ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
كشفت إحصائيات نُشرت مؤخّرًا أن المساجد الفرنسية سجلت خلال شهر يناير الماضي زيادة ملحوظة في عدد معتنقي الديانة الإسلامية بعد هجمات شارلي إيبدو، وقد أثارت هذه المفارقة تساؤلات عديدة في أوروبا حول سر جذب الإسلام للشباب الغربي الباحث عن الحقيقة.
شهدت السنوات الأخيرة اعتناق عدد كبير من شباب المجتمعات الغربية للإسلام، وأمام هذا الواقع لا نملك إلاّ أن نتساءل حول الدوافع التي جعلتهم يُقبلون على هذا الاختيار الغير مفهوم بالنسبة لنا نحن الغرب بما أننا كنا نظن أن حضارتنا قد حققت منذ القرن الثامن عشر ما يسميه الفيلسوف مارسيل غوشي “الخروج من الدين”.
الأسباب التي يمكن أن تفسر هذا الانجذاب بسيطة وهي كالآتي: يحتاج الإنسان لتحفيز نفسه انطلاقًا من وجود مغزى من الحياة وقيم عليا وهدف نبيل يكافح من أجله، ويحتاج أيضًا للتقدير والشعور بأن له كرامة، ولكن ترتكز مجتمعاتنا الحديثة على السعي وراء الحاجيات المادية للفرد ورغباته وبحثه عن السعادة الشخصية، وهذه يسميها علماء الأنثروبولوجيا بالمجتمعات الفردية والمادية، التي لا يجد فيها الشباب فرصةً لإشباع حاجاتهم الروحانية، هذه المجتمعات تُربي أبناءها على الدلال وليس على النّبل، فما الذي يمكن أن يشكّل دافعًا لهؤلاء الأفراد ليبذلوا جهدًا ليحظوا بالتقدير والإعجاب من قِبل بقية أفراد مجتمعهم؟ في القرون الماضية كان الناس يكافحون ويقدمون التضحيات من أجل الدين والملك ثم من أجل الأمة عند ظهور الأوطان القومية ولكن اليوم ليس لأي شيء من هذه الأشياء قيمة، هل يمكننا أن نطلب من شبابنا أن يكرسوا حياتهم من أجل حماية “اللائكية” مثلاً!
تحدث أفلاطون في عصره حول حاجة الإنسان للتقدير وميز في كتابه “الجمهورية” بين ثلاثة عناصر مكوِنة لشخصية الإنسان: الجزء المفكر (العقل) والجزء الحيواني (الرغبة) والجزء الروحي (النفس) التي سماها “ثيموس”، كما أكد علماء الاجتماع المعاصرين هذه النظرية الثلاثية في أبحاثهم، وفي سنة 1970 حلل الفيلسوف ماسلوف في كتابه “الدافع والشخصية” الدوافع التي تبعث الأمل والحياة لدى الإنسان وصنفها إلى خمسة أنواع على رأسها السعي لكسب التقدير وتحقيق الذات، وأشارت أيضًا عالمة الاجتماع شنتال دلسول لهذا الأمر في العديد من مؤلفاتها وقالت بأن الإنسان مستعد للتضحية بنفسه من أجل قضية يعتبرها نبيلة.
فلماذا إذن يجد الكثير من شبابنا في الدين الإسلامي إجابةً عما يبحثون عنه؟
يجب أن نفهم أولاً أن الإسلام هو ديانة ديناميكية تحفز الناس، فهو لا يكتفي بدعوة الناس إليه بل يأمرهم بأن ينشروا الدعوة في كافة أنحاء العالم لصالح الإنسانية، فقد قام النّبي محمد الذي كان ذو نظرة إستراتيجية ثاقبة بوضع طريقة عمل ذكية جدًا مكّنت الإسلام من البقاء والانتشار، ثانيًا يمثل الإسلام ديانة يسميها علماء الدين المسلمين “متوازنة” وهي كذلك بالفعل فهي تراعي الحاجيات الفيزيولوجية للإنسان أكثر من الديانة المسيحية.
لماذ يُقال بأن الإسلام دين حرب؟
نعلم أن الإسلام يقسم العالم إلى جزئين: أرض الإسلام وهي المناطق التي تعتنق الإسلام، وأرض الجهاد وهي المناطق التي لم يعتنق أهلها بعدْ هذا الدين، وبالتالي فهي أرض دعوة وجهاد، ويعتقد المسلمون بأن الأرض ملك لله وبأن مهمتهم هي إقامة حكم الله على الأرض، وشجع النبي محمد على الجهاد وأعلن أن كل من يقاتل في سبيل الله يحصل على أربعة أخماس ما يغنمه، أما الشهداء فلا خوف عليهم حيث أن مقامهم في الجنة، وبالإضافة لهذا الجانب العسكري نظم النبي محمد المجتمع الإنساني طِبقًا للسورالقرآنية التي تنزلت عليه وآخى بين الناس وأصبحت الزكاة فريضة وركنًا من أركان الإسلام الخمسة.
ومن جهة أخرى حمل الإسلام فهمًا كبيرًا لاحتياجات الإنسان فهو ديانة تعبّر بشكل واضح عن الحاجيات الجسدية والعاطفية للناس ولكن تحدد من ناحية أخرى ماهي المشروبات والمأكولات المحرمة عليهم، كما تنصح النساء بستر وحماية أنفسهن من الطّمع من خلال استعمال الحجاب.
ومن خلال هذه النظرة للعالم يعتبر المسلمون حضارتهم حضارة أرقى من حضارتنا، فالحضارة الغربية تبدو لهم خاوية لأنها تقوم على حب المادة، وهي بدون حُب الله مبنية على حب المال، على عكس الحضارة الإسلامية التي تتصف بالنُبل وتستحق الاحترام لأن الإنسان يعيش فيها بتقوى الله وطاعته، وفي هذا الإطار يقول لنا الدكتور عثمان التويجري مدير المنظمة الإسلامية للتعليم والعلوم والثّقافة أن “الحضارة الغربية هي حضارة مادية، ولذلك هي عاجزة عن فهم معنى هذا العالم الذي خلقه الله العلي القدير، وهي أيضًا تسبب اختلالات ومشاكل للعالم قد تنتهي بتدميره، ولكن الحضارة الإسلامية متوازنة فقد نجحت في تقديم مقاربة تجمع بين الروحي والمادي، ولذلك هي تمثل بلا أدنى شك حضارة الغد”.
إذًن هذه هي الأسباب التي تجعل الشباب الغربي يكتشف فجأةً أن الإسلام هو الطريق المناسب لهم والقادر على إشباع روحهم.
ويبقى الأمر منوطًا بعهدة المفكّرين الغرب ليحددوا لنا وبشكل عاجل لماذا فقدت المسيحية التي كانت أساس حضارتنا عبر القرون قدرتها على ملئ الفراغ الذي تعيشه الأجيال الشابة، يُعد هذا السؤال مصيريًا للعالم الغربي ولذلك يجب علينا الإجابة عليه لنفهم ما هي الأفكار والقيم التي يمكن أن تجعلنا قادرين على تلبية الاحتياجات الروحية التي يبحث عنها الشباب من أجل إعطاء معنى لحياتهم.
المصدر لو فيغارو