هناك رئيس حكومة واحد فقط في قاعة الشهرة في مدرسة شيلتينهام الثانوية خارج ولاية فيلادلفيا الأمريكية، ذلك هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
تخرج نتنياهو من المدرسة عام 1967 عندما كان والده يدرّس في الكلية اليهودية القريبة، لكن خريج المدرسة أغضب العديدين من اليهود في فيلادلفيا وضواحيها بالموافقة على التحدث إلى الكونغرس في الشهر المقبل لإدانة مفاوضات باراك أوباما بشأن البرنامج النووي الإيراني.
يقول الحاخام سيمور روزنبلوم “معظم اليهود الذين تحدثت معهم، الذين يشعرون بالقلق بشأن دولة إسرائيل، ليسوا مرتاحين من تحدث نتنياهو أمام الكونغرس، خاصة بهذا الشكل!”، ويتابع الرجل الذي تقاعد مؤخرًا بعد 36 عامًا من العمل في كنيس يهودي محافظ في بلدة شيلتينهام بولاية بنسلفانيا “أعتقد أن معظم اليهود الأمريكيين لا يرون تلك الخطوة في صالح إسرائيل”.
في الشهر الماضي على سبيل المثال، هاجمت افتتاحية صحيفة فيلادلفيا اليهودية نتنياهو بسبب إغضابه زعيم أقرب حلفاء إسرائيل.
كتب محررو الصحيفة الأسبوعية “في هذه المرحلة الدقيقة، لا يجدي الخلاف العلني مع إدارة أوباما نفعًا لأي طرف، خاصة إسرائيل”، وتابع المحررون “سيظل الرئيس باراك أوباما في منصبه لعامين آخرين، وإسرائيل تحتاج دعمه المستمر”.
قد تبدو تلك التعليقات معتدلة، لكنها في الواقع أصوات استثنائية وسط اليهود الأمريكيين الذين ينفرون عادة من انتقاد حكومة إسرائيل في العلن، لكن التقارب بين نتنياهو والجمهوريين المحافظين في الكونغرس، والذين يسعون لإحراج البيت الأبيض ونسف الصفقة النووية مع إيران، أثار ردود أفعال قاسية وغير عادية من قِبل العديد من زعماء اليهود، كما ساهمت في اتساع الهوية بين الأغلبية الليبرالية للمجتمع اليهودي واليمينيين الذين تتصاعد حدتهم على نحو متزايد.
يقول الحاخام ريك جاكوبس، زعيم اتحاد إصلاح اليهودية، أكثر الطوائف اليهودية ليبرالية في أمريكا الشمالية إن خطاب نتنياهو كان “طائشًا”، داعيًا رئيس الوزراء إلى التراجع، وانضم إليه كذلك اثنين من أكثر الأصوات المعتدلة: سيمور رايخ، الرئيس السابق لمؤتمر المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، وأبراهام فوكسمات، المدير الإقليمي لرابطة مكافحة التشهير ADL (التي تمثل أحد أقوى أذرعة اللوبي اليهودي في أمريكا)، والذي قال إن كلمة نتنياهو المرتقبة تحولت إلى “سيرك”.
في الوقت نفسه، قالت جماعات يمينية مثل الائتلاف اليهودي الجمهوري (المدعوم من الملياردير شيلدون أديلسون)، ولجنة الطوارئ من أجل إسرائيل إن أعضاء الكونغرس الديموقراطيين الذين يفكرون في مقاطعة الخطاب يقدمون انتصارًا لأعداء إسرائيل، كما وعدت تلك الجماعات بـ “توعية الناخبين” حول عدم ولائهم.
أما المنظمة الصهيونية الأمريكية فقد ذهبت أبعد من ذلك عندما قارنت بين فوكسمان وجاكوبس بالزعماء اليهوديين الذين حاولوا التهوين من صعود هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي.
عن طريق قبول دعوة رئيس مجلس النواب جون بوينر لمخاطبة الكونغرس يوم 3 مارس المقبل، اضطر نتنياهو العديد من الأمريكيين إلى الاختيار بين دعمهم للرئيس الأمريكي الليبرالي الديموقراطي أو دعمهم لرئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد، البيت الأبيض غاضب لأنه لم يستلم إعلامًا مسبقًا بزيارة نتنياهو، واستبعد أي اجتماع مع أوباما، رغم أن المسؤولين يصرون على أن الازدراء الواضح سببه أن الرئيس الأمريكي يلتزم مبدأ عدم الاجتماع مع الزعماء الأجانب قبل بدء الحملات الانتخابية، هناك أكثر من ثلثي اليهود في أمريكا صوتوا لأوباما في 2012، وفقًا لاستطلاعات الرأي، وأظهر استطلاع مركز بيو للأبحاث في 2013 أن 70٪ من اليهود الأمريكيين يميلون ناحية الحزب الديموقراطي، في حين وصف 80٪ أنفسهم بأنهم ليبراليون أو معتدلون.
حتى الآن، هناك دلائل قوية تشير إلى أن قرار نتنياهو بإثارة مواجهة رفيعة المستوى مع البيت الأبيض لن يحصل على دعم المجتمع اليهودي.
هناك عدد من الافتتاحيات القوية في العديد من الصحف اليهودية الأمريكية، والتي عادة ما تقف بقوة وراء أي حكومة إسرائيلية؛ “أحدهم يجب أن يكبر!” هكذا قالت صحيفة المحامي اليهودي في بوسطن، في محاولة لحث نتنياهو أن يؤخر كلمته – على الأقل – إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، أما صحيفة فوروورد فقد قالت إن نتنياهو يحتضن حزبًا سياسيًا (الحزب الجمهوري) تتناقض قيمه مع قيم معظم اليهود الأمريكيين، جي ستريت، وهي مجموعة يهودية تدعم حل الدولتين وتنتقد حكومة الليكود بشكل منتظم، جمعت أكثر من 20 ألف توقيع للمطالبة بتأخير الخطاب.
أكد الحاخام جون روزوف، رئيس مجموعة الحاخامات في جي ستريت، أن الخطاب يهدد طبيعة التنوع السياسي لدعم إسرائيل بين اليهود الأمريكيين، وتابع قائلاً “عبر تدخله في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وعبر اتخاذه موقفًا في السياسة الحزبية الداخلية لدينا، يتجاوز رئيس الوزراء خطًا أحمر، لقد جعل اليهود الأمريكيين في موقف غير جيد، وأظن أن موقفه غير مسؤول”.
لعل أكثر اليهود المستائين هم اليهود الـ 29 في الكونغرس، والذين ينتمي أحدهم فقط للحزب الجمهوري، ورغم أن معظمهم لا يشعرون سوى بالازدراء تجاه بوينر وأسلوبه في استخدام نتنياهو، إلا أنهم يخشون أن غيابهم عن الحضور قد يُرى على أنه إهانة لإسرائيل، ولذلك فإن معظمهم قرروا الحضور.
يقول النائب ستيف إسرائيل: “إن هذا فخ سياسي صُمم بواسطة رئيس المجلس”، وتابع عضو الكونغرس الديموقراطي عن لونغ أيلاند والذي ينوي حضور الخطاب “أنه يريد للديمقراطيين ألا يحضروا، وبذلك يتمكن من الوقيعة بين الناخبين وبيننا بشأن مسألة إسرائيل، أنا أعلم أنها حيلة، فلماذا أهبه النصر الذي يريد؟”.
عضو الكونغرس، والذي تضم دائرته يهودًا عديدين، يقول إن النواب منقسمون بشكل متساو حول ما إذا كان ينبغي أن يحضر النواب الخطاب أم لا.
النائب جون يارموث، وهو ديموقراطي من لويزفيل، ولاية كنتاكي، قال إنه سيبقي بعيدًا لكي لا يترك انطباعًا بأنه يدعم موقف نتنياهو بشأن إيران، أو تدخله في السياسة الخارجية الأمريكية، أما ستيف كوهين، من ممفيس بولاية تينيسي فلم يقرر بعد، لأنه لا يريد أن يرسل رسالة عدم احترام لإسرائيل، لكنه غاضب من أن بوينر ونتنياهو سيستخدمون جلسة الكونغرس المشتركة كمسرحية لعرض سياسات الجمهوريين في أمل للضغط على البيت الأبيض، تلك الدعاية أيضًا ستخدم نتنياهو في إعادة انتخابه في الانتخابات المقررة في 17 مارس بعد أسبوعين فقط من موعد الخطاب.
يقول كوهين مازحًا إنه يفكر في الذهاب والحضور متفرجًا في مقاعد الزائرين في الأعلى “تماما مثلما تفعل النساء في المعابد اليهودية الأرثوذكسية”.
المصدر: الغارديان