أصدر المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان (هيئة حقوق مدنية غير حزبية)، بيانًا أشار فيه إلى تدهور واقع الحريات في البلاد.
وقد تطرق البيان إلى جملة من الحوادث التي رصدها لعل أهمها حادثة طرد طلاب من كلية الطب لممارستهم حقهم في الإضراب السلمي، وكذلك الطرد التعسفي لنقابي بارز في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (أسنيم) وهو أحمد فال ولد الشيباني، الأمين العام لفيدرالية المعادن والأشغال العامة، المنضوية في الكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية (CNTM)، إضافة لاستجواب صحفي وتوقيف آخر أثناء محاولاتهما القيام بواجبهما في نقل الخبر طبقًا لما ينص عليه الدستور من حريات تكرسها قوانين البلاد والمواثيق الدولية.
وبحسب البيان ، سبقت هذه الإجراءات حملات قمع واعتقالات طالت حقوقيين لم يقترفوا ذنبًا سوي التظاهر السلمي للتعبير عن آرائهم الرافضة لحبس حقوقيين مدافعين عن الأرقاء في البلاد.
وقد عبّر المرصد عن تضامنه مع “هؤلاء المناضلين ضحايا التضييق والظلم”، حسب تعبيره، مسجلاً إدانته للتراجع الكبير للحريات واستمرار انتهاك حقوق الإنسان في هذا النظام عن طريق أجهزة الدولة؛ فالمؤسسات التي يُرجى منها حماية القانون باتت أداة للتأديب وإرهاب الصحفيين سعيًا للحد من حرية التعبير التي هي أم الحريات.
كما ذكّر ذات المصدر بحق العمال في الإضراب وانتزاع حقوقهم التي نكصت عنها الشركة (المذكورة أعلاه) بغير وجه حق، وأفضا بأن الطلاب المطرودين أيضًا يحميهم الدستور وعلى الإدارة التجاوب معهم وعدم فرض الامتحانات بطريقة أحادية ودون تشاور مع مختلف الجهات حتى تأتي الامتحانات في وقتها المناسب من الناحية التربوية والبيداغوجية.
وقد أدان المرصد وبشدة الفصل التعسفي للنقابيين والعاملين في شركة أسنيم بناء على مواقفهم من الإضراب، كما شجب طرد طلاب كلية الطب، ويعتبر هذه الإجراءات نكوصًا خطيرًا في مجال الحريات، وطالب بالتراجع الفوري عن هذه القرارات الظالمة، بالإضافة إلى إعلان تضامنه مع الصحفيين أحمدو ولد الوديعة وعزيز ولد الصوفي وبقية زملائهم، وخُتم البيان بإطلاق دعوة لكل الحقوقيين والغيورين على ترسيخ قيم العدالة والحرية، ليشكلوا سدًا منيعًا أمام هذه الانتهاكات الخطيرة المنافية لقوانين البلاد وتطلعات الشعب الموريتاني، حسب تعبيره.
يُذكر أن موريتانيا تعيش منذ أكثر من 7 سنوات في ظل حكم محمد ولد عبد العزيز الذي وصل للسلطة عبر انقلاب تلته انتخابات شكّكت المعارضة في نزاهتها؛ وهو ما أدخل البلاد في صراع سياسي طويل كان من المنتظر أن يُحلّ عبر حوار بين السلطة والمعارضة إلّا أن تمسّك ولد عبد العزيز بتعديل الدستور حتى يتمكّن من الترشح للانتخابات القادمة عطل مجريات الحوار المنشود والذي سبقته حوارات أخرى لم تفض إلى نتائج ملموسة.
تزامنت هذه التضييقات مع التوجّه الحاصل لدى مختلف الأطياف السياسية في موريتانيا نحو الحوار، فسره البعض بأنه سلوك من السلطة يُراد به خلق شروط فشل الأخير، وهو ما عبر عنه الكاتب الموريتاني محمذن فال ولد محمد يحظيه في مقال بعنوان “وحدات التأزيم .. من كلية الطب إلى أسنيم”، قال فيه: “ما إن بدأ الحديث عن قرب انطلاق حوار بين فرقاء الساحة السياسية في موريتانيا يفضي إلى مخرجات قد تزيل الأزمة السياسية التي يعاني منها البلد منذ انقلاب الجيش على الرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله حتى تحركت وحدات التأزيم المنتفعة من بقاء الحال على ماهو عليه إلى تسميم الأجواء من جديد بأفعال صبيانية، يُدرك الغبي قبل الذكي أن الهدف منها هو جر الساحة إلى مزيد من الاحتقان يمنع أطرافها من الجلوس على طاولة الحوار في جو خال من الشوائب، وهو من شأنه أن يمنع انطلاق الحوار أصلاً بحجة انعدام الجو المناسب، أو إفشاله بعد الانطلاق بفعل ضغط الأجواء الملبدة بالإضرابات والاعتصامات والاستدعاءات والتعليق والفصل والطرد.”
وبحسب الكاتب، فإن وحدات التأزيم التابعة للسلطة الموريتانية والتي تعمل على توتير الأجواء بهدف إفشال الحوار تتبع مدير وكالة الوثائق المؤمنة، الذي يُساهم، حسب الكاتب، عبر أفعاله البعيدة عن الشفافيّة، في خلق جو من التوتر لدى المعارضة التي انساقت إلى المطالبة بإيفاد بعثة تدقيق في عملها وإقالته من إدارتها وتعيين إداري كفء عليها لمحورية ما تقوم به في وجود أي لائحة انتخابية حاصلة على أبسط شروط الشفافية والنزاهة، وبدل أن يُظهر المدير تعاطيًا إيجابيًا مع مطالب المعارضة ولو بالقيام بخطوات شكلية على مستواه قام بزيادة سعر الحصول على الوثائق المدنية؛ مما زاد الأمور تعقيدًا، فالمعارضة كانت تطالب بإلغاء هذه الرسوم وبدلاً من الاستجابة لمطلبها تتم زيادة سعرها.
كما اعتبر كاتب المقال كلاً من وزير الشؤون الاقتصادية الذي علّق راتب قيادي في حزب التكتل المعارض فقط من أجل قناعاته، بالإضافة إلى وكيل الجمهورية الذي رفع دعوى على أحد الصحفيين، وعميد كلية الطب الذي تسبب في أزمة جامعية من خلال الفشل في التعاطي مع مطالب الطلاب وطرد بعضهم، ومدير شركة أسنيم الذي واجه الاحتجاجات النقابية بطرد أحد الرموز النقابية، كل هؤلاء وحدات تأزيم منتشرة في جسد الدولة يحركها النظام كما شاء وأينما شاء.
تباين أهداف الحوار بين المعارضة والسلطة يبدو أنه سيؤدي إلى فشله قبل أن يبدأ، فالعديد من الملاحظين يرون أن الهدف الحقيقي من الحوار لدى السلطة هو حصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز على مأمورية ثالثة رسمية أو غير رسمية؛ رسمية بتغيير الدستور أو غير رسمية بالقيام بانتخابات سابقة لأوانها مع إلغاء الفترة ما بين الفترتين وتصنفيها على أنها “فترة ملغاة”، في حين أن المعارضة ترفض تعديل الدستور وتطالب بانتخابات نزيهة.