خرج قرار محكمة الجنايات المصرية أمس بإخلاء سبيل صحفيي الجزيرة المعتقلين وآخرين على ذمة قضية عُرفت إعلاميًا بـ”خلية الماريوت” وذلك في أول جلسات إعادة محاكمتهم بعدما أدانتهم محكمة أخرى في 23 يونيو من العام الماضي، وأصدرت أحكامها بالسجن تجاه 18 متهمًا في القضية بمدد تترواح بين 3-10 سنوات غيابيًا وحضوريًا للمتهمين المضبوطين وعددهم 7 بعد براءة “أنس البلتاجي” نجل القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي وكذلك براءة المتهم في نفس القضية أحمد عبدالحميد.
ضمت القضية صحفيان بريطانيان يحاكمان غيابيًا هما “سو تورتون” و “دومنيك كين” وصحفية أخرى هولندية تدعى “رينا نيتيجس” بالإضافة إلى الاسترالي “بيتر كريست” الذي رحتله السلطات المصرية إلى بلده بموافقة من الجنرال عبدالفتاح السيسي بعد استصدار قانون شبه خاص يسمح لرئيس الجمهورية بترحيل المتهمين الأجانب الذين يتم محاكمتهم على الأراضي المصرية إلى بلادهم، اتهم أيضًا في القضية الصحفي محمد فهمي المزدوج الجنسية الذي يحمل الجنسية الكندية بجوار المصرية.
القضية أخذت زخمًا إعلاميًا بسبب التصعيد من جانب شبكة قنوات الجزيرة ضد السلطات المصرية على اعتبار أن أربعة من صحفييها العاملين بقناة الجزيرة الإنجليزية قيد الاعتقال في مصر، في الوقت نفسه تمسكت السلطات المصرية بإبقاء المتهمين في القضية رهن الاعتقال دون الإفراج عنهم بأي شروط كنوعٍ من الضغط والنكاية بسبب التوترات الحادثة بين الدولة المصرية ونظيرتها القطرية المالكة لقنوات الجزيرة، هذا بعد أن وجهت مصر لهم اتهامات بالانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون لتعطيل العمل بأحكام الدستور ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة عملها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين ومحاولة الإضرار بالوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي المصري وتعريض أمن المجتمع وسلامته للخطر على حد قائمة اتهامات سردتها النيابة.
كانت القضية تمثل ضغطًا على نظام الجنرال في مصر حيث كلما ذهب السيسي للغرب لم يسلم من السؤال عن أسباب اعتقال مجموعة من الصحفيين والتعنت في إطلاق سراحهم وطالما أجاب الجنرال أنه يتمنى الإفراج عنهم لو كان الأمر بيده، لكن الأمر في يد القضاء المصري الذي امتنع عن إخلاء سبيلهم ولو شرطيًا ما سبب حرجًا للجنرال خارجيًا، لكن الدولة المصرية كانت تستخدم القضية ضمن مجموعة من الابتزازات للجانب القطري.
وما أن تمت إرهاصات تهدئةٍ بين الدولتين المصرية والقطرية برعاية خليجية حتى تم الإعلان عن قبول إعادة محاكمة المتهمين في القضية وبعدها بفترة لا تبدو طويلة أفُرج عن الاسترالي الجنسية “بيتر كريست” ورحل إلى موطنه بعد إصدار قانون الإفراج عن المتهمين الأجانب للخروج من هذا المأزق، ليظهر القضاء المصري بمظهره السابق الخاضع للموازنات السياسية والمستخدم دائمًا وأبدًا كأداة بيد السلطة، وما أمر تهريب “المتهمين الأمريكيين” في قضية تمويل منظمات المجتمع المدني ببعيد إذ أفرج عنهم وتم ترحيلهم فوريًا بمخالفة صريح القانون لعدم تعكير صفو الجو بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري الحاكم أنذاك، لكن لا يمكن أن يحدث هذا في قضية صحفيي الجزيرة إلا بعد استخدام القضية سياسيًا ومن ثم الإفراج عنهم في مشهدٍ عبثي في أول جلسات إعادة المحاكمة من أجل حفظ ماء الوجه المهدر.
التفاصيل الداخلية لهذه القضية التي تنبؤك بإلى أي مدى وصلت الدولة المصرية إلى حالة من السخرية وعدم الاكتراث بمواطنيها، فالقضية لم تأخذ كل هذا الزخم الإعلامي إلا لأن المحبوسين على ذمة القضية من بينهم صحفيين أجانب يعملون بشبكة قنوات الجزيرة، بالرغم من أن القضية بها مجموعة من الشباب الصحفيين المصريين الغير مشهورين والذين أفرج عنهم في هذه القضية لكن تم احتجازهم على ذمة قضايا أخرى لفقت لهم قبلها بأيام قليلة، وكأن الحكم معدٌ ومعروفٌ سلفًا، لذلك كان احتجاز الصحفي الشاب خالد محمد عبدالرؤوف على ذمة قضايا أخرى جاهزًا ولم يظهر إلا في هذه اللحظة، الجدير بالذكر أن الشباب الصحفيين المصريين هؤلاء الغير معروفين لم يذكر اسمهم في الإعلام كثيرًا نظرًا لعدم انتمائهم لشبكة قنوات الجزيرة وهم: “صهيب سعد، وخالد محمد عبدالرؤوف، وشادي عبدالعظيم” ولم يجدوا من يطالب بحقوقهم ولم تقف نقابة الصحفيين في مصر بجوارهم في هذه القضية ولا تحدثت بالأساس عنهم نظرًا لسير النقابة في ركاب إرادة الجنرال.
صهيب وشادي وباهر في قسم قصر النيل دلوقتي .. وإن شاءالله يخرجوا النهاردة :") إلا خالد سحلوب اتلفقله قضية تانية ! #خلية_الماريوت
— إسرَاء (@Israamostafa4) February 12, 2015
ففي هذه القضية أيضًا اشترطت الدولة المصرية أن تكون غير مصري حتى يتم الإفراج عنك حيث يروي محمد فهمي المصري المزدوج الجنسية أن قيادة هامةً في الدولة اتصلت به وأخبرته نصًا “أن الجنسية ليست ورقة وإنما في القلب” ودعاه إلى التنازل عن الجنسية المصرية ليتم الإفراج عنه أسوة بالاسترالي “بيتر كريست”، وقد قام بالفعل محمد فهمي بالتنازل عن الجنسية بعدما فشل في إقناع السلطات بأنه لا علاقة له بجماعة الإخوان المسلمين ، هذه الإشارة تؤكد أن الجنسية مقابل الحرية في مصر، فالحرية في مصر لغير المصريين فقط وباقي المتهمين يبدو أن حظهم العثر جعلهم لا يحملون جنسية أخرى لذا سيقبع بعضهم خلف الجدران لمددٍ أخرى.
ولم تكن هذه القضية الأولى التي تصم عنها المنظمات الحقوقية المصرية ونقابة الصحفيين المصريين الأذان، إذ أن هناك عدة صحفيين محسوبين على تيار الإسلام السياسي قابعين خلف السجون منذ ما يزيد عن عامٍ كاملٍ دون تحقيقاتٍ أو اتهاماتٍ بعضهم مقيد بجداول النقابة بالفعل لكنهم غير مقيدين بجداول السلطة المصرية ومحسوبين على المعارضين لذا لن تجد لهم حقوق على النقابة، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر صحفيو رصد الشاب سامحي مصطفى والشاب عبدالله الفخراني المتهمين في قضية سياسية كذلك إبراهيم الدراوي الصحفي المستقل وآخرهم حسن القباني المعتقل منذ أسابيع وآخرين دون أن تجد شجبًا ولا إدانة لهذه الاعتقالات التعسفية للصحفيين، الأمر الذي لم يقف عند هذا الحد بل وصل إلى القتل في قضايا مدير مكتب الأهرام بالبحيرة، والصحفية الشابة ميادة أشرف برصاص قوات الجيش والشرطة.
على الصعيد الإنساني عانى المتهمون جميعًا أثناء فترة اعتقالهم التي لم يظهر لها نهاية سوى بحدوث تهدئة سياسية بين مصر وقطر، وهو أمرٌ كان غير معلوم الوقت لذا قضى الجميع فترات صعبة مع عدم وجود أمل محدد فقد رزق بعضهم بمولود وهو داخل السجن ولم يستطع رؤيته.
كما تعرض بعض المتهمين المصريين في هذه القضية إلى عمليات تعذيبٍ داخل السجون، تحدث ذويهم عنها عند رؤية آثار الدماء على ملابس السجن الخاصة بأبنائهم، وما أن اجتمع المفرج عنهم بعائلتهم حتى زالت بعض آثار السجن عنهم وشعروا بالحرية تلك الكلمة التي افتقدوها منذ أكثر من عام ولا زال يفتقدها الكثير غيرهم داخل السجون؛ حيث عبر عن ذلك الصحفي باهر محمد في أول تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بقوله ” أنا حر ” والذي شاركه بيتر جريستي صديقه المعتقل التهنئة بالخروج على نفس التدوينة.
I AM FREE
— Baher Mohamed (@Bahrooz) February 12, 2015
بينما أخذت القضية شكلًا من الفرح بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي بخروج مجموعة صحفيي الجزيرة بعدما أطلقت لهم عدة حملات للإفراج والتضامن معهم كما دشنت في السابق عدة هاشتاجات للمطالبة بإطلاق سراحهم.
كما تسائل البعض عمن سيعوض هؤلاء المعقلين وغيرهم عن هذه الأيام التي قضوها في السجون دون ذنب أو جريرة.
من يعوض صحفيي الجزيرة او الاف من المعتقلين والمحبوسين ظلما في #مصر عن ساعة ناهيك عن شهور او سنوات ظلم خلف القضبان او احكام بالإعدام ؟
— Nadia El-Magd ناديا (@Nadiaglory) February 10, 2015