ترجمة وتحرير نون بوست
بعد ثلاثة عقود في المنفى، تعمل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا في السنوات الأخيرة على إعادة بناء نفوذها داخل سوريا، وتمثّل هذا الجهد – بجزء منه – في محاولتها لكسب موطئ قدم في النضال العسكري ضد الرئيس السوري بشار الأسد؛ ففي عام 2012، شجع قادة الإخوان على إنشاء هيئة دروع الثورة، وهي مظلة للمسلحين المعتدلين تجمع عشرات الألوية الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي بدأت فعاليتها على الأرض في عام 2013.
ومع ذلك، وفي أوائل عام 2015، تضاءلت الأنشطة العسكرية لهيئة الدروع إلى حد كبير، نتيجة للخلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا التي أعاقت توسع هذه المظلة، وعلاوة على ذلك، واجهت ألوية الدروع صعوبات مالية نتيجة للموقف العدائي من المملكة العربية السعودية ضد الإخوان المسلمين، وفي عام 2014 انشقت بعض كتائب الدروع وانضمت إلى جماعات متمردة أخرى، وعلى الرغم أنه – حتى الآن – لم تعلن سوى كتائب قليلة من هيئة الدروع الولاء للجماعات الأكثر تطرفًا في سوريا، مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية، إلا أن هذا الواقع يمكن أن يكون على وشك التغيّر.
نشأة هيئة دروع الثورة
بدأت جماعات صغيرة مقرّبة من جماعة الإخوان بتشكيل فصائل مسلحة ردًا على قمع نظام الأسد للاحتجاجات التي اندلعت في مارس 2011، وتركزت معظم الفصائل في إدلب، وهي مقاطعة في شمال غرب سوريا، حيث احتفظ نظام الإخوان بعلاقات وثيقة مع الأصدقاء والعائلات وشبكات المتشددين في تلك المناطق، على الرغم من وجوده الطويل خارج البلاد في المنفى، ومع استمرار حملة القمع التي شنتها الحكومة، قام المتمردون بتنظيم أنفسهم وبدأوا بالتوسع إلى مناطق أخرى من البلاد، وجاءت الخطوة الأساسية في سبتمبر من عام 2012 عندما جمع الإخوان كل هذه المجموعات المتفرقة تحت مظلة الدروع، رسميًا لايزال قادة الإخوان مترددين في الاعتراف بعلاقتهم الخاصة مع الدروع، ولكن على الصعيد المحلي، يعترف كبار قادة المتمردين أنهم يأخذون أوامرهم مباشرة من قيادة جماعة الإخوان المسلمين.
ضمن الكوكبة الكبيرة للمجموعات المسلحة السورية، تعتبر هيئة دروع الثورة من قبيل الإسلام الوسطي، ويؤكد البيان التأسيسي لها اعترافها بالهيئات المعارضة المعترف بها والمدعومة من قِبل الغرب، مثل الجيش السوري الحر والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، كما يؤكد البيان أن التوجه السياسي لهيئة الدروع يتبع نهجًا إسلاميًا معتدل ووسطي، كما أن الجماعة تؤيد سوريا الحديثة المبنية على أساس المؤسسات الديمقراطية والتعددية في سياق نظام سياسي ذي مرجعية إسلامية، يسمح لجميع المواطنين بالاستمتاع بذات الحقوق بغض النظر عن الدين أو العرق، وفي محاولة للنأي بالنفس عن الخطابات المتطرفة، يصر البيان التأسيسي أيضًا على التزام أعضاء الدرع برفض كل دعوات التكفير والحد من الأنشطة الثورية خارج حدود الدولة السورية.
طوال عام 2013، حصلت هيئة الدروع على أسلحة متطورة، بما في ذلك أجهزة الدفاع الجوي المحمولة ومدافع الهاون وبعض الدبابات، وبعكس بداياتها التي عملت فيها المجموعات المسلحة بشكل مناطقي ومستقل، بدأت ألوية الدروع مع مرور الزمن بالتنسيق بين بعضها على الأرض بشكل أفضل والقيام بعمليات عسكرية تشاركية لتشمل مناطق أوسع، حيث أجرت المجموعة عمليات مؤثرة في ريف إدلب وحمص، وكانت فاعلة ولكن بشكل أقل في مناطق من حلب وحماة وريف دمشق، وبشكل عام لعبت الهيئة بفصائلها المسلحة دورًا هامًا في القتال ضد قوات النظام في أواخر عام 2013 وأوائل 2014 خاصة على محور حمص – إدلب مع التركيز بشكل خاص على مدن خان شيخون وحيش ومورك، وعلى منطقة القلمون الحدودية بين سوريا ولبنان.
إخفاقات الإخوان
منذ ذلك الحين، انخفضت الأنشطة العسكرية لهيئة الدروع بشكل كبير، والسبب الرئيسي يرجع للسياسة الداخلية التي اتبعها الإخوان المسلمون في سوريا، كون الصراع المستمر منذ عقود على القيادة بين فصائل حماة وحلب – وهما الكتلتان اللتان تتنافسان على السلطة في جماعة الإخوان المسلمين السورية – أعاق توسع المنصة العسكرية للإخوان، وفي الواقع يمكننا القول بأن هيئة الدروع تأسست بتشجيع من المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا رياض الشقفة وهو شخصية إخوانية مولودة في حماه، وهذا التأسيس عارضته منذ البداية معظم الشخصيات الإخوانية الحلبية، وبدلاً من توحيد الجهود العسكرية بين جماعات حلب وحماه ضمن هيئة دروع الثورة، اختارت فصائل حلب الانضمام أو دعم الجماعات المتمردة الإسلامية المعتدلة القائمة بالفعل مثل لواء التوحيد، أو رفض العمل العسكري تمامًا والتركيز على الأنشطة الحزبية مثل النشاط الدعوي والنشاط الإعلامي والأنشطة الخيرية والأنشطة السياسة.
هذه الخلافات الداخلية على أسس الفصائل الحموية/ الحلبية أدت إلى تباطؤ توسع هيئة الدروع بشكل كبير في حلب، حيث خلقت هذه الخلافات تناقضات جغرافية في وجه العمليات العسكرية الممكنة التنفيذ في المنطقة، واليوم، على سبيل المثال، لا تملك هيئة الدروع سوى بالكاد ثلاثة ألوية مقرها في محافظة حلب، وبالمقابل تملك عشرات الألوية التي تعمل بالنيابة عنها في محافظة إدلب، وهذه الخلافات والتناقضات الجغرافية منعتها من العمل كمنبر وطني متماسك، وبشكل أكثر تعميمًا، يمكن القول بأن التوترات على مستوى القيادة داخل جماعة الإخوان المسلمين السورية ساعدت في الحد من جاذبية وتألق هيئة الدروع داخل سوريا، كون هذه التوترات دائمًا ما كانت تسلط الضوء على الخلافات التافهة حول القياديين الكبار بالسن والمنفيين منذ وقت طويل داخل جماعة الإخوان المسلمين؛ مما خلق جوًا من النفور من جماعة الإخوان وسط المسلمين المعتدلين.
بالإضافة إلى ما تقدم، فقد واجهت هيئة دروع الثورة صعوبات شديدة في التمويل في العام الماضي؛ فحتى وقت قريب، كانت معظم الأموال التي يحصل عليها الإخوان لتقديمها لجماعاتهم المسلحة قادمة من الخليج، حيث اعتمدت الجماعة على دعم الأفراد الخليجيين الأثرياء، ولكن ابتداء من مارس 2014 وبعد قرار السعودية بحظر جماعة الإخوان المسلمين وإعلانها كمنظمة إرهابية، توقفت حملات جمع التبرعات الموجهة نحو جماعة الإخوان السورية؛ مما أدى إلى وقوع الجماعة في أزمة مالية خانقة، ويشير قادة فصائل هيئة الدروع أن الدعم المالي القادم من جماعة الإخوان المسلمين للأنشطة العسكرية تضاءل بشكل كبير لدرجة أن المجموعة الآن قادرة فقط على توفير الملابس والمواد الغذائية وبعض الأسلحة المحدودة لأعضائها.
مخاطر الراديكالية
ضمن هذا السياق قامت أعداد متزايدة من ألوية هيئة الدروع بالانضمام إلى الجماعات المسلحة الأكثر ثراءً، وحتى الآن، أغلب هذه الألوية التي انشقت انضمت إلى جماعات إسلامية معتدلة أخرى مثل فيلق الشام وأجناد الشام، علمًا بأن هذا الوضع قد يتغير قريبًا؛ فمنذ أواخر عام 2014، بدأ نفوذ الجماعات المتمردة المتطرفة بالاتساع وعلى وجه التحديد في المناطق التي تسيطر عليها هيئة دروع الثورة؛ فجبهة النصرة تسيطر الآن مساحات شاسعة من محافظة إدلب، في حين أن الدولة الإسلامية يزداد نفوذها في ريف حمص وفي سلسلة جبال القلمون بين سوريا ولبنان، والموارد المالية الكبيرة المتاحة لهذه المجموعات المتشددة، يمكن أن تجعل خيار الانضمام لها جذابًا بالنسبة لعدد متزايد من المتمردين السوريين.
إن الحاجة المتزايدة للمال والسلاح، يمكن لها أن تؤدي مع عوامل أخرى إلى خطر تطرف ألوية هيئة الدروع، فمن الناحية الفكرية (الأيديولوجية) يناضل رجال الدين من جماعة الإخوان المسلمين السورية إلى التصالح مع ظهور الدولة الإسلامية، حيث انتقد هؤلاء الطريقة المتسرعة والأحادية التي أعلن فيها أبو بكر البغدادي الخلافة في يونيو من عام 2014، ولكنهم – مع ذلك – لم يشككوا في النهج المتطرف التي تعتمده الدولة الإسلامية في الحكم، كما أنهم لم ينتقدوا المجازر التي ترتكبها قوات الدولة الإسلامية بمواجهة الأقليات العرقية والدينية في العراق وسوريا؛ أما سياسيًا، فقد ثبت أيضًا أن الإخوان لم ينتقدوا الدولة الإسلامية خاصة في أعقاب التدخل الأمريكي الجوي الذي استهدف الجهاديين في سوريا والعراق، حيث ركز دعاة هيئة الدروع في خطابهم على اتهام الولايات المتحدة “زعيمة الإرهاب في العالم” بأن حملتها ضد الدولة الإسلامية أتت لإنقاذ نظام بشار الأسد، ولكسر إرادة المسلمين، وتدمير أملهم في حياة الحرية والكرامة، وهذه التصريحات من المرجح أن تولّد المزيد من الارتباك والتطرف بين الجماعات المتمردة خاصة في ظل مزاجهم السلبي الحالي الناتج عن انسداد الطرق أمامهم في سوريا.
لتجنب خسارة الألوية لصالح الجماعات المتمردة المتطرفة، يجب على جماعة الإخوان المسلمين في سوريا توضيح موقفهم الأيديولوجي تجاه مجموعة من القضايا، والنأي بشكل أكثر وضوحًا عن الجماعات المتطرفة، وينبغي أيضًا أن تلتزم الجماعة بإنفاق المزيد من الموارد لتثقيف المقاتلين بثقافة وسطية تشبه الخطاب الذي جاء في البيان التأسيسي لهيئة دروع الثورة، ولكن يبقى الأمر الأهم هو الإصلاحات الداخلية الرئيسية الواجب اتخاذها على هيكلية التنظيم، مثل إدخال المزيد من الشفافية وتسريع عملية تسليم الأجيال الشابة على مستوى القيادة، وذلك بهدف تجنيب الصراعات الصغيرة، وتحسين صورة الجماعة داخل سوريا.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن بزوغ المتطرفين الإسلاميين يُعد أحد أعراض فشل جماعة الإخوان المسلمين في تقديم أنفسهم كخيار صادق وجذاب للكثير من الإسلاميين المعتدلين.
المصدر: ميدل ايست بوليتيكال ساينس