“الإمارات العربية المتحدة ـ القمع على كافة الجبهات” كان هذا هو العنوان الذي أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، المنظمة الدولية المعنية بحقوق الانسان حول العالم، عن دولة الإمارات في تقريرها العالمي السنوي لعام 2015 الذي قالت فيه نصًا “إن سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة قيدت بشدة في 2014 الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وشنت حملة على المعارضين وعلى أي شخص يعتبر تهديدًا للأمن القومي حسب ادعاء السلطات، كما أخفقت السلطات في التحقيق في مزاعم ذات مصداقية بأن قوات الأمن اعتقلت المعارضين تعسفًا وعذبتهم”.
كذلك ذكرت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة نفسها: “أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعلن عن نفسها كمنارة للتسامح في المنطقة ولكن الحقائق تكشف عن وجود حقيقة أقبح من ذلك بكثير تنم عن ازدراء لمبادئ حقوق الإنسان وأولئك الذين يدعمونها، وأنه يتوجب على الحكومات والمؤسسات الساعية لتطوير علاقات أوثق مع دولة الإمارات العربية المتحدة إلقاء نظرة فاحصة على سجلها الحقوقي مؤخرًا.
ففي أغسطس 2014 أصدرت السلطات الإماراتية قانونًا فضفاضًا إلى أبعد الحدود لمكافحة الإرهاب، ومن شأنه أن يسمح لها بملاحقة المنتقدين السلميين والمعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان بصفتهم إرهابيين، ويصنف القانون طيفًا واسعًا من السلوكيات السلمية والمشروعة على أنها جرائم إرهاب وينص على عقوبة الإعدام للأفعال التي ترى فيها السلطات “زعزعة للوحدة الوطنية”، ضمن أمور أخرى.
وفي نفس الشهر اعتقلت السلطات الإماراتية عشرة رجال أعمال ليبيين، وتم إخفائهم قسريًا بحالات مسجلة، كما أنه تم الحكم على ثلاثة من المعارضة الإماراتية بالسجن لمجرد انتقادهم الحكومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما وثقت محاولات من الدولة لنزع الجنسية عن عدد من معارضين بالخارج بسبب نشاطهم المعارض ضد ممارسات الحكومة الإماراتية القمعية وهو أسلوب جديد مستخدم للترهيب لكل المعارضين.
ومما يذكر أيضًا أن الإمارات كانت قد اعتقلت مجموعة من المصريين والإماراتيين وأصدرت بحقهم أحكامًا بالسجن وصلت لخمس سنوات بتهمة إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد والتي قد حظرتها الإمارات مؤخرًا ضمن مجموعة من المنظمات والجمعيات الحقوقية والاجتماعية باعتبارها منظمات راعية للإرهاب دون أي سند قانوني أو واقعي، ومن المفارقة أن بعض هذه الجمعيات يعمل من الخارج ومسجل في دول الغرب ورغم ذلك اعتبرتها الدولة منظمات محظورة تصفيةً لحسابات سياسية، كان هذا غيض من فيض مما ذكرته منظمة الهيومن رايتس ووتش وحدها بعيدًا عن باقي المنظمات التي تعمل في الحقل الحقوقي ولديها سجل مخالفات حافل لدولة الإمارات.
الأمر لم يقتصر على التنكيل بالمعارضين والنشطاء فقط في الإمارات، بل طال أبناءهم من الأطفال أيضًا إمعانًا في القمع وكنوع من الضغط على الآباء المعتقلين، فلم يكتف الأمن الإماراتي بإخفائهم قسريًا وتعذيبهم والتعنت في السماح لذويهم بزياراتهم بل راح يطارد الأبناء في مدارسهم وأعمالهم، وهذا ما وثقه المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف في تقرير له قال فيه “إن السلطات الإماراتية تقوم بتسليط عقوبات جماعية على الناشطين الحقوقيين والمعارضين السياسيين المعتقلين منهم والمقيمين خارج الدولة وذلك في إطار سياسة منهجية تهدف إلى الضغط على العائلات والآباء من أجل التخلي عن مطالبتهم بالإصلاح ومعارضة الحكومة عن طريق التنكيل بهم وأسرهم، ومن أبرز هذه الانتهاكات التي طالت ذوي المعتقلين وتحدث عنها تقرير المركز كانت حالات موثقة لمنع الأبناء من إكمال دراستهم في الجامعات وطرد بعضهم من وظائفهم الخاصة ومنعهم من السفر ومن تجديد جوازاتهم الخاصة، كما أنهم يمنعون من زيارات المعتقلين من أسرهم، وإذا سمح لهم بذلك فإنهم يعانون من التفتيش المهين أثناء الزيارة في مخالفة صريحة لصريح الدستور والقانون في الدولة الإماراتية التي تنص المادة (28) من دستورها على أن (العقوبة شخصية بحتة) في حين تتعرض عائلات السجناء السياسيين إلى العقاب الجماعي في انتهاك واضح للدستور.
وليس اعتقال نجل أحد مستشاري الرئيس السابق محمد مرسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين بمصر، مصعب أحمد عبدالعزيز، ببعيد؛ إذ اعتقلته السلطات الإماراتية وأخفته قسريًا إلى الآن دون توجيه أي اتهامات له في أمر اعتبر انتقام سياسي من الابن بسبب توجهات والده السياسية المناوئة للسلطة الإماراتية، وحتى هذه اللحظة تصم الإمارات آذانها عن المطالبات الحقوقية من كافة المنظمات الدولية بالإفراج عن الشاب المختطف الذي لم يُعرف له انتماء سياسي وتتم معاقبته على خلفية انتماءات والده السياسية.
كما تسنى لنا مقابلة إحدى العائلات المصرية المطرودة من الإمارات بعد اعتقال الأب تعسفيًا والإفراج عنه لاحقًا وإجباره على مغادرة الإمارات هو وعائلته وتحدثوا في تصريحات خاصة لـ “نـون بـوست” عن معاناة الأطفال في الأسرة لاستكمال دراستهم خارج الإمارات، إذ إن السلطات الإماراتية احتجزت جميع الأوراق الخاصة بهم في مراحل تعليمهم المختلفة والتي تثبت اجتياز هذه المراحل ولا تريد السلطات السماح لهم بسحبها؛ مما يعيقهم من استكمال دراستهم خارج الإمارات، وهو مما لا شك فيه أمر تعسفي فيه عقاب للأطفال بجريرة الآباء، الأمر المخالف لاتفاقيات حقوق الطفل التي تنص على أن تحترم الدول الأطراف في هذه المعاهدات الحقوق الموضحة بها وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصرالطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر
كما تنص الفقرة الثانية من المادة 2 من اتفاقية حقوق الطفل على أن “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم”، وكل هذه مخالفات صريحة مارستها دولة الإمارات بحق المعتقلين وأسرهم وكافة المعارضين تقريبًا.
هذه الحوادث السياسية ليست هي السابقة الأولى لدى الإمارات في انتهاكات حقوق الأطفال في تاريخها؛ ففي العام 2004 اتهمت منظمات حقوقية دولة الإمارات بالاستخدام الغير قانوني للأطفال في سباقات الجمال وتعريضهم بذلك لمشاكل جسدية كذا تعريضهم للتحرش الجنسي، وقد أُنتجت أفلام وثائقية تتحدث عن ذلك بتوثيقات حالات بعينها؛ ما أثار ضجة وقتها في الدولة الإماراتية التي حظرت استخدام الأطفال في مثل هذه الرياضات.
الجرائم الحقوقية في دولة الإمارات مستمرة على كافة الأصعدة وإن كانت السياسية منها والمتعلقة بحرية الرأي والتعبير هي الأبرز، لكن حقيقة السجل الحقوقي في الإمارات من أسوء ما يكون باعتراف المنظمات الحقوقية الدولية وهو ملئ بجرائم يعاقب عليها القانون الدولي من إتجار بالبشر وعمالة جبرية، كما أن الدولة تفرض حظرًا على دخول نشطاء حقوق الإنسان إلى البلاد لمراقبة الأوضاع الداخلية وتضع العراقيل أمامهم؛ ما يؤكد معرفة الدولة بحقيقة الأوضاع الحقوقية المتردية بها.