقدية ومسائلة السلطة القائمة ومواجهتها إن لم تكن شرعية.
5- تكريم الشباب الذي يلتزم بالقانون التعليمي وليس الذي يهتم بالتعلم
تشير الإحصائيات إلى أن 85 بالمائة من الأمريكيين يمتلكون شهادة ختم التعليم الثانوي، ولكن بالنسبة لباراك أوباما لم يكن هذا كافيًا؛ فقد أعلن في سنة 2009 أن الانقطاع عن الدراسة قبل إنهاء المرحلة الثانوية لم يعد ممكنًا، واعتبر السماح بذلك مستقبلاً فشلاً شخصيًا له وللبلاد، ولكن الواقع يشير إلى أنه كلما زاد تمسك الأمريكيين بالنظام التعليمي نقص وعيهم بالصراع الطبقي الدائر في المجتمع وهو مايجعلهم غير قادرين على التصدي للأقلية المتحكمة.
وكمثال على ذلك فقد نجح الفلاحون الأمريكيون خلال فترة الثمانينات والتسعينات في تكوين حراك شعبي أدى لإنشاء أكبر تعاضدية للعمال في الولايات المتحدة رغم أن أغلبهم كانوا غير متعلمين أو تلقوا تعليمًا قصيرًا في أقصى الحالات، وأسس هؤلاء الفلاحون الحزب الشعبي الذي فاز بثمانية بالمائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية لسنة 1982 ووضعوا خطة لإنشاء صندوق مالي لو تم السماح لهم بتنفيذها لاستفاد الفلاحون من قروض ميسرة ونجحوا في كسر سطوة البنوك الكبيرة التي تفرض عليهم شروط مجحفة، كما أرسلوا أربعين ألف مبعوث في كامل أرجاء البلاد للنقاش وتطوير الأفكار السياسية وبلورة إستراتيجيات عملية، وهذه كلها إنجازات لا يجرؤ الشباب المثقف اليوم على التفكير فيها، فالشباب الذي لم ينه تعليمه أصبح منعوتًا بالإصبع ويُسمى “فاشلاً”.
6- تعميم الرقابة على المواطنين:
يجعل الخوف من المراقبة الناس مطيعين أكثر، ويكثر الحديث في الولايات المتحدة عن قيام وكالة الأمن القومي باختراق الرسائل الإلكترونية والتنصت على مكالمات المواطنين، ومع الزيادة الكبيرة في آليات الرقابة داخل المؤسسات أصبح الشباب يتقبل العمل تحت عدسات جهاز الرقابة الإدارية لأنه تعود على الجلوس تحت الكاميرات منذ الصغر وأصبحت هذه الممارسة عادية بالنسبة له.
كما يمارس الأولياء الرقابة على أبنائهم من خلال الاطلاع باستمرار على امتحانات أبنائهم ودرجاتهم وانضباطهم ويقومون أيضًا، تمامًا مثل رؤسائهم في العمل، بمراقبة حواسيب أبنائهم وحساباتهم الشخصية على الفيسبوك، حتى إن بعض الأولياء اشتروا لأبنائهم هواتف جوالة مزودة بجهاز تحديد المواقع GPS لمعرفة أماكن تواجدهم، وقام آخرون بتركيب كاميرات المراقبة في منازلهم.
وهكذا أصبح الشباب لا يجرؤ على جمع الأصدقاء وتنظيم حفلة عند غياب الآباء عن البيت، فكيف سيجرؤون على دعوة الناس وتنظيم تحركات ديموقراطية تحت أعين وكاميرات السلطة القائمة.
7- جهاز التلفاز
في سنة 2009 أعلنت شركة “نيلسن لقياس نسب المشاهدة” أن هناك أمريكيين متسمرين أمام الشاشات أكثر من أي وقت مضى، باعتبار الشاشات الثلاثة وهي التلفاز والحاسوب والهاتف، وتشير الإحصائيات إلى أن الأطفال يقضون بمعدل ثمانية ساعات يوميًا أمام الشاشة لمشاهدة التلفاز أو ألعاب الفيديو والأفلام وتصفح الإنترنت والاستماع للموسيقى وهو ما أثار قلق بعض الباحثين لأن الأطفال يصبحون تحت السيطرة المطلقة لوسائل الإعلام وهو ما يجعلهم متعودين على الجلوس والمشاهدة فقط، وكمثال على ذلك فقد قامت بعض السجون باقتناء أجهزة تلفاز للسجناء لأن ذلك يجعلهم يحافظون على هدوئهم وبالتالي تنخفض نفقات الحراسة والإجراءات الأمنية.
في المجتمعات الاستبدادية التلفاز هو بمثابة حلم أصبح حقيقة، فرجال الأعمال الأثرياء يملكون فعليًا كل ما يشاهده الناس، والبرامج التلفزيونية تغذي مخاوف الناس وتجعلهم قلقين على أنفسهم ولا يهتمون بالآخر، وهو ما تطمح إليه الطبقة الحاكمة في إطار سياسة “فرق تسد”، فالتلفاز يعزل الناس عن بعضهم ويمنعهم من تنظيم مقاومة ضد السلطة من خلال تخديرهم وتحويلهم لكائنات سلبية متقبلة غير قادرة على تطوير روح نقدية تحررية.
حتى ألعاب الفيديو التي تعتمد على الحركة والإثارة لئن كانت لا تحول الأطفال والشباب لحالة الجمود التي يسببها التلفاز فهي في الحقيقة تعلمهم الشجاعة المزيفة وتحصر تجاربهم الثورية في حدود العالم الافتراضي وهذا لا يمثل أي خطر على الطبقة الحاكمة.
8- التطرف الديني والنزعة الاستهلاكية
يضع المجتمع الأمريكي الشباب بين خياري النزعة الدينية المتطرفة أو النزعة الاستهلاكية المفرطة وكلا هذين الخيارين يضيقان زاوية رؤيتهم ويحاصران الروح النقدية، وبينما يصف بعض الفلاسفة الفكر الديني المتشدد بأنه أفيون الشعوب فإنهم ينسون في الحقيقة مخدرًا أكثر انتشارًا وهو السلوك الاستهلاكي المفرط الذي يدمر استقلالية الأفراد ويجعلهم في تبعية مطلقة.
النمط الاجتماعي الاستهلاكي يفتح الباب أمام الإشهار والدعاية وكل أنواع التلاعب بالعقول حتى من خلال الكذب، وعندما يصبح الكذب والتلاعب أمرًا شائعًا يصبح من الصعب على المجتمع بناء الثقة المتبادلة وتنظيم تحركات ديمقراطية، فالسلوكات الاستهلاكية تقوي النزعة الفردية والأنانية وتمنع قيم التضامن والوحدة التي هي أساس أية تحركات.
تمثل هذه المظاهر جزءًا يسيرًا مما يمارسه المجتمع لإخضاع الشباب وتحييد قدرتهم على مقاومة السيطرة، فقد خلقت الصناعات الغذائية الحديثة أوبئة جديدة مثل سمنة الأطفال وأمراض الاكتئاب والسلبية، وساهمت المؤسسات السجنية في تأديب كل من يسائل السلطة.
المصدر: ألترإنفو