افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز
ترجمة وتحرير نون بوست
الأزمات في سوريا والعراق وأوكرانيا طغت إلى حد كبير على التفكك الذي تعاني منه ليبيا؛ فالبلد الغني بالنفط تلقى اهتمامًا قليلاً نسبيًا على مدى الأشهر القليلة الماضية، على الرغم من انجرافه الواضح إلى دوامة من الفوضى العارمة، هذا الوضع الذي يجب أن يحفّز زعماء العالم لمضاعفة الجهود التي تقودها الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين الفصائل المتحاربة.
الوضع الليبي أصبح أكثر سوءًا منذ أن عمدت عدد قليل من الجماعات الإسلامية التي تسعى للسيطرة على الأراضي الليبية إلى إعلان الولاء للدولة الإسلامية، ومارست هذه الجماعات ذات أساليب القتل البربرية والوحشية التي مارستها الجماعات الإسلامية في العراق وسوريا والتي حفزت الدعم الدولي للحملة العسكرية ضدهم، ونمو هذه المجموعات وتوغلها في التطرف، يثير احتمالية تحول أجزاء كبيرة من ليبيا إلى تبعية الدولة الإسلامية.
وقال برناردينو ليون مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا: “ليبيا تتمتع بذات المميزات التي ترجح تطور الأوضاع فيها إلى ذات السيناريو السيء الذي نراه في العراق وسوريا، والفرق هنا، هو أن ليبيا لا تبعد سوى بضعة أميال عن أوروبا”.
البرلمان الليبي المنتخب وحكومته التي يتزعمها رئيس الوزراء عبد الله الثني، يمتلكان سلطة ضعيفة جدًا على البلاد، خاصة بعد أن فرّت الحكومة والبرلمان من طرابلس الصيف الماضي، وذلك نتيجة للقتال ما بين الميليشيات المتناحرة والتي تشكّلت خلال الحرب الأهلية لعام 2011 وأدت إلى الإطاحة بالديكتاتور العقيد معمر القذافي، وفي الوقت الراهن تمارس حكومة الثني – وهي المعترف بها دوليًا – مهامًا من مدينة البيضاء في شرق البلاد، في حين يجتمع البرلمان في المدينة الساحلية الشرقية طبرق، وذلك منذ أن قامت حركة فجر ليبيا – وهي تحالف يضم ميليشيات وفصائل سياسية – بانتزاع السيطرة على العاصمة وتشكيل حكومة معارضة.
مؤخرًا، اجتمع فريق المبعوث الدولي ليون مع معظم قادة الفصائل المتحاربة، بما في ذلك قادة الميليشيات، وتأمل الأمم المتحدة أن تؤدي هذه المفاوضات إلى وقف إطلاق النار في نهاية المطاف وتشكيل حكومة وحدة مؤقتة، كونه إذا استمر القتال على هذا الحال، من المرجح جدًا أن تتجه البلاد نحو سيناريو التقسيم الحتمي، كما أن الاقتصاد – الذي مازالت فرص نموه متاحة حتى الآن – سوف ينهار تمامًا في أعقاب التقسيم.
إن الوضع الليبي تدهور بشكل تدريجي طفيف منذ بدء الانتفاضة الليبة في عام 2011 حتى خريف العام الماضي، حين أعلنت جماعة إسلامية متشددة في مدينة درنة شرق البلاد انضمامها إلى الدولة الإسلامية التي تسعى لإقامة الخلافة في العراق وسوريا، وبعيد هذا الحدث المفصلي بفترة قصيرة، عمدت مجموعتان مسلحتان من محافظتين مختلفتين إلى إعلان الولاء للدولة الإسلامية أيضًا، وحينها باشر المقاتلون الذين يعتبرون أنفسهم جزءًا من الدولة الإسلامية بقتل الصحفيين والعديد من المدنيين، حيث تبنت هذه الفصائل التفجيرات التي استهدفت السفارتين المصرية والإماراتية في طرابلس في 13 نوفمبر 2014، كما تبنت إحدى هذه الجماعات المرتبطة بداعش في الشهر الماضي، عملية خطف 21 قبطيًا مصريًا، وعملية تفجير فندق كورنثيا في العاصمة والتي أسفرت عن مقتل 10 أشخاص.
وتعقيبًا على هذه الأوضاع، قال عارف علي النايض سفير ليبيا في دولة الإمارات العربية المتحدة في مقابلة له “إن المتشددين الذين اعتنقوا عقلية الدولة الإسلامية، يمكن أن يوسعوا سيطرتهم الإقليمية من خلال إحكام قبضتهم على الفصائل الإسلامية الأقل براغماتية”، وأضاف “الإسلاميون أذكياء جدًا في عملية تغيير العلامة التجارية، لقد تعلموا نموذج الامتياز التجاري “الفرانشايز” من ماكدونالدز، فهم يرفدون فروعهم بالمنهجية وبالمعايير وبالمواد الدعائية، ويتركون الإدارة للفروع”.
إن هذه الفوضى التي تعاني منها البلاد شلّت اقتصاد ليبيا، التي تتميز بعدد سكانها الصغير نسبيًا مقارنة مع موارد الطاقة الوفيرة في البلاد، وحاليًا تعتبر الصناعة الوحيدة الآخذة في الازدهار ضمن البلاد هي تجارة تهريب البشر، حيث قام المهربون بالاستفادة من غياب سلطة القانون في البلاد، واستخدموا ليبيا كمحطة على الطريق لتهريب اللاجئين الأفارقة من جنوب الصحراء الإفريقية واللاجئين السوريين إلى أوروبا، وأصبحت ممارسات هؤلاء المهربين وقحة ومتهورة على نحو متزايد، في ظل قيامهم بإرسال المئات من المهاجرين الفقراء إلى حتفهم من خلال طرق التهريب الغير شرعية.
ويتوضح لنا الوضع من خلال تصريحات وزارة الخارجية الإيطالية التي أشارت إلى أنه خلال شهر يناير السابق عبر أكثر من 3500 مهاجر إلى إيطاليا عبر البحر الأبيض المتوسط، وهذا العدد يشكل طفرة مخيفة مقارنة مع معدل المهاجرين الذي عبروا الحدود في مثل هذا الوقت من العام الماضي، علمًا بأن معظم هؤلاء المهاجرين أتوا على متن رحلات قادمة من ليبيا، كما ذكرت سلطات الهجرة الإيطالية يوم الأربعاء الماضي، أن 300 مهاجر على الأقل لقوا مصرعهم غرقًا بعد الانطلاق من ليبيا إلى إيطاليا على متن قوارب مطاطية.
أخيرًا، يشير المبعوث الدولي ليون أنه إذا لم تثمر الجهود الدبلوماسية الجارية حاليًا خلال أسابيع، فإن المجتمع الدولي سيجد أن الوقت قد فات للقيام بأي عمل لإعادة ليبيا إلى مسار الاستقرار، ويضيف أنه يجب على الليبيين الذين يقاتلون منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 2011، اتخاذ خطوات للمصالحة، والبدء في العمل الشاق لبناء دولة فاعلة وقادرة على أداء وظائفها، كما أشار ليون إلى أن الزعماء الغربيين والإقليميين لديهم القليل من الوقت للضغط على الأطراف المتناحرة من خلال تقديم الحوافز والدعم للأطراف الراغبة في الاشتراك لرسم مسار جديد للبلاد، حيث قال ليون “ليبيا تتهاوى سياسيًا وماليًا، والوضع الاقتصادي كارثي، ولا أعتقد أن البلاد يمكنها أن تتحمل استمرار عملية المفاوضات لعدة شهور أخرى”.
المصدر: نيويورك تايمز