الشخص الذي حاور مبارك سأله “ما رأيك في مشروع النهضة؟” فأجابه مبارك: “أكبر كذبة في تاريخ مصر”.. فقاطعه قبل أن يكمل الإجابة وقال: “هو في مشروع أصلاً؟”.. ثم تدخل ضابط الحراسة فقال للمحاور ولمبارك: “كل الناس بتقول كده إن شاء الله النظام السابق يرجع ويعمل اللى يعمله بس نعيش فى أمان ومستقرين”، ويعلق الكاتب الصحفى محمود المملوك نائب مدير تحرير “اليوم السابع” وصاحب انفراد تسجيلات مبارك فيقول ان الرئيس الاسبق كان يرد ببساطة واختصار على الأسئلة التى كانت توجه إليه.
بهذا الأسلوب نشرت صحيفة اليوم السابع نصوص تسجيلات صوتية مسجلة للرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في حلاقات قال عنها محللون ومختصون في الشأن المصري أنها محاولة لتلميع مبارك ولإعادة إنتاج صورته وإعطائه فرصة لتبرئة نفسه من عشرات التهم المنسوبة إليه.
مبارك في حواره المسرب ظهر في شكل الشخص الصلب الذي يقف في وجه كل رؤساء وزعامات العالم، فمبارك -حسب قوله ولفظه- “هبش” في وجه أوباما عندما طلب منه التنحي ولكنه تنحى بعدها بأيام، و”هبش” في وجه ناتنياهو عندما عرض عليه تسليمه قطعة من سيناء ليسكنها الفلسطينيون ولكنه قال أنه سلمهم إيلات وهو يعلم وبإمكانه إثبات أنها أرض مصرية.
ومن الغريب في تصريحات مبارك هو أنه في نفس الوقت الذي استنكر فيه تصريحات القذافي التي قال فيها أن مبارك كان يتسول لدى دول العالم حتى يجمع الأموال للشعب المصري، أكد مبارك في نفس السياق أن “الملك فهد أرسل 200 مليون دولار سنة 1989” ثم أرسل 2.5 مليار دولار آخرين وألحقهم ملك الكويت ب1.3 مليار وتلتها 500 مليون دولار من عند الملك فهد، ثم كان نصيب الأسد للشيخ زايد الذي تبرع مرتين لفائدة نظام حسني مبارك، مرة أولى بمبلغ مليار يورو ومرة ثانية بمبلغ 9 مليار دولار، الأمر الذي علق عليه ضابط الحراسة قائلا: “كانوا بيحبوا مصر وبيحبوا حضرتك”.
وقال مبارك في التسجيلات، التي نشرت في شكل نصوص فقط ولم يتم التثبت منها من جهة محايدة حتى الآن، أنه كان يستغل “علاقاته مع الإسرائيليين” للضغط على الحكومات الأمريكية من خلال صفقات تجارية يقدم فيها تنازلات للجانب الإسرائيلي حتى يقوم الإسرائيليون بدورهم بالضغط على الأمريكيين لتلبية مطالب حسني مبارك، حيث يقول مبارك أن الأمريكيين “اتغاظوا” من الضغط الذي مارسه عليهم من خلال الإسرائيليين أثناء إبرام صفقة كويز التي وبفضلها أصبحت السلع المصرية تدخل السوق الأمريكية دون جمارك ودون قيود للكمية شريطة أن تحتوي على 10 بالمائة من المدخلات الإسرائيلية.
ورغم الكم الهائل من التلميع والتضخيم لشخص وشخصية حسني مبارك يمكن الخروج من الحوارات المسربة ببعض المعلومات التاريخية التي تحتاج بحثا وتدقيقا وتمحيص للتأكد من دقتها ومن سلامتها، فمبارك ذكر معلومة لم يسبق أن ذكرت من قبل، حيث قال أن الملك حسين عاهل الأردن الراحل بريء من تهمة نقل موعد حرب أكتوبر للجانب الإسرائيلى وأن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هو المتهم بتسريب معلومات عن الموعد الذي اختاره المصريون لشن حرب 73.
ورغم تبرئته للملك حسين من تهمة تسريب معلومات حرب 73 إلا أنه عاد وقال عنه أنه “قبل أن تبرم اتفاقية السلام مع اسرائيل.. كان الملك بتاع الأردن يذهب إلى إسرائيل باستمرار” مؤكدا أن ده رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين هو من أخبره بهذا وقال له أن الملك حسين “كان يأتي للغداء عندنا”.
ومع استمرار صحيفة اليوم السابع في نشر حلقات متتالية من حوارات حسني مبارك مع من حوله، يبقى السؤال الأهم، من أصمت مبارك طيلة السنتين الماضيتين ومن أراد له أن يتكلم الآن بالذات، وإذا كان محامي مبارك أكد أن الحوارات سجلت خلسة، فمن الذي سجلها وهل سربت كلها أم أن “يدا خفية” قررت لليوم السابع ما يجب أن يسرب وما يجب أن يكتم.