أكثر الأجوبة دقة عن التساؤل المثار حول الغاية التي حققتها فرنسا من عقدها لصفقة بيع طائرات الرافال المقاتلة لدولة مصر وللجنرالات المسيطرين عليها، هو أن شركة الصناعات العسكرية الفرنسية “داسو” نجحت لأول مرة منذ حوالي أربعة عقود في تحقيق حلمها في بيع الطائرات الحربية من نوع “رافال” لجهة أخرى خارج فرنسا. وستبقى الغاية الأهم هي أن تحصل الشركة في وقت قريب على تقارير عسكرية رسمية عن نجاعة هذه الطائرات في مهامها القتالية والتدميرية حتى توضع هذه التقارير في الملفات التسويقية التي ستقدمها الشركة والدولة الفرنسية لمختلف جيوش العالم لإقناعها ببذل المليارات لأجل الحصول على ما تبيعه هذه الشركة.
وجاء الإعلان عن الصفقة بعد سلسلة من التقارير الصحفية التي هيأت الرأي العام لها، فقال مصدر فرنسي مطلع يوم أم الخميس لوكالة الأنباء الفرنسية إن “فرنسا ومصر اتفقتا على صفقة تزيد قيمتها على خمسة مليارات يورو (5.7 مليار دولار) لبيع مقاتلات رافال التي تنتجها شركة “داسو” وبارجة حربية وصواريخ جو – جو من إنتاج شركة إم.بي.دي.إيه”، الأمر الذي أكده بيان صادر عن الرئيس الفرنسي قال فيه إن “طائرة رافال المقاتلة فازت بأول عقد للتصدير”، وأن “التوقيع سيتم في 16 شباط/فبراير في القاهرة بحضور وزير الدفاع جان-إيف لودريان”.
وعبر قيامها بتزويد الجيش المصري بهذه الطائرات المقاتلة تخرق السلطات الفرنسية القوانين والأعراف الدولية التي تمنع بيع الأسلحة للأنظمة التي يمكن أن تستخدم ضد المدنيين، رغم علم الفرنسيين بوجود تقارير دولية رسمية تؤكد استخدام الجيش المصري للطائرات المحاربة من نوع أف-16 – طائرات حربية أمريكية شبيهة لطائرات رافال – ضد المدنيين في شبه جزيرة سيناء، وكذلك للمروحيات الحربية من نوع آباتشي ضد المدنيين في ميادين القاهرة لقمع المتظاهرين المعارضين للانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي للإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث.
وليست فرنسا أول دولة غربية تمارس هذا النوع من النفاق وتتخلى عن المبادئ والقوانين والأعراف لأجل جني مصالح سياسية أو اقتصادية، حيث بررت الإدارة الأمريكية استمرارها في تقديم المساعدات العسكرية لجنرالات مصر والتي تفوق قيمتها 1.5 مليار دولار واستمرارها في تزويد الجيش المصري بمروحيات الأباتشي، بذريعة أن قطعها سيؤدي إلى ابتعاد جنرالات مصر مع الإدارة الأمريكية مما سيجعلهم يحصلون على أسلحة مشابهة للأسلحة الأمريكية من جهات أخرى.
وبغض النظر عن أخلاقية المبررات الأمريكية لتزويد نظام الجنرالات في مصر باسلحة يعلمون أن جزءا منها -إن لم يكن كلها- سيستخدم ضد المدنيين في سيناء أو في القاهرة؛ فإن النتيجة الحاصلة الآن تتمثل في استمرار حصول نظام الجنرال السيسي على السلاح الأمريكي وكذلك على أسلحة الجهات الأخرى مثل فرنسا التي تحتفل الآن بأول عقد تصدير لطائرات رافال، ومثل روسيا التي اختار زعيمها بوتين أن يقدم بندقية كلاشينكوف الروسية كهدية للجنرال عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة لمصر.
ودون الحاجة للبحث عن تفسيرات وتأويلات للرسالة التي حملتها كلاشينكوف بوتين، يمكن أن نلاحظ أن الزعيم الروسي حلّ بالقاهرة محاولا اقتناص المرحلة الحرجة التي يمر بها الجنرال السيسي بعد ما عرفته المملكة السعودية من “انقلاب” في رأس السلطة بعد وفاة الملك عبد الله الداعم الشرس للانقلاب المصري وصعود الملك سلمان بن عبد العزيزالذي يبدو – في أحسن الأحوال- أقل حماسة لدعم الجنرال السيسي، حيث حاول بوتين أن يوصل رسالة يسهل على جنرالات مصر فهمها، مفادها: “إذا تخلت عنكم أمريكا، فاعلموا أن السلاح الروسي موجود”.
وكما أن بوتين كان قناصا ماهرا وأحسن اختيار التوقيت المناسب لزيارة القاهرة وأحسن اختيار الهدية التي يحتاجها جنرالات مصر لترسيخ سلطتهم والتي تقلق الأمريكيين، فإن جنرالات مصر أحسنوا اللعب على أوتار المصالح، فلعبوا على وتر المحافظة على تبعية الجيش المصري لأمريكا حتى يجبروا إدارة أوباما على عدم قطع المساعدات، وعلى وتر العقد الأول لتصدير طائرات رافال للحصول على الدعم الفرنسي، وعلى وتر العزلة الدولية التي تعاني منها روسيا لأجل الحصول على الدعم الروسي.
وبالتوازي مع هذه الصفقات، أظهرت التسجيلات المسربة مؤخرا من داخل مكتب السيسي، كيف تعاملت إدارته مع دول الخليجي لضخ عشرات مليارات الدولارات الخليجية في خزينة الجيش، وهي نفس المليارات التي يفترض أن الجيش استخدم معظمها للإنفاق بسخاء على الجيش وضمان قوته ونجاعته في أداء المهام المناطة إليه وعلى رأسها قمع معارضي الانقلاب، وإطباق الحصار على قطاع غزة، بالإضافة إلى مهام جديدة قد تناط إليه قريبا من قبيل تمكين الجنرال حفتر من السيطرة على ليبيا أو رد الجميل الخليجي والتدخل عسكريا في اليمن.
ومن معالم الانفاق السخي لجنرالات مصر على صفقات التسليح، نجد أن الإدارة الفرنسية قررت أن تعطي البارجة العسكرية “نورماندي”، التي كانت تصنع خصيصا لصالح البحرية الفرنسية، للجيش المصري الذي قالت المصادر الفرنسية أن ممثليه ألحوا على ضرورة استلام البارجة في أسرع وقت وعلى عدم قدرتهم على الانتظار إلى حين تصنيع نسخة جديدة من البارجة.