بعد هدوء نسبي لـ فترة التحليلات السياسية والاجتماعية والشرعية والسينمائية على مواقع التواصل لجميع المتابعين كبيرهم وصغيرهم، عالمهم ووضيعهم، هناك شيء كان بمثابة صدمة – بالنسبة لي – حتى لو المعظم لم يقصد ما أفكر به.
هناك الكثير من التعليقات كانت تعتبر معاذ “شخص محظوظ” لأن طريقة موته الهمجية كانت HD بينما بقية الأموات – الذين قُتلوا تحت وطأة التعذيب – أقل حظًا، فلم تؤرخ لحظة الموت ولم يراها ذويهم، فبالتالي لن يمزقهم الحزن والوجع أكثر.
أتدري مستوى الفظاعة التي ممكن أن تحصل للإنسان عند استعراض جثة من قُتِل له على وسائل الإعلام لتكون مادة تحليلية لا تمر من أمام أحد مهما وصلت مستوى إنسانيته من دناءة أو شرف إلا يتناولها ويُبدي رأيه فيها، أتتخيل مستوى الألم عندما تتداول صورة فقيدهم وهي ممزقةً أشلاء أو لم يتبق منها إلا هيكل عظمي نصفه محروق والآخر رماد لنُظهِر تعاطفنا أو نفرح فيها لشفاء صدورنا؟ منتهكين فيها كل كرامة الجسد وقدسيته.
مُرعب جدًا أن تصبح أجسادنا وبقايا جثثنا مجرد صورة روتينية ستدخل قريبًا ضمن دائرة الاعتياد من أجل أن نكسب فيها تعاطف أحدهم.
قد تقول إن القصد هو مستوى التعاطف الذي لقيه معاذ بينما قضى آلاف المدنيين بتلك الطريقة ولم يخرج من يستنكر ويُدين ويتوعد بالرد، وأن هذه الصور قد تُظهر التعاطف وتُحرك مشاعر البليدين، ولكن تنسى أحداث 11 سبتمبر الذي تعاطف معها الجميع عدو أمريكا قبل صديقها وجيشت لها جيوش وقُضي فيها على دول ولا أذكر أنه تم المتاجرة بضحاياها أو حتى مجرد عرض عابر لهم على إحدى شاشات التليفزيون.
وأحداث تشارلي إيبدو التي لم يمض عليها شيء لم نر القتلة وبالمقابل أُعدت لها مسيرات طويلة شارك فيها قادة دول، فالقوة منذ الأزل هي سبب التعاطف وليست بشاعة الصور، “الناس يقدرون الأقوياء أكثر مما يشفقون على الضعاف.”
واعلم تمامًا أن نواحك وحزنك الأليم مهما بلغ فلن يساوي ولو بخمس مقدار ذاك الفزع الكبير الذي سيحل بتلك الأم في اللحظة التي سترى فيها صورة فلذة كبدها مشتعلاً بفيلم سينيمائي هوليودي نشاهده وننقده نقدًا فنيًا.
العربي يسير إلى البلادة التامة تجاه الدم والأشلاء والأمخاخ المتفجرة، لازلت أذكر تلك الصرخة التي أطلقتها عندما رأيت جثة أحد ضحايا القذافي وأقارنها بالحالة الأقرب للعادية أمام كل ما رأيته بعدها وليس آخرها ما حصل بدوما، ولازلت ألعن تلك اللحظة!
أما داعش فهي إحدى المُنتجات الخطيرة جدًا ولابد من القضاء عليها جذرًا وهذا لا يكون إلا بالقضاء على المُنتِج .