بعد حوالي عام على اندلاع الصراع في شرق أوكرانيا، إثر سقوط الرئيس الأوكراني السابق يوشتشينكو، الموالي لروسيا، ونشوب خلاف حول انضمام البلاد للاتحاد الأوربي والناتو من عدمه، وبعد مقتل أكثر من خمسة آلاف من الطرفين، خطا أطراف النزاع أول خطوة نحو حل الأزمة في العاصمة البيلاروسية مينسك، بعد قمة جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية أنغلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، والرئيس الأوكراني بِترو بوروشينكو، والرئيس البيلاروسي ألكساندر لوكاشِنكو، بتوقيع اتفاق أوليّ من ثلاث عشرة نقطة لوقف إطلاق النار.
“أصبح لدينا الآن بصيص أمل.. لقد كان الأمر يستحق هذا العناء”، هكذا قالت ميركل عن الجهود التي بُذِلَت على مدار الأسبوع الماضي للوصول إلى تسوية مبدأية، بعد تكثيف النشاط الدبلوماسي الألماني والفرنسي وزيارتها مع أولاند لكييف وموسكو قبل قمة مينسك، بيد أن ميركل، في نفس الوقت، حذرت من الإفراط في التفاؤل، “هناك فرصة حقيقية لتحسين الأوضاع، لكننا تعهدنا بمراقبة تطبيق الاتفاق، وهو أمر مهم بطبيعة الحال.”
هذا وكانت المفاوضات قد شهدت توترًا شديدًا بين بوتين من ناحية، وميركل وبوروشِينكو من ناحية، في لحظات عديدة أثناء مساء 11 فبراير، حتى أن البعض اعتقد أن المحادثات في طريقها للفشل بعد أن ترك بوروشينكو طاولة المفاوضات وتحدث عن “شروط غير مقبولة،” بيد أن الإصرار على الخروج باتفاق لتفادي المزيد من التصعيد، والذي كان ليحدث بالقطع حال فشلت المحادثات، وصل في النهاية بالجميع إلى اتفاق مبدأي بعد أكثر 17 ساعة.
المتمردون والتفاوض عن بُعد
من ناحية أخرى، كانت قيادات المتمردين في شرق أوكرانيا قد حضرت إلى مينسك، ولكن دون حضور المحادثات بشكل مباشر نظرًا لرفض بوروشينكو التفاوض معهم رُغم ضغط بوتين، وقد وقع كل من رئيس ولاية دونتسك، ورئيس ولاية لوهانسك، المتمردان في الشرق، على الاتفاق وبنوده الثلاثة عشر، والتي ضمت حقوقًا خاصة لولايات الشرق تضمن لها الحكم الذاتي، وقد أثنى كل من مركل وأولاند على بوتين لضغطه عليهما للتوقيع.
بدوره، قال زعيم المتمردين في دونتسك، أليكساندر زاخارتشينكو، أن الاتفاق انتصار كبيرة لشعبي جمهوريتي لوهانسك ودونتسك، في حين صرّح زعيم المتمردين في لوهانسك، إيجور بلوتنيتسكي بأنه سيعطي أوكرانيا الفرصة لتغيير دستورها وتناولها للأزمة.
بالفعل، من المنتظر أن تبدأ كييف في كتابة دستور جديد بنهاية العام يضم بنودًا واضحة عن اللامركزية، ويعطي وضعًا خاصة للمناطق المتمردة، بما في ذلك تحكمها الكامل في الشرطة والقضاء، وتدشين نظام للتعاون عبر الحدود بينها وبين روسيا، وهي الحدود التي أصرت موسكو على رفض المطالب الأوكرانية والأوربية بإعادة سيادة كييف عليها، نظرًا لأهميتها في وصول الإمدادات الروسية إلى حلفائها في الشرق، ولأنها ستخلق كماشة أوكرانية حول المتمردين مع الوقت.
بطبيعة الحال، يجعل هذا الوضع السيادة الأوكرانية منقوصة على أراضيها، وهو ما دفع الأطراف إلى توقيع وثيقة منفصلة يتعهد فيها بوتين باحترام سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، إلى جانب بند في الاتفاق يقضي بفتح باب المفاوضات بين جمهوريات الشرق وكييف حول كيفية إدارة الحدود الروسية الأوكرانية، والتي من المفترض انتقالها لكييف بعد الانتخابات المحلية في الشرق.
مسائل عالقة
لم يتحدد بعد مصير مدينة ديبالتسِفِه، أبرز المواقع المتنازع عليها بين الطرفين في شرق أوكرانيا، والتي يحاول المتمردون الاستحواذ عليها من القوات الأوكرانية منذ أسابيع وشهدت تصاعدًا للعنف حتى أثناء المحادثات، في حين قال بوتين بأنه أمر “الخبراء العسكريين” بالنظر في المسألة ليتم حلها سلميًا.
أيضًا، ستكون إحدى العوائق بمواجهة تنفيذ الاتفاق هي قدرة بوتين على السيطرة على المتمردين، وهو أمر غير مفروغ منه كما رأينا في مواقف كثيرة أثناء الصراع، على سبيل المثال، حين تجاهل المتمردون نصائح بوتين بعدم عقد استفتاء للاستقلال العام الماضي، وإصرارهم على الحصول على دولة مستقلة.
لا تشارك موسكو أيًا من لوهانسك ودونتسك رغبتهما في الاستقلال، وهو أمر جلي ومُعلَن في مواقفها السياسية، حيث تؤكد موسكو على أهمية وحدة أراضي أوكرانيا، ولكن مع إجراء إصلاحات لتعزيز الحكم الذاتي في الجمهوريات الشرقية لضمان حقوق الروس الذين يعيشون في جنوب وشرق البلاد، وهو ما يضمنه بشكل ما اتفاق مينسك — بافتراض ضغط الغرب هو الآخر على كييف لتنفيذه.
اتفاق ألماني في الوقت المناسب
يُعَد الاتفاق خطوة أوربية أتت في وقتها، بعد أن كانت هناك أصوات عدة قد تصاعدت في واشنطن مطالبة بتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا وبشكل مباشر، وهي خطوة كانت لتنذر باشتداد الاقتتال وتعميق الأزمة، فعلي الرُغم من معارضة أوباما حتى الآن لأي نهج عسكري، إلا أن وزير الدفاع أشتون كارتر قال بوضوح في مطلع فبراير أنه يميل لتسليح الحكومة الأوكرانية في صراعها مع روسيا.
“هناك مجموعة متزايدة في الكونجرس الأمريكي تعتقد أن هناك واجب أخلاقي يجب على الولايات المتحدة أن تقوم به، ومهمة استراتيجية، لتزويد أوكرانيا بما تحتاجه للدفاع عن نفسها بشكل أكبر،” هكذا قال جوش إرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، والذي أكّد أن تقديم السلاح لأوكرانيا سيؤدي لزيادة الإمدادات الروسية إلى المتمردين، وهو أمر ليس في صالح المعسكر الغربي نظرًا لقرب روسيا من الصراع، وقدرتها على الاستمرار في المدد العسكري بشكل أسرع وأكفأ.
بطبيعة الحال، كانت مواقف برلين مخالفة تمامًا لهذا المعسكر داخل الكونجرس، بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا، وقد عبّرت المستشارة الألمانية بوضوح عن رفض بلادها التام الاضطلاع بأي دور عسكري، أو حتى دعم أوكرانيا بالسلاح، في قمة ميونيخ للأمن التي انعقدت مطلع هذا الشهر تأكيدًا لرؤية بلادها في وجه الداعين للحل العسكري.
بيد أن ميركل، والتي تتعرض لضغوط شديدة من بعض الأصوات داخل الإدارة الأمريكية، ومن دول البلطيق الأوربية المجاورة لروسيا والتي تميل هي الأخرى لتدخّل الناتو، لم تكن لتستطيع فرض رأي برلين بالكامل لو قررت تلك البلدان التحرّك، ولو استمر الصراع ربما لوقت أطول، وهو ما يعني أنها كانت في أمس الحاجة لوقف إطلاق النار والوصول لاتفاق مبدأي في أقرب وقت ممكن، وهو ما نجحت فيه في مينسك، وستبدأ في حشد الدعم له أثناء القمة الأوربية في بروكسل لتتمكن من الاستعانة بمؤسسات الاتحاد الأوربي في تنفيذ بعض بنوده، خاصة تلك التي تحتاج فيها أوكرانيا إلى الدعم المالي، مثل دفع معاشات ورواتب العاملين في الشرق.
بنود اتفاق مينسك
- وقف إطلاق للنار في شرق أوكرانيا يدخل حيز التنفيذ مع أول ساعة يوم الخامس عشر من فبراير بتوقيت كييف.
- سحب كافة الأسلحة الثقيلة خلف خط فض الاشتباك الذي اتفق عليه الطرفان، هو من ناحية أوكرانيا خط المواجهة الحالي، ومن ناحية المتمردين الخط الذي تمركزوا خلفه في سبتمبر الماضي قبل تصعيد هجومهم في يناير، وستكون المنطقة الآمنة بطول 50 إلى 150 كم وتخضع لمراقبة منظمة الأمن والتعاون الأوربية، ومن المفترض أن يكتمل انسحاب الطرفين بحلول الأول من مارس.
- استخدام منظمة الأمن والتعاون الأوربية أسطول طائرات بدون طيار، ومراقبيها على الأرض، وأقمارها الصناعية، للتأكد من التزام الطرفين بالاتفاق.
- تتعهد كييف مع المتمردين بالتفاوض حول الانتخابات المحلية في المستقبل في الولايات الشرقية، لتعود سيادة كييف القانونية على هذه المناطق، كما ستتبني كييف تشريعات للحكم الذاتي لتتمكن من قبولها الجمهوريات الذاتية في الشرق.
- تتعهد كييف بالعفو العام عن كل المتمردين.
- يتعهد الطرفان بإطلاق سراح كافة المسجونين والأسرى بحلول اليوم الخامس بعد فض الاشتباك.
- السماح لقوافل الإغاثة الإنسانية بالوصول الكامل لكافة المناطق المتضررة من القتال، تحت إشراف ورقابة دولية.
- تتعهد كييف بإعادة كافة العلاقات الاقتصادية مع الشرق إلى سابق عهدها، بمواصلة دفع الدعم الاجتماعي وإعادة الخدمات البنكية، والتي قطعتها في وقت مبكر من العام الماضي كرد فعل على انتخابات الاستقلال التي أقامها المتمردون، ومن جانبهم، ستقوم حكومات الجمهوريات الشرقية بمواصلة تحصيل الضرائب.
- بعد عقد الانتخابات المحلية في دونتسك ولوهانسك، ستسعيد كييف التحكّم في حدودها مع روسيا، وهو تحوّل سيستغرق بعض الوقت بالطبع، وسيكون ضروريًا في إطار الإصلاح الدستوري الشامل الذي ستقوم به أوكرانيا.
- انسحاب كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من أوكرانيا، ونزع سلاح المجموعات غير الشرعية، مع احتفاظ السلطات المحلية في دونتسك ولوهانسك بوحدات الميليشيا الخاصة بها.
- تتعهد كييف بتطبيق إصلاح دستوري شامل بحلول نهاية العام، تقوم فيه بتبنّي اللامركزية كنظام سياسي، وتعطي مميزات خاصة لدونتسك ولوهانسك تتضمن حق اختيار اللغة الرسمية، وحرية اختيار القضاه، وتعزيز الروابط الاقتصادية مع روسيا.
- ستضطلع منظمة الأمن والتعاون الأوربية بمهمة مراقبة الانتخابات المحلية في الشرق للتأكد من اتفاقها مع المعايير الدولية.
- استمرار تعزيز الحوار بين المجموعات المختلفة المتنازعة
المصادر: الغارديان + روسيا اليوم