في بيان رسمي أعلن الجيش المصري أن سلاح الجو المصري استهدف بضربة جوية معسكرات ومخازن سلاح لما أسماه البيان “تنظيم داعش الإرهابي على الأراضي الليبية”.
وأضاف بيان الجيش المصري “أن الضربة الجوية حققت أهدافها بدقة”، مشيرًا إلى أن نسور القوات الجوية عادت إلى قواعدها سالمة بحمدالله”.
وأكدت القيادة العامة للقوات المسلحة في نفس البيان على” أن الثأر للدماء المصرية والقصاص من القتلة والمجرمين حق واجب النفاذ”.
هذا الرد المصري يأتي عقب بث تنظيم الدولة الإسلامية مقطعًا مصورًا يظهر إعدام 21 عاملاً مصريًا مسيحيًا ذبحًا، خرج بعده الجنرال المصري عبدالفتاح السيسي يؤكد أن لمصر حق الرد في الوقت الذي تراه مناسب وقد كان الوقت بعد هذا الخطاب ببضع ساعات.
كيف بدأت القصة
البداية كانت بنشر تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام المعروف إعلاميًا باسم “داعش” بمجلته الرسمية التي تصدر باللغة الإنجليزية “دابق” صورًا لـ21 مسيحيًا مصريًا بملابس الإعدام البرتقالية المشهورة لدى التنظيم، دون أن يعلم أحد مصيرهم في ذلك الوقت بما في ذلك الجانب المصري في رسالة وكأنها تهديدية من جانب التنظيم حتى تم بث فيديو ذبحهم.
وردت هذه الصور خلال تقرير لمجلة التنظيم نُشر بعنوان “انتقام للمسلمات اللاتي اضطهدهن الأقباط الصليبيون في مصر”، تدواله أنصار التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي.
حيث أعلن التنظيم أن من أسماهم “جنود الخليفة” في ولاية طرابلس أسروا 21 مسيحيًا مصريًا كانوا يعملون هناك في ليبيا انتقامًا من الكنيسة القبطية في مصر.
وأضاف التنظيم في تقريره نصًا: “هذا الشهر أسر جنود الخليفة في ولاية طرابلس (تشتهر باسم الدولة الإسلامية بليبيا) 21 قبطيًا صليبيًا، تقريبًا بعد 5 سنوات على العملية المباركة ضد كنيسة بغداد التي نفذت انتقامًا لكاميليا شحاته ووفاء قسطنطين وأخوات أخريات اللاتي تم تعذيبهن وقتلهن على يد الكنيسة القبطية في مصر، العملية (الهجوم على كنيسة بغداد) التي خطط لها حذيفة البطاوي – رحمه الله – والي ولاية بغداد آنذاك إلى جانب القائد العسكري الكبير أبو إبراهيم الزيادي، اللذان لعبا دورًا حاسمًا – عبر شغفهم وحماستهم – في الحفاظ على الروح المعنوية لمجاهدي الدولة الإسلامية بعد استشهاد أبو عمر البغدادي، وأبو حمزة المهاجر – رحمه الله -“.
وحذر التنظيم في تقريره، الكنيسة المصرية من اضطهاد المسلمات في مصر وأن ذلك سيؤدي إلى المسؤولية عن إلحاق الأذى بكل مسيحي في العالم عندما يسعى جنود الدولة الإسلامية للانتقام العادل، حسب التقرير المنشور.
رفضت الكنيسة المصرية في بداية الأمر التعليق على هذا التقرير المنشور مشككةً في صحته على لسان بولس حليم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة في مصر بقوله: “حتى اللحظة لم نتأكد من صحة الصور المنشورة وسنبقى على تواصل مع المسؤولين، حتى نعرف مدى صحة هذه المعلومة”.
هذا ليس الحدث الأول من نوعه ضد المصريين في ليبيا وخاصةً المسيحيين منهم ففي ديسمبر من العام الماضي أعلن الإعلام الليبي عن مقتل طبيبًا مسيحيًا مصري الجنسية بعد اختطافه هو وزوجته وابنتهم ثم قتلهم على يد مسلحين في مدينة سرت يعتقد في انتمائهم لتنظيم الدولة.
أعقب هذا الحدث الإعلان في يناير الماضي أن مسلحي تنظيم الدولة اختطفوا 13 عاملًا مسيحيًا مصريًا في نفس المدينة وذلك بعد اختطاف 7 آخرين وقد تبنى الإعلام المصري هذه الرواية آنذاك على لسان وكالة أنباء الشرق الأوسط، الوكالة الرسمية المصرية؛ ما يرجح صحة الصور التي بثتها مجلة دابق التي تصدر عن تنظيم الدولة إذ إن العدد مقارب لما أعلن عنه التنظيم، ومما يوضح أن الدولة المصرية كانت على علم باختطاف العمال لكن لم تحرك ساكنًا حتى تم إعدامهم بل وشككت بعض المصادر الرسمية في الصور التي نشرتها داعش
وعن رد الفعل الرسمي المصري أمرت رئاسة الجمهورية بإجلاء عاجل للرعايا المصريين المتواجدين على الأراضي الليبية، وذكرت الرئاسة في بيان يؤكد “على أنها تتابع وباهتمامٍ بالغٍ الأنباء المتواترة حول وضع أبناء مصر المختطفين في ليبيا والذين تم إعدامهم لاحقا”، وقالت: “إن خلية الأزمة، التي سبق أن وجه الرئيس بتشكيلها من ممثلي الوزارات والأجهزة المعنية، تتولى متابعة الموقف أولاً بأول، وإجراء الاتصالات المكثفة والمستمرة مع الأطراف الليبية الرسمية وغير الرسمية بهدف استجلاء الموقف والوقوف على حقيقته”، وذلك بحسب نص البيان، ولكن يبدو أن خلية الأزمة لم تستطع أن تفعل شيئًا للعمال.
هذا وقد نقل مصدر أمني مصري رواية مخالفة لرواية الكنيسة المصرية المشككة في الصور التي بثها التنظيم فيما يبدو أن هناك تعليمات فوقية جاءت للكنيسة بعد إظهار موقف رسمي واضح من الأمر، هذه الرواية تؤكد أن العمال المختطفين وغالبيتهم أقباط من محافظة المنيا، يعملون بمهن مرتبطة بقطاع التشييد والبناء، ينتمون لمركزي سمالوط ومطاي، وأغلبهم من قرية “العور” التابعة لمركز سمالوط، وأن عددًا من أقارب وأسر الضحايا استطاعوا التعرف على بعض أبنائهم من خلال الصور حيث تبين أن أحدهم يدعى لوقا نجاتي، ومن خلال تعرف أسرته عليه تعرفت باقي العائلات على أبنائها ومنهم: جرجس سمير مجلي، وهاني عبد المسيح، وكانت القرية قد علمت باختطاف أبنائها في مدينة سرت الليبية على يد مسلحين في 13 يناير الماضي، فالرواية الشعبية تبدو وأنها الأصدق من رواية الكنيسة، إذ إن أهالى المختطفين يؤكدون أن هؤلاء أبنائهم المختطفين، بينما مازالت الكنيسة تنتظر التأكيد على ذلك من الجهات الرسمية التي تبدو أنها لا تقف على حقيقة الموقف هناك، بينما يتظاهر أهالي المختطفين في مصر أمام نقابة الصحفيين ويهددون بالاعتصام داخل الكاتدرائية لمطالبة الحكومة المصرية بالتدخل لإنقاذ أبنائهم، بينما يكتفي المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية بالتأكيد أن خلية الأزمة تتابع ما تم نشره من صور “قيل” إنها لعمال مصريين، إذن فالدولة المصرية كانت حتى وقت قريب غير متأكده من ذلك أو لا تعرف كيف تتصرف مع اقتراب حقيقي للإرهاب المزعوم، حتى تأكدت الكنيسة والدولة على حد سواء لكن على جثث العمال.
يأتي هذا بالتزامن مع خبر آخر متعلق بالمصريين داخل الأراضي الليبية ولكن هذه المرة عن اختطاف 21 صيادًا مصريًا من قِبل قوات فجر ليبيا بمدينة مصراتة وطالب نقيب الصيادين في محافظة كفر الشيخ بمصر بسرعة تدخل الحكومة المصرية لأن مصير الصيادين أصبح مجهولًا، ومما يزيد الوضع تعقيدًا هو توجيه ضربة عسكرية مصرية للداخل الليبي والصيادين مازالو مجهولي المصير داخل ليبيا، فيما يبدو وأنه استخفاف بأرواحهم أو أن الإرادة السياسية في مصر تريد مزيدًا من دماء المصريين كوقود لفكرة الجنرال بالتدخل العسكري في ليبيا والذي سيكون حينها بمباركة شعبية.
وفي هذا الصدد علق وزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر صحفي عقده عن هاتين الأزمتين بقوله: “إن القاهرة تتابع ملف المصريين المختطفين في ليبيا بشكل وثيق”، مشيرًا إلى اتصالات يجريها سفراء مصر في ليبيا وتونس مع قبائل ليبية ذات نفوذ وتأثير وعشائر وأطراف سياسية في مساع لحل الأزمة.
واستبعد شكري، أي تحركات عسكرية مصرية في ليبيا، مشددًا على أن مصر “لن تتخذ قرارًا انفعاليًا تحت أي ضغوط، ودون دراسة وتقييم دقيقين”، وأضاف وزير الخارجية أنه أجرى اتصالات خلال اليومين السابقين مع عددٍ من نظرائه منهم الأمريكي والبريطاني والفرنسي والروسي، للتشاور بشأن كيفية التنسيق الأمني، ولاستخلاص معلومة دقيقة فيما يتعلق بأوضاع المصريين في ليبيا، الأمر الذي يشير إلى عدم امتلاك القاهرة لمعلومات عن حقيقة الوضع هناك، ولكن الجنرال في مصر اتخذ قرارًا انفعاليًا تحت ضغط دون دراسة ولا تقييم وضرب بكلام وزير خارجيته عرض الحائط مقدمًا الحل العسكري على أي حل آخر.
الجدير بالذكر أن تسريبات أكدت تورط القاهرة في قصفٍ جوي لأهدافٍ عسكرية داخل ليبيا قبل ذلك بكثير ضد قوات فجر ليبيا التي تضم العديد من كتائب الثوار وذلك في دعمٍ واضحٍ لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المحسوب على فلول القذافي في صراعه مع كتائب فجر ليبيا، كما لا يخفى على أحدٍ الدعم العسكري المصري والإماراتي لحكومة حفتر وبرلمانه بل والضغط على الأطراف الإقليمية الفاعلة في هذه القضية للتخلي عن دعم قوات فجر ليبيا كدولة السودان، تأتي هذه الحوادث في تطورات واضحة تشهدها الساحة الليبية تجاه الجارة مصر بعد هذا التورط المصري في الداخل الذي تنكره السلطات في مصر دائمًا وأبدًا؛ ما وضعها في مأزق الآن مع ازدياد الضغط الشعبي عليها بعد تكرار حوادث الاختطاف والقتل ونية التنظيمات المسلحة في ليبيا التصعيد ضد الجنرال في مصر الذي يتخذ موقفًا عدائيًا من فصائل ليبية بعينها بل ويتهمها بالإرهاب.
هذا التدخل العسكري المصري السريع الذي يلقى هوى لدى الجنرالات في مصر بحيث يدمج مصر ضمن صراع إقليمي وعالمي، يؤكد أن الأمر ما هو إلا ذريعة لاقت استحسان الجيش في مصر ولكن حتى الآن غير معلوم عواقبها لأن الرد الليبي لم يأت حتى الآن، وعن الأهداف التي قال عنها الجيش المصري إنها لداعش ليس هناك ثمة دليل واضح على ذلك، إذ إن القصف طال أحياء مدنيين مما يدل على عشوائيته، كما أن هناك تحليل قوي يؤكد أن هذه الضربات موجه تجاه الفصائل الإسلامية المعتدلة المضادة لقوات خليفة حفتر الذي يستعصي عليه دخول درنة التي قام الجيش المصري بقصفها اليوم، فالأمر لا يبدو انتقاميًا كما يرى بقدر ما هو الحصول على ذريعة لإعلان التدخل العسكري في ليبيا والتي فشل الجيش المصري في تبريره في التدخلات السابقة ولم يكن أمامه سوى الإنكار.
“إيطاليا معرضة للتهديد بسبب الوضع في ليبيا، إذ بات تنظيم الدولة الإسلامية في سرت على بعد 200 ميل بحري عن شواطئنا”، هذا التصريح الذي ورد على لسان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، باولو جينتيلوني، الجمعة، بعد اختطاف فرع لتنظيم الدولة في ليبيا لـ 21 قبطيًا مصريًا في مدينة سرت الساحلية بليبيا، كما أعلن أن بلاده مستعدة لقتال تنظيم الدولة ولكن تحت مظلة ما أسماها “الشرعية الدولية”.
بغض النظر عن صحة وجود تنظيم الدولة من عدمه في ليبيا أو تأثيره في البلاد هناك، يبدو وكأن التحالف الدولي يلعب الآن لإلحاق ليبيا بسوريا والعراق كنوعٍ من تحديد شكل وطبيعة الحكم في كافة دول الربيع العربي بعد أن أخذ الإسلاميون جولة في المنطقة.
فاستكمالًا لمشروع القضاء على الإسلام السياسي بالمنطقة الذي يقوده الحليف الإقليمي الجنرال السيسي والذي يحتم عليه مواجهة القوة المسلحة الإسلامية في ليبيا بالتعاون مع دول الخليج التي لا يبدو وأنه مقبولًا لها ولا للغرب تواجد إسلاميين بقوة ما على الأرض في ليبيا خاصةً مع تلاصق ليبيا النفطية بالغرب.
فبعد كل هذه المعطيات تأتي تساؤلات جدية من سيقوم بدور التحالف في ليبيا لتنفيذ الأجندة الغربية تحت عنوان “محاربة داعش”؟ وفي حقيقتها محاربة الإسلام السياسي المتنامي في ليبيا بعد فشل حفتر في التصدي له، هل سيكون الطيران المصري صاحب هذه المهمة بعد أن تورطت مصر بشكل كامل في الوضع الليبي بعد حوادث الاختطاف الأخيرة وبعد التدخل العسكري المباشر الغير معلن قبل ذلك؟ أم أن الغرب يفضل أن تقوم إيطاليا بهذه المهمة لحسم الوضع الميداني سريعًا خشية فشل الجنرال المصري في ذلك؟
ولكن بوضع المجريات بجوار بعضها البعض يتضح من الأمر أن الجانب المصري قد يكون على خطى الأردن الذي استدرج للحرب المباشرة عبر فخ “الكساسبة”، ويبدو أن مصر تستدرج لنفس الفخ عن طريق “حوادث الاختطاف” هذه، كما يبدو أيضًا أن الأمر يلقى هوى لدى الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي لاكتساب شرعية تواجده على كرسي الحكم التي يشكك فيها الجميع كل حين وأولهم الغرب كنوع من الابتزاز السياسي له، فربما تحمل الأيام القادمة فرصة ذهبية للجنرال ليعترف به العالم في حرب سيورط فيها الدولة المصرية بأكملها.
إذ إن حادثة القتل الجماعي هذه قد تكون سيناريو “الكساسبة” بنكهة مصرية، حيث تورطت الأردن أكثر فأكثر في الحرب على داعش بعد حادثة الكساسبة واستطاع الغرب إقناعها بالدخول ضمن القوات البرية لمحاربة داعش والحكومة الأردنية لا تجد غضاضة في ذلك بعدما تم الشحن الشعبي بفيديو حرق الكساسبة.
كذلك مصر “الجنرال السيسي” أحوج ما تكون لدعم دولي في إطار أزمتها السياسية المستحكمة ودخول حرب كهذه هي إلهاء عن المتغيرات الداخلية المتلاحقة وتغطية على إخفاق ما أو إن شئت قل إخفاقات، فهذه الحادثة ستكون بمثابة ذريعة لإذكاء روح الانتقام الشعبية التي سيلبيها الجنرال بالطبع دون تردد لأنها توافق أجندته تمامًا، بل وربما نرى أحداثًا مثيلة لها مع الصيادين المصريين ولن يغضب ذلك الجنرال ولا دولته مطلقًا لأنهم يعتبرون هذه الدماء المصرية التي تسيل في ليبيا هي وقود لمسيرة الأهداف الإقليمية الذين يودون الاشتراك فيها ومبرر شعبي مستساغ للتورط في حرب ربما تكون كارت سياسي للجنرال لإطالة مدة بقائه في الحكم.