ترجمة وتحرير نون بوست
شارك في كتابة هذا المقال مختار عوض
منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013، تحول الخطاب السياسي المصري ليصبح محموماً، ولكن في الآونة الأخيرة يبدو أن خطاباً مختلفاً بدأ يطفو على السطح في كلا المعسكرين؛ فبالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين ومؤيديهم، نستطيع أن نلاحظ أعذارهم الخفية التي يطرحونها لتبرير العنف السياسي، مما يفسح المجال أمام الخيارات الأكثر ضبابية، أما بالنسبة للنظام الذي يقوده عبد الفتاح السيسي، فهناك محاولة لتحريك الجهاز الديني للدولة عن طريق وسائل الإعلام، ليتم تقبّل توجيه الغضب نحو كل الإسلاميين، بعد أن كان الموقف المتقبل سابقاً هو فقط قمع الجهاديين منهم.
كلا الجانبين يلقيان اللوم على بعضهما في التصعيد، فكل طرف يعتقد أن مواقفه وتحركاته السياسية تخدم مصالحه الذاتية، ونتيجة لذلك يرفض كلاهما الاعتراف بالمسؤولية عن أفعاله وخطاباته السياسية، وهذا الطرح الحدي المتبادل ما بين الطرفين سيحقق النبوءة التي تتوقع تصاعد الصراع في البلاد قريباً، خاصة في ظل أعمال العنف السياسي التي تعاني منها مصر مؤخراً، والتي تعتبر من أسوأ الأحداث التي عانت منها البلاد ضمن تاريخها الحديث.
التصعيد الخطابي وصل إلى ذروته في الفترة الماضية؛ فقناة مصر الآن التي يتم بثها من اسطنبول والممولة والمدارة من قِبل جماعة الإخوان المسلمين، طرحت مؤخراً رسالة تعكس مدى سوداوية الوضع في مصر حيث جاء في أحد البرامج “أقول لزوجة كل ضابط، زوجكِ سيموت، أطفالكِ سيصبحون يتامى، هؤلاء الشباب “الثوار” سوف يقتلون الضباط في مصر”، هذه الحادثة التحريضية البحتة ليست فردية أو معزولة، حيث يمكننا لمس صدى ذات الخطاب الناري في ثلاث قنوات موالية للإخوان تُبث من تركيا (الشرق ومكملين ورابعة)، وتهتف للمقاومة الشعبية والتمترس في مواجهة النظام، وفي ذات الوقت في القاهرة، هناك مستوى مماثل من صب الزيت على النار؛ فوسائل الإعلام التي يحركها النظام تعمد إلى الربط ما بين جماعة الإخوان المسلمين والأحداث الأخيرة في سيناء المتمثلة بإعلان “ولاية سيناء” التابعة للدولة الإسلامية من قِبل جماعة أنصار بيت المقدس، حيث يعمل النظام وإعلامه على توصيف جماعة الإخوان كعدو للدولة المصرية، ويحرض للقضاء على الجماعة ومكافحتها، ويتهمها بحياكة المؤامرات ضد مصالح الدولة المصرية.
إن اعتناق لغة المواجهة في الآونة الأخيرة يبدو واضحاً لدى جماعة الإخوان المسلمين ومن يحذو حذوها، وهذه الإشارة واضحة في الرسالة الأخيرة التي تم نشرها في موقع الإخوان المسلمين الرسمي والتي عُنونت “رسالة إلى صفوف الثوار: وأعدوا”، وذكّرت الرسالة بشعار الجماعة “سيفان متقاطعان وبينهما وأعدوا” بهدف الإشارة إلى أن هذا الشعار يحمل “كل مرادفات القوة”، وتابعت الرسالة بقولها “جهّز الإمام حسن البنا “مؤسس جماعة الإخوان” كتائب الجهاد التي أرسلها إلى فلسطين لقتال اليهود المغتصبين، وأعاد المرشد الثاني حسن الهضيبي تشكيلات النظام الخاص لاستنزاف البريطانيين المحتلين” وختمت الرسالة بالقول:”على الجميع أن يدرك أننا بصدد مرحلة جديدة، نستدعي فيها ما كمن من قوتنا، ونستحضر فيها معاني الجهاد، ونهيء أنفسنا وزوجاتنا وأولادنا وبناتنا ومن سار على دربنا لجهاد طويل لا هوادة معه، ونطلب فيها منازل الشهداء”، وعلى الرغم من أن هذا المقال المثير للجدل لم يدع مباشرة إلى العنف، إلا أن الكثير من المصريين فسروه على أنه دعوة إلى الجهاد.
إن هذا التطور يعتبر هاماً بكل المقاييس، إلا أن هذ التأييد الإخواني للمشاعر العدوانية قد لا يرقى إلى التنصل الكامل من المسار السياسي الذي اعتنقته الجماعة منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهو النهج الذي قاده مرشد الجماعة حينها عمر التلمساني لتحقيق تغيير جذري في فكر الإخوان يهدف إلى نبذ الثورة والعنف، لكن هناك مؤشرات على أن اتجاهاً أكثر ميلاً للتشدد من جانب أعضاء الصفوف الثانية في الإخوان يزحف إلى أعلى التسلسل الهرمي؛ فمنذ الإطاحة بمرسي، أصرت قيادات الإخوان على أن القرار الإستراتيجي لها لا يتضمن العنف، لكنها بذات الوقت لـمّحت إلى عدم قدرتها على ضبط الشباب الغاضب، لاسيّما من هم خارج الحركة، كما ألمحت إلى أن العنف المضاد كان رد فعل متوقع في ظل القمع والملاحقة التي يتعرض لها الشباب في مصر.
تشير التطورات الجارية إلى أن المواقف الأخيرة للإخوان لم تعد مجرد مواقف دعائية، حيث تشير بعض التقارير إلى عملية إعادة هيكلة تتم ضمن الجماعة مؤخراً، وهذه العملية تؤيد اللامركزية وتفسح دوراً أكبر للشباب الذي يتبنى مبدأ المواجهة، وهذه التغييرات تشير إلى أن الموضوع أكبر من مجرد غضب إخواني، بل إن هذه التغييرات توحي باحتمالية إدارة عملية إعادة توجيه جوهرية تجري ضمن الفكر الإخواني، وهذه التوجه الجديد يمكن أن يؤدي مجدداً إلى اعتناق أفكار حاول قادة الإخوان اجتثاثها على مدار العقود الماضية.
على الرغم مما تقدم، فلا تزال جماعة الإخوان تعتبر حركة متنوعة بالاتجاهات الدينية والسياسية التي تظلها؛ فأفكار سيد قطب وعبد القادر العودة -الذي رفض شرعية أي نظام لا يقوم على الشريعة الإسلامية- لم تختف مطلقاً من فكر الحركة، بل تم تفسيرها بطرق غير عنيفة وأُبقيت تحت رقابة مشددة من خلال التسلسل الهرمي القوي ضمن الجماعة، ولكن في الفترة التي أعقبت الإطاحة بمرسي، يبدو أن قوة قبضة القيادة العليا للحركة بدأت بالتلاشي، كما ضعفت إرادة الحركة لاحتواء الأفعال العدوانية، فضلاً عن أنها لم تكن قادرة على السيطرة على أفعال الأشخاص المتعاطفين مع الإخوان والغير ملتحقين بصفوفهم.
بعد فترة قصيرة من مذبحة رابعة في أغسطس 2013 التي قامت بها قوات الأمن المصرية بقتل مئات المتظاهرين المؤيدين لمرسي، ظهرت جماعة تمت تسميتها بشبان قطب الجدد، وهؤلاء يتبنون الفكر الجهادي بشكل تام كما أنهم يشجبون الديمقراطية ويتميزون باتجاهات راديكالية عنيفة، وعلى الرغم من أن هذه الاتجاهات عندما بدأت بالظهور عن طريق دعوات بعض الشباب سيئي السمعة مثل أحمد المغير وعبد الرحمن عز، قوبلت باتهامات بأنها لعبة مخابراتية مدسوسة ضمن الحركة للتحريض على العنف، إلا أن هذه الأفكار أصبحت الآن تُأخذ بعين الاعتبار من قِبل بعض الشباب المتشدد.
إن هذه الدعوات التحريضية على العنف تتزايد داخل أوساط الجماعة، وذلك في خضم المحاولة لجعل قضية الإخوان هي قضية عموم المسلمين، ونتيجة لهذا التوجه سمحت الحركة لبعض الأعضاء السابقين المعروفين بتطرفهم وبعض الإسلاميين الآخرين المتطرفين بالانضمام إلى منصة الإخوان، وكمثال على هذا التوجه أصبحت القنوات المؤيدة للإخوان تستضيف الداعية المتشدد وجدي غنيم المعروف بتكفيره للسيسي وتصنيفه له على أنه “مرتد” حتى قبل مجزرة رابعة، وعلى الرغم من أن هذه المغالاة بالطرح لم تكن متقبلة من قِبل الأغلبية، إلا أنه وبعد خطاب السيسي في يناير الماضي والذي دعا فيه إلى ثورة الإسلام، أصبحت الردة هي التهمة القياسية التي يتم تداولها على القنوات الموالية لجماعة الإخوان.
وتمادت الخطابات الدينية – السياسية الداعية للعنف عندما عمد الشيخ سلامة عبد القوي -رجل دين إخواني عمل في وزارة الأوقاف تحت حكم مرسي- إلى إطلاق فتوى تتيح قتل السيسي، حيث اعتبر كل شخص يقوم بقتله ويموت في سبيل ذلك شهيداً، وهذا الموقف المتشدد قوبل بتصفيق منقطع النظير من طرف الحضور ضمن الاستوديو، وفي حادثة أخرى، عمدت وسائل الإعلام التابعة أو المتعاطفة مع الإخوان لحث المشاهدين على الخروج للاحتجاج من أجل الدين، وبالطبع فإن هذه الدعوة ليست غريبة في ظل تأييد الإخوان للدعوة إلى انتفاضة الشباب المسلم في نوفمبر من عام 2014، وذلك في محاولة لجعل الصراع الحالي يأخذ المنحى الإسلامي، حيث تبين هذا التوجه بشكل واضح بعد أشهر فقط من الانقلاب كجزء من استراتيجية يتم اتباعها لحقن هدوء السلفيين.
القنوات الموالية لجماعة الإخوان ساعدت أيضاً على نشر أفكار الأشخاص الراديكاليين المؤمنين بنظرية المؤامرة مثل الصحفي صابر مشهور، الذي يسمي الجيش المصري بالمحتل والصليبي الذي يحارب المسلمين المصريين، ويقدم بعض المشورات العنيفة إلى الثوار، حيث ينصحهم بضرب الدبابة الأولى والأخيرة في سرب الدبابات بقذائف صاروخية (آر بي جي) مشيراً أن هذا سوف يفرّق السرب، وعلاوة على ذلك، يحث مشهور الشباب المصري على اتباع نهج الثورة الإيرانية لإسقاط النظام في مصر.
مؤخراً، بدأت تظهر جماعات سنية يطلقون على أنفسهم اسم “حركة المقاومة الشعبية” أو “حركة العقاب الثوري”، نفذت أعمال تخريبية مثل إطلاق النار من السيارات على ضباط الشرطة، وتخريب المرافق العامة والشركات الخاصة، وزرع العبوات الناسفة في المرافق الحكومية أو في الأماكن المكتظة، وقبل أسابيع من الذكرى السابعة لثورة 25 يناير، عمدت القنوات الموالية للإخوان على تبني فكر هذه المجموعات، ليس ذلك فحسب بل دعتهم أيضاً لتنفيذ عملياتهم ضد الإعلاميين الموالين للنظام، ولكن للحق نقول، على الرغم من عنف هذه الجماعات إلا أنها لا تتبنى المبادئ الجهادية ضمن أيديولوجياتها أو خطابها، رغم أن هذه التوجهات قد تتغير.
ولكن على الرغم من كافة ما تقدم يبدو أن الإخوان يحاولون الحفاظ على أنفسهم بعيدين نسبياً عن الاتهام المباشر بالدعوة إلى العنف، فمثلاً البيان الذي نُشر على الموقع الرسمي للإخوان المسلمين –والذي سبقت الإشارة إليه- تم توقيعه من قبل مجهول سمى نفسه “فارس الثورة”، كما أن استخدام القنوات الفضائية لبث الأفكار والمعتقدات قد يكون محاولة لترك مسافة من الدعوة المباشرة إلى العنف من قبل الحركة، وفي محادثة خاصة مع أحد زعماء التنظيم حول واقع انتشار وزحف الأفكار المتطرفة إلى منظمته، استكان الزعيم إلى عجزه عن محاربة هذا التيار عن طريق فتح حرب مع القاعدة الجماهيرية له، رغم أنه واصل إلقاء اللوم على النظام في هذا الموضوع.
على الجانب الآخر، لم يعمد النظام إلى تهدئة الأمور، بل عمدت شخصيات إعلامية ودينية محسوبة على النظام، إلى إنكار أي تفرقة ما بين الجهاديين التابعين علناً للدولة الإسلامية (مثل جماعة أنصار بيت المقدس) وما بين الجماعات الإخوانية المعتدلة نسبياً والتي كانت ضمن الحكم في عهد مرسي، كما حافظ بعض الإعلاميين الموالين للنظام على الخطاب الدموي منذ عام 2013، حيث طالب البعض وزير الداخلية ليصبح “قاتل” الإخوان، ودعا آخرون القوات الخاصة للتدخل في منطقة المطرية وهو الموقع الأخير الذي انطلقت منه الأحداث الإخوانية، واستغل الإعلامي الشهير عمرو أديب فيديو حرق الدولة الإسلامية للطيار الأردني ليقول للمشاهدين أن “هؤلاء هم أبناء الإخوان”.
وعلى الرغم من أن هذه الدعوات والتحريضات لم تحفّز أو تحشد حالات واسعة النطاق من المواجهات مع الإسلاميين، إلا أنها أدت إلى إطلاق بعض الحوداث المتفرقة، مثل حادثة قيام الشرطي بإطلاق الرصاص وقتل شاب إخواني اتهمه بزرع عبوة ناسفة، لأنه مقتنع بخطاب مكافحة الإرهاب للسيسي، وأيضاً قيام مجموعة بحرق سيارة ابن المرشد الإخواني محمد بديع انتقاماً للجنود القتلى في الهجمات الأخيرة في سيناء، في حين قامت جماعة تطلق على نفسها اسم “كتيبة الردع الشعبي بالفيوم” بنشر بيانات على الفيسبوك تتوعد فيها بإحراق أو تفجير أي قطاع أعمال تابع للإخوان انتقاماً لهجوم يناير في سيناء.
إن قرار جماعة الإخوان المسلمين لاحتضان عناصر العنف واعتناق الخطاب الراديكالي هو بالطبع ضمن مسؤوليتها المباشرة عن الأحداث، ولكن بذات الوقت لا يمكن تجاهل البيئة الخصبة التي ساعدت على احتضان هذا التطرف، والتي وفرها القمع الوحشي للنظام بالإضافة إلى الممارسات الحكومية التي تساعد على تصعيد الموقف؛ المتطرفون سيستمرون بإيجاد الأعذار، كما أن اساءة معاملة السجناء والتدابير الأمنية القاسية ستعمل على تغذية أحلام وتمنيات المتشددين الذين ينشدون المواجهة مع الدولة، وعلى الرغم من أن الوجه الإعلامي الصريح للدولة يشير إلى عدم معاداة الإخوان وإلى أن الإخوان الملتزمين بالقانون محصنين به وهم مازالوا على رأس أعمالهم في المكاتب الحكومية، حسبما أشار مسؤول أمني كبير ضمن قوات الشرطة، إلا أن الواقع يشير أن الدولة تصر على اتهام الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الأحداث الدموية في سيناء.
إن مستوى النقد اللاذع التي تتبعه الحكومة المصرية بمواجهة الإخوان ليس شيئاً جديداً، خاصة بعد تصنيفها لحركة الإخوان على أنها منظمة إرهابية في ديسمبر من عام 2013، في الواقع، ولفترة من الزمن بدا هذا النقد كتكتيك سياسي تستعمله الدولة لتبرير القمع الذي تمارسه ضد الجماعة، ولكن تعبئة وسائل الإعلام ورجال الدين وأئمة المساجد لإدانة الهجمات، يبدو الآن كتحول استراتيجي في هذا التكتيك، حيث تحولت السياسية من ممارسة القمع على الجهاديين الإسلاميين إلى صب الغضب على كل الإسلاميين على حد سواء، وهذا الموضوع تمت المصادقة عليه مراراً وتكراراً من قبل السيسي بشكل صارخ؛ فمباشرة بعد الهجوم على سيناء في يوم 29 يناير قال السيسي: “أولئك الذين ساعدوكم، نحن نعرفهم ونراهم، ولن نتركهم” ملمحاً بذلك إلى جماعة الإخوان، كما أنه تحدث في وقت سابق عن قصة أحد قياديي الجماعة -لم يذكر اسمه- والذي هدد باستعمال العنف في حال تم إسقاط مرسي، وفي خطاب آخر استضافته القوات المسلحة المصرية قال: “أنا لن أكبّل أيديكم للانتقام لشهداء مصر” وعلى الرغم من أن هذا الخطاب كان موجهاً للقوات المسلحة والشرطة، ولكن الكثير – وخاصة الإسلاميين – فسروه على أنه رسالة لجميع المصريين ، واعتبروه دعوة للحرب الأهلية.
عمد النظام في بعض الأحيان إلى تخفيف وطأة الخطاب السياسي الموجه ضد الإخوان المسلمين، فمثلاً لاقى خطاب السيسي أمام الأزهر ردود فعل مستحسنة على الصعيد الدولي باعتباره نداء من أجل الاعتدال، وعلى الرغم من أن خطاب السيسي لم يأت بجديد للفكر الديني للقيادة العليا للأزهر، والتي تحاول أن ترسل ذات الرسالة حول الحاجة إلى تفسير وسطي للإسلام عن طريق إظهار سلمية الدين ومناسبته لاحتياجات المجتمع الحديث وذلك بدون التخلي عن الثوابت الدينية، إلا أن اللافت بالموضوع هو قيام رئيس بخلفية عسكرية بإلقاء خطاب ديني علني ضمن الأزهر، وشيخ الأزهر من ضمن المستمعين، حيث أشار الشيخ نفسه أن أولئك الذين ينتقدون الأزهر – سواء السلفين أو الذين يرونه متخلفاً عن ركب الحداثة- لا يعون رسالة الأزهر أو دوره، والجدير بالذكر أن شيخ الأزهر اختار عدم إبداء أي دعم سياسي للنظام، حيث شغل نفسه بالسفر المتواصل خارج الدولة، كما عمد إلى تقليص بعض أحكام الإعدام التي قدمتها له المحاكم للاستشارة الفقهية.
ولكن على الجانب الآخر اختار وزير الأوقاف مختار جمعة دعم النظام الجديد بدون تحفظات، حيث لم يعمد فقط لمهاجمة المعارضة، بل قام بإلقاء خطابات تدعم النظام وقوات الأمن وتطالب الشعب بتنظيم المظاهرات لدعم مسعاهم للقضاء على الإرهاب والإرهابيين، وفي مؤتمر عقد مؤخراً اتهم وزير الأوقاف الأخوان بشكل مباشر بالتعاون مع القوى الإمبريالية بالتخطيط لتقسيم مصر، ولكن هذه الخطابات لا يبدو أنها استثارات رد فعل من الشباب المتدين المؤيد للحكم، كون القوى المعارضة للنظام دائماً ما كانت الأقوى في مجال تعبئة الشعب ضمن الخطابات الدينية.
بعد أكثر من سنة ونصف على الإطاحة بمرسي، ليس هناك أي دليل يشير إلى أن خطاب الإخوان المسلمين أو النظام سيتجه نحو التهدئة، في الواقع يبدو أن كلا الجانبين يستعد للمزيد من الحقن والمواجهة، في ذات الوقت الذي ينفي فيه كل طرف المسؤولية عن خطابه وأفعاله، مبررين هذه الأفعال والأقوال على أنها رد فعل على ممارسات الجانب الآخر، والحقيقة أن كلا الطرفين على حق، فكل تصعيد هجومي من أحد الأطراف يستدعي رداً قاسياً من الجانب الآخر.
الإسلاميون لم يعودوا يصفون معركتهم على أنها معركة مرسي أو معركة الشرعية، بل أصبح الصراع حول الإسلام والهوية السياسية والانتقام للأشخاص الذين قتلوا؛ لذا من غير المستغرب أن نرى الإسلاميين العاديين مبتهجين ويحتفلون بقتل الضباط الذين يعتقدون بأنهم مسؤولون عن قتلهم أو سوء معاملتهم، وهذا التحرك يشير إلى احتضان دافئ ومثير للقلق للمقاومة الشعبية التي تتحرك خفية باتجاه التمرد المسلح، أما أنصار الحكومة من جهتهم، فهم لا يأبهون للقتل الذي يتعرض له الإسلاميين على أيدي الشرطة والجيش، لا بل إن الكثير منهم يهتف ويهلل لهذه الممارسات.
الحرب الكلامية الجارية بين الطرفين تغذي دورة العنف ضمن البلاد، وهذا العنف يستمر ويزداد شدة جرّاء رفض كل طرف التراجع عن مواقفه، كون كل طرف يتصرف وكأن إسالة المزيد من الدماء ستؤدي لتحقيق العدالة، ويصف بعض المحللين المعركة بين الطرفين على أنها معركة وجود، وهذه المؤشرات المقلقة حول تحول المواقف والتصعيد الخطابي المتبادل الذي يمارسه الإخوان والنظام، تضع مصر أمام مرحلة جديدة قد تكون أشد فتكاً من كل المراحل السابقة، وفي هذه المعركة ستتحقق نبوءة المتطرفين من الجانبين عن الحرب المميتة ما بين الخير والشر.
المصدر : واشنطن بوست