ترجمة وتحرير نون بوست
مع اقتراب الموعد النهائي لإجراء الصفقة المحتملة مع إيران بشأن برنامجها النووي، تدور وراء الكواليس مناقشات حامية الوطيس حول هذا الموضوع، التجمع الأول “معسكر التطويق” يرى أن طريق المصالحة قادر على تطويق مشروع تخصيب اليورانيوم الإيراني حتى لا يتسنى للبلد تصنيع قنابل نووية، وهذا التجمع يواجه تجمعاً آخر “معسكر التفكيك” الذي يرى بأن أي صفقة مع إيران هي صفقة سيئة، كونه يجب تفكيك أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، والتوقف عن البرنامج النووي بأكمله.
المسؤولون في إدارة أوباما الذين يقودون المحادثات مع إيران يتم وصفهم بـ”المطوِّقين”، وهم يسعون لإبرام صفقة صعبة تنطوي على إجراء تحقيقات مكثفة على مدى فترة زمنية طويلة، لتحجيم وتطويق برنامج التخصيب ليتوافق فقط مع انتاج الطاقة النووية المدنية، ولضمان بقاء الطاقة النووية الإيرانية أبعد بسنة واحدة -على الأقل- من وصولها المحتمل إلى تصنيع الأسلحة النووية.
أما بالنسبة للمعسكر الثاني “المفكِّكون”، فهم يعتقدون أن الصفقة مع إيران ستجلب نتائج كارثية، وهذا المعسكر يقوده بنيامين نتنياهو المدعوم بشكل كبير من جمهوريي الكونغرس، نتنياهو الذي أعلن عن جلسته المشتركة أمام الكونغرس في مطلع الشهر المقبل، أغضب الرئيس أوباما بزيارته المرتقبة التي لم يناقشها مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن نتنياهو يبرر هذا التصرف والكلمة التي سيلقيها أمام الكونغرس بقوله “هو التزام بمناقشة مسألة قد تؤثر على بقاء بلدي”.
ضعف الحجة لدى المعسكر الثاني يتوضح في سذاجة الطرح؛ فإيران أتقنت التقنيات النووية، وعلى الرغم من الندم الذي قد يخالط هذه الحقيقة، إلا أن الندم لا يجعلها أقل صدقاً، وإيران وصلت إلى هذه المرحلة من التطور قبل تولي أوباما منصبه، وهذه البلاد تمتلك المعرفة الأساسية واللازمة حول تكنولوجيا التخصيب، وحالياً الآلاف من أجهزة الطرد المركزي تعمل على قدم وساق داخل إيران، وهذه الأجهزة كانت لتكون أكثر بكثير لولا الاتفاق المؤقت الذي أُبرم في نهاية عام 2013؛ لذا وبناء عليه، كيف ستعمد إلى تفكيك المعرفة؟ إن جوهر نقاش المعسكر الثاني يهدف إلى تفكيك معرفة الإيرانين، والواقع يشير إلى بدائية هذا الطرح لأنك لا يمكنك ببساطة تفجير المعرفة ومحيها من الوجود.
في الواقع، معسكر التفكيك يتجه نحو تصعيد النزاع مع إيران ليصل إلى منحى كارثي، لذا فالأكثر واقعية هو أن نشير إلى هذا المعسكر باسم “معسكر الحرب”، إيران هي من الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي بذات الوقت لن تلغي طوعاً برنامجها النووي الذي يُعتبر مصدر فخر وطني النسبة لها وتعتقد بأن لها الحق في امتلاكه.
النظرة السابقة تعتبر “هراء” بالنسبة لدعاة التفكيك، كون العقوبات يمكن أن تُجبر إيران على أن تركع على ركبتيها، وفق رأي السيناتور روبرت مينديز الديمقراطي من ولاية نيو جيرسي، ومارك كيرك الجمهوري من ولاية إلينوي، حيث أن السيناتورين لديهما مشروع قانون عقوبات جاهز ومعد، لإثبات رأيهما حول الخضوع الإيراني -وهو مشروع قال أوباما أنه سيستخدم حق الفيتو ضده إذا ما تم تمريره-، وفي الواقع محبو العقوبات والتفكيك يجرون خلف الأوهام ويتخيلون الأمور؛ فصحيح أن العقوبات أضرت بإيران، ولكن هذه البلاد أصبحت معتادة إلى حد كبير على هذه العقوبات، وتطبيق المزيد منها لن يؤدي إلى إخضاعها كما يأمل الحالمون.
إذن، هذا يقودنا للقول بأن الحل الوحيد للتفكيك هو بقصف إيران، وبدراسة التقديرات حول هذه المسألة، يمكننا ملاحظة أن أكثر التقديرات تفاؤلاً تقول أن الحملة العسكرية بحدها الأقصى قد تُرجع البرنامج الإيراني إلى الوراء بضع سنوات فقط، وبالطبع فإن هذا التصرف سيؤدي إلى تعريض الولايات المتحدة إلى حرب مع الشيعة المحتقنين، الذين يرون أمريكا وحلفائها على أنهم شر مبين وسيحاربونها كما يحاربون الدولة الإسلامية السنية، كما أن هذا السيناريو سيضع إسرائيل –لأول مرة- في خطر الحرب المفتوحة مع الفرس والعرب، وبِذا تكون الضربة الحمقاء ارتدت بضربتين مزدوجتين مؤلمتين.
المشورة الحكيمة التي يمكن تقديمها لمعسكر التفكيك يمكن أن تكون وفق الآتي “في عالم مثالي، إيران لن يكون لديها أي برنامج تخصيب، ولكن الحياة ليست مثالية، وهذا الوضع يجب أن يقودنا إلى إيجاد البدائل، الحل الأول هو أن تتوصل إلى حل تفاوضي يضمن على مدى 15 عاماً أن برنامج إيران النووي سيكون محدوداً للغاية وضمن الاستخدام المدني -على الأقل لن تطور سلاحاً نووياً-، وهذا الاتفاق يضمن لك -ولأول مرة بتاريخك- عيوناً وآذاناً على الأرض الإيرانية، أما الحل الثاني فيتمثل باللجوء إلى العمل العسكري، وماذا ستحقق الحرب حينها برأيك؟ قد تؤخر البرنامج لبعض الوقت، ولكنها في المقابل ستؤكد قيام إيران باستخدام الطاقة النووية لتصنيع الأسلحة، كما ستؤجج المشاعر المعادية للغرب في العالم الإسلامي، وسينهار التحالف الدولي الحالي الهادف لفرض عقوبات على إيران، هذا الوضع بالطبع ليس مثالياً لأي طرف، بما في ذلك اسرائيل، إن الاتفاق النووي الصعب الذي يسعى إليه أوباما، من شأنه أن يعزز الأمن الإسرائيلي، أما الحرب مع إيران فستقوض هذا الأمن”.
لم يبق حتى موعد 24 مارس سوى مدة قصيرة، وهو اليوم المحدد لتحديد الإطار السياسي للصفقة على أقل تقدير، قيل لي أن الاختلافات الرئيسية، حول الصفقة متمثلة بمغالاة الطلبات الإيرانية غير الواقعية، فهي تشترط أن يتم رفع جميع العقوبات إذا ما تم التوصل الى اتفاق، كما تشترط وقف الإنقاص والتعديل على عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة والتي تبلغ حالياً حوالي 10.000 جهاز، وبالمقابل يعتقد مسؤولون غربيون أن إيران مستعدة لإرسال جميع مخزونها الحالي إلى روسيا، وهذا من شأنه أن يُنقص قدرتها على تصنيع الأسلحة النووية، وعلى الرغم من أن أمريكا أصبحت أكثر مرونة تجاه عدد أجهزة الطرد المركزي، ولكن مع ذلك، فإنها متجهة لإنقاص عدد هذه الأجهزة حتى النصف على الأقل.
هذه الاختلافات حقيقية وكبيرة ولكنها –مع ذلك- قابلة للحل، كون إرشاد إيران نحو العالم من خلال صفقة صارمة له فوائد سياسية واقتصادية هائلة، حيث يقول محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني “نحن بحاجة إلى اغتنام هذه الفرصة، كونها قد لا تتكرر مجدداً”، ويبقى لنا أن ننتظر لمعرفة فيما إذا آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، هو في”وضع الاغتنام” أم لا.
المرشد الأعلى ليس الطرف الوحيد المتشدد حيال الصفقة، كون معسكر التفكيك هو الآخر يسعى إلى حرب لا يمكن الفوز بها، وهذا المعسكر يخفي نواياه من خلال نقاشه غير المسؤول حول عبثية الصفقة، وبالطبع فإن حجج هذا المعسكر واهية وخاطئة، بالمقابل يمكننا وصف معسكر التطويق بأنه واقعي وعلى حق، كونه من الأفضل أن يتم تطويق تخصيب اليورانيوم في إيران، بدلاً من تحفيزه –الذي قد يصل لتصنيع الأسلحة النووية- من خلال المطالبة المستحيلة بتفكيك القدرات النووية الإيرانية.
المصدر: نيويورك تايمز