تعتبر تركيبة حزب نداء تونس الفائز مؤخرًا في الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس، تركيبة هشة وغير منسجمة بسبب انتماء قيادييها لتيارات سياسية وثقافية واجتماعية مختلفة يصعب أن تتأقلم مع بعضها البعض، وبسبب عدم وجود أي عامل تجميع وتوحيد لهذه القيادات سوى عامل المصالح الضيقة والترضيات التي أحسن الرئيس السابق للحزب والرئيس الحالي للجمهورية، الباجي قائد السبسي، استخدامها وتوظيفها لتكوين الحزب وجعله الحزب الأول في البلاد.
وإن كان المحللون قد تنبأوا مبكرًا بإمكانية حدوث تصدعات في بنية الحزب، فإن معالم هذه التصدعات قد ظهرت للعيان من خلال عدد من المواقف المتتالية في الفترة الأخيرة، بدءًا من مبادرة عدد من قياديي الحزب إلى الإعلان عن رضهم للتشكيلة الحكومية المقترحة من قبل رئيس الوزراء، حبيب الصيد، ومن ذهاب بعض البرلمانيين للحزب للتظاهر أمام مقره الرئيسي احتجاجًا على طريقة اتخاذ القرار، وصولاً إلى ما تم الإعلان عنه اليوم حول لجوء بعض هؤلاء النواب البرلمانيين للقضاء لتصحيح طريقة اتخاذ القرار داخل حزب نداء تونس.
وقد أقدم بعض قياديو الحزب، اليوم الإثنين، على التوجه للقضاء التونسي للمطالبة بـ “وقف أعمال الاجتماع الانتخابي للحزب”، وبـ “إبطال قرار الهيئة التأسيسية” الذي اشترط”اعتذار خمس قيادات حزبية متهمة بالإساءة للحزب أو لأحد قياداته، حتى تتمكن من الترشح في انتخابات المكتب السياسي، ويرى المشتكون أن هذا القرار يهدف إلى إبعاد القيادات التي وجهت انتقادات حادة لبعض القيادات اليسارية المتنفذة في الحزب والذين باتوا يلقبون بـ “جماعة قصر قرطاج” بعد التحاقهم بوظائف مختلفة في جهاز رئاسة الجمهورية إلى جانب الباجي قائد السبسي.
ولا تقتصر الخلافات داخل الحزب على ما يثيره القياديون المبعدون من انتخابات المكتب السياسي للحزب أو على توجههم للقضاء للبت في هذه الخلافات، وإنما تصل إلى حافظ قائد السبسي ابن الباجي قائد السبسي وعضو الهيئة التأسيسية للحزب، والذي قال لوسائل الإعلام المحلية إنه “لا شك بأن ما يحدث داخل نداء تونس من تجاذبات واختلافات جوهرية وعميقة كانت تنتظر إجابات شافية وضافية وتوضيحات من القيادة العليا التي تعاملت مع هذا الموقف بكثير من التحفظ والضبابية والغموض”، منتقدًا بشكل ضمني السياسة التي اتبعها “رجال والده” في الحزب خلال تشكيل الحكومة الحالية والتي أبدى حافظ قائد السبسي عدم رضاءه على طريقة تشكيلها.
وفي هذا الإطار، كتبت الصحفية كوثر زنطور لجريدة المغرب التونسية، قبل أسبوعين مقالاً تحت عنوان: “ماذا يحدث في نداء تونس: الحزب في دوامة”، قالت فيه إن “ما يحدث في نداء تونس اليوم متعدد الأسباب”، مشيرة إلى أن أهم هذه الأسباب يتمثل في رغبة عدد هام من قيادات الحزب الحصول على مناصب وزارية، مضيفة أن هذا الطموح تحول إلى حقّ مكتسب بالنسبة لمجموعة من قيادات الحزب التي قبلت بعدم الترشح للانتخابات التشريعية لأنها منيت بهديّة أهمّ اسماها جزء من “كعكة الحكم”، والتي غضت النظر عن تجاوزات مالية عاشها الحزب وتطالب مقابل السكوت الانخراط في الحكومة أو كشف الأوراق وفضح الجميع.
وإن كانت الكاتبة كوثر زنطور قد نقلت عددًا من الحلول التي يمكن أن تخرج الحزب من هذه “الدوامة”، فإنها قد أنهت تقريرها قائلة: “هذه الحلول التي يقدمها ممثلون عن كل مجموعة تبقى حلولاً ترقيعية لن ترضي الجميع مطلقًا، ولن تكون الدواء الشافي للعلة التي يعيشها جسد منهك بأزماته الداخلية المتعددة”، مشيرة إلى أن أهم قيادات الحزب لا يعلمون الحل المناسب لإنقاذ الحزب من هذه الانقسامات وأنهم “لا يعلمون ماذا ينتظر الحزب وما هي الحلول العاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو لإرضاء الجزء الكبير على الأقل من الحزب”.
ويرى متابعون للمشهد السياسي التونسي، أن الباجي قائد السبسي وعدد من قياديي الحزب كانوا قد فرضوا قرار عدم الانفراد بتشكيل الحكومة خوفًا من إتاحة الفرصة للـ “انتهازيين” من الساسة والإعلاميين وأصحاب المال الذين دعموا تشكيل الحزب وساهموا بشكل فعال في فوزه بالانتخابات التشريعية والرئاسية، والذين كانوا ينتظرون استفراد الحزب بالحكم ليبدأوا مسيرة جني ثمار الوصول للسلطة.
في حين يرى آخرون أن حركة النهضة وباقي الأحزاب المشاركة في حكومة حبيب الصيد قد استثمرت هذه الانقسامات الداخلية وهشاشة تركيبة الحزب لإجباره على إشراكها في الحكومة ولمنعه من الاستفراد بالحكم.