ترجمة وتحرير نون بوست
كتب: رونين بيرجمان – الفورين بوليسي
حرب الموساد السرية ضد الأسلحة الكيميائية السورية
كان مسؤولو وزارة الخارجية الإسرائيلية يؤمنون أن أوباما عندما قرر في العشرين من أغسطس/آب من العام الماضي أن يعتبر استخدام بشار الأسد للسلاح الكيماوي ضد شعبه خطا أحمر، كانوا يؤمنون أنه ما قال ذلك إلا لأنه يدرك جيدا أن ذلك الخط لن يتم تجاوزه قط. أما أوباما، فلو كان يفترض ذلك فعلا، فإن افتراضه ذلك قد بُني على معلومات وتقارير جاءته من عملاء الاستخبارات الاسرائيلية الذين برزوا كشريك أساسي للولايات المتحدة في جمع المعلومات عن أنظمة الشرق الأوسط.
الإسرائيليون كانوا يعتقدون أن الأسد لن يتخلى عن أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها إلا بمقابل سياسي باهظ، ربما لجوء سياسي آمن له ولعائلته وللمقربين منه، لكن الإسرائيليين كانوا مخطئين.
في ١٠ مارس/آذار من هذا العام، قالت تقارير استخباراتية اسرائيلية أن النظام السوري قد استخدم أسلحة كيميائية، مصادر أخرى أكدت نفس المعلومة بعد أن رصدت أقمار صناعية حركة خارج إحدى المخابئ المعروفة باحتوائها على أسلحة كيميائية.
بدا واضحا بالنسبة للإسرائيليين أن الإدارة الأمريكية ترى تلك المعلومات كجمرة ساخنة لا يستطيع أوباما إمساكها في هذا الوقت، لكن بعد وقت قصير، وربما بعدم وجود نية مسبقة للضغط على واشنطن، قال إيتاي برون، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي (أمان)، في محاضرة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب في أبريل/نيسان أن الحكومة السورية قد استخدمت أسلحة كيميائية ضد شعبها.
التصريح أغضب وأحرج الإدارة الأمريكية، التي طلبت توضيحات من إسرائيل، وبعد أيام من تقرير آخر قُدم إلى الأمم المتحدة بواسطة بريطانيا وفرنسا، لم تجد الولايات المتحدة بدا من الاعتراف بأن المعلومات التي احتواها التقرير صحيحة بالفعل، ورغم ذلك، فقد مُنع قادة جهاز (أمان) الإسرائيلي من الظهور في مؤتمرات عامة.
“الإسرائيليون يعتبرون أنفسهم عيون وآذان الأمريكيين في المنطقة” هذا هو ما قاله رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق يوري ساغي، الذي تابع “المعلومات التي يتم جمعها بواسطة الوحدة ٨٢٠٠ (وحدة التنصت داخل المخابرات الإسرائيلية) كانت دوما ذات أهمية قصوى للأمريكيين” في بعض الحالات لم تكن تلك الشراكة المعلوماتية ذات جدوى، حرب الخليج في ١٩٩٠-١٩٩١ مثالا. من الجدير بالذكر أن أوراقا استخباراتية نُشرت مؤخرا تقول أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تتشارك مع الإسرائيليين معلومات استخباراتية قبل تحليلها، وهو أمر نادر الحدوث في عالم المخابرات.
في ١٩٩٠، رصد الأمريكيون مفاوضات بين كوريا الشمالية وسوريا لإيصال صواريخ سكود لنظام الأسد الأب، إلا أنهم لم يخبروا الإسرائيليين خشية من حدوث حرب إقليمية بينما كانت حرب الخليج على وشك الحدوث. إلا أن الإسرائيليين كانت لهم مصادرهم كذلك، الموساد رصد شحنة الأسلحة في البحر، وكانوا على وشك ضربها إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أوقف العملية لنفس السبب الذي خشي منه الأمريكيون: حرب إقليمية تشعل الشرق الأوسط المشتعل بالفعل.
لمدة طويلة، اعتبرت إسرائيل سوريا عدوها الأول في المنطقة، يقول يوري ساغي “كان الجيش السوري -لسنوات عديدة وحتى اندلاع الحرب الأهلية- هو التهديد الأخير الذي يشكل خطرا على إسرائيل، لذلك جهودنا الاستخباراتية في هذا الاتجاه كانت ضخمة”
وبشكل مستمر، عملت وكالة الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد) على تجنيد عملاء داخل الجيش السوري والحكومة السورية وزرع عملائهم داخل سوريا لتنفيذ عمليات مختلفة، وفي نفس الوقت كانت المخابرات العسكرية (أمان) تقوم بجمع معلومات عن النظام الدفاعي لسوريا.
عبر السنوات الطويلة، استطاع السوريون الإمساك ببعض هؤلاء الجواسيس، أشهر عميل إسرائيلي حتى الآن كان إيلي كوهين. الرجل الذي قدم نفسه كثري سوري عاد لبلاده أوائل الستينات بعد فترة طويلة قضاها في أمريكا الجنوبية، استطاع أن يقترب من أعلى دوائر صنع القرار السورية.
في مقابلات صحفية وتليفزيونية عديدة، افتخر مسؤولون إسرائيليون بعملية إيلي كوهين، حيث قال بعضهم أنهم كانوا يرسلون المعلومات التي يحصلون عليها من كوهين إلى الولايات المتحدة كنوع من إثبات أنهم “يد الولايات المتحدة الطويلة” في المنطقة.
قوة إسرائيل التجسسية، وخاصة عبر الوحدة ٨٢٠٠، كانت كبيرة. أثناء نكسة ١٩٦٧ وبينما كانت الطائرات الإسرائيلية تقضي على سلاح الجو المصري والسوري، رصد الإسرائيليون اتصالات بين جمال عبدالناصر وحافظ الأسد يحاولان إقناع الملك حسين بدخول الحرب، كاذبين عليه بشأن حقيقة الوضع، ومن أجل إحراج الزعماء العرب، قرر الإسرائيليون نشر تسجيلات تلك الاتصالات.
التفوق المعلوماتي الإسرائيلي ظهر على الجانب السوري كذلك في حرب أكتوبر/تشرين ١٩٧٣، فرغم عامل المفاجأة، لم يستطع السوريون إختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وبالتالي لم يستطع السوريون الانتصار في تلك الحرب.
بعد الحرب مباشرة، قرر السوفيت مساعدة السوريين، فأرسلوا إليهم شحنات من صواريخ سكود ذات مدى يبلغ ٣٠٠ كيلومتر، هذه الصواريخ الآن تُستخدم لقصف المدنيين والثوار داخل سوريا.
حرب ١٩٧٣ كانت لها نتيجة أخرى، عاموس ليفنبرج، ضابط في الوحدة ٨٢٠٠ له صلاحيات هائلة ويتحصل على قدر مذهل من المعلومات، أُسر أثناء حرب أكتوبر لدى السوريين الذين أقنعوه أنهم قد انتصروا بالفعل وأن إسرائيل قد دُمرت تماما، الأمر الذي جعله يعترف بكل ما يعرفه للمحققين، الذين نقلوا بدورهم كل المعلومات التي حصلوا عليها رأسا لحافظ الأسد.
المعلومات كانت خطيرة بالفعل، فالإسرائيليون استطاعوا التجسس على معظم الاتصالات الداخلية للجيش السوري وللرئاسة، وحتى الاتصالات بين الأسد وقادة وحدات الجيش، بل لقد استطاع الإسرائيليون إرسال عملاء لزرع أجهزة في شبكة الاتصالات السورية لنقل كل الاتصالات الأرضية في سوريا إلى مقرات الوحدة ٨٢٠٠
بعد إرسال عاموس لإسرائيل في صفقة تبادل أسرى لاحقا، اقترح أحد الضباط المسؤولين عنه أن يقوم بالانتحار تكفيرا عما فعله لإسرائيل، لقد اعتقد السوريون أن إسرائيل صارت صماء وعمياء تماما في سوريا لسنوات بعد الحرب.
لكنهم كانوا مخطئين، ففي أول إبريل/نيسان من العام ١٩٧٨ اكتشف عمال صيانة خطوط التليفون الواصلة بين سوريا والأردن جهازا غريبا، وعندما استدعى الجيش خبراءه لفحصه، وعندما حاولوا نزعه من الأرض، انفجر قاتلا ١٢ منهم، الأمر تكرر كثيرا، قدمت سوريا شكوى في مجلس الأمن ضد إسرائيل، وصارت تستعين بالسوفيت لنزع الأجهزة من هذا النوع، إلا أن السوفيت أخطأوا أيضا وقُتل منهم ٤ خبراء في حادث مشابه.
في حرب لبنان، يونيو/حزيران ١٩٨٢ قضت إسرائيل على ١٠٠ من الطائرات السورية بلا طلقة واحدة من السوريين على الطائرات الإسرائيلية. الإسرائيليون استطاعوا فعل ذلك لأسباب عديدة أهمها المعلومات الاستخباراتية التي جمعها الإسرائيليون حول بطاريات صواريخ الدفاع الجوي السورية وسلاح الجو بشكل عام.
في ١٩٨٤، رُصدت صفقة بين السوريين والصين لتوريد صواريخ إم ٩ ذات مدى أبعد من صواريخ سكود، إلا أن الصفقة أُلغيت بسبب الضغط الأمريكي على الصين، والذي تم بسبب الضغط الإسرائيلي. المعلومات حول الصفقة حصل عليها الإسرائيليون من جاسوس لهم ذو منصب قيادي في الإدارة السورية.
في ١٩٩٠، شارك الفيلق التاسع من الجيش السوري في الحرب الأمريكية على العراق، لم يقاتل السوريون، لكن وجودهم كان ذو أهمية ضخمة، فبعد انتهاء مهمته، عاد قائد الفيلق حكمت الشهابي إلى دمشق مليئا بالإعجاب لآلة الحرب الأمريكية ومدى دقة الطائرات الأمريكية التي رآها، والتي كان بعضها ينزل إلى ساحة الحرب لأول مرة.
في النصف الثاني من ١٩٩١، عقد حافظ الأسد اجتماعات مطولة مع قادة القوات المسلحة السورية، والمخابرات، وقادة التصنيع العسكري، ومركز البحوث والدراسات العلمية. محتوى تلك الاجتماعات جميعها كان بحوزة الإسرائيليين.
الأسد أعلنها بوضوح أنه ما دام الأمريكيون يمتلكون تلك الترسانة من الأسلحة، فالإسرائيليون لديهم مثلها، ولن يمكن لسوريا جسر الهوة التي تتسع بين قدرات جيش العدو الإسرائيلي والجيش الوطني السوري، لذلك فقد قرر الأسد أن يستغل الصواريخ ذات المدى الذي يصل لإسرائيل، وأن يزودها برؤوس كيميائية.
استطاع السوريون الحصول على الرؤوس الكيميائية لاحقا، المصادر الإسرائيلية تقول أن السوريين أحضروها من الاتحاد السوفيتي، الصين، تشيكوسلوفاكيا، بجانب مساعدة من شخصيات في أوروبا الغربية واليابان.
وفي منتصف التسعينات، استطاع السوريون تصنيع أكثر الأسلحة الكيميائية سمّية (VX)، الرأس يحتوي على مركبين منفصلين، لا يندمجان إلا عندما يرتطم الصاروخ بالأرض، محدثا أثرا رهيبا كأسوأ غازات الأعصاب على الإطلاق.
الذي أعطى للسوريين كيفية عمل ذلك المركب كان مستشار الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن لقسم الأسلحة الكيميائية أناتولي كونتسفيتش
في ١٩٩٨ علمت إسرائيل تلك المعلومات، وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إيهود باراك تحذير القيادة الروسية إلا أنه لم يجد منهم جوابا.
في يوليو/تموز ٢٠٠١ رصدت الرادارات الإسرائيلية صاروخ سكود ينطلق من قاعدة في حلب، وبلغ مداه ٧٠٠ كيلومتر، ما يغطي مساحة فلسطين كاملة، بالإضافة لأجزاء من تركيا والأردن. قبل الثورة السورية، كان لدى النظام السوري كل أنواع صواريخ سكود مع ما يلزم من القواعد لإطلاقها، استخدم الكثير من تلك الصواريخ ضد الثوار والمدنيين في سوريا، ومن غير المعلوم الآن ما تبقى من ترسانته العسكرية.
في الثالث من إبريل/نيسان ٢٠٠٢ توفي كونتسفيتش بشكل غامض في رحلة عودة من دمشق إلى موسكو، الغموض اكتنف كذلك التقرير الذي صدر من موسكو والذي قال أنه مات في نهاية مارس، السوريون اتهموا الإسرائيليين بقتله، وتل أبيب لم تعلق.
مركز الدراسات العلمية والأبحاث، الذي يعمل به أكثر من ١٠٠٠٠ شخص، هو أهم مراكز تصنيع السلاح الكيميائي في سوريا، أحد أهم قواعده في منصقة السفير شمالي سوريا، حيث تُخزن الأسلحة الكيميائية وتُصنع، كما يحتوى على قواعد وصواريخ سكود كذلك.
في يوليو /تموز ٢٠٠٧، حدث انفجار ضخم في خط انتاج غاز VX ، الانفجار كان قويا لدرجة أنه اقتلع أبواب المبنى، قتل ١٥ سوريا، و١٠ إيرانيين بحسب الإسرائيليين، مع معلومات بإصابة أكثر من ٢٠٠ شخص، الإسعافات الأولية المثبتة في المنشأة لم تستطع إسعاف المصابين، ما حدا بالسلطات السورية إزالة السرية بقدر ما عن المنشأة عبر طلب مساعدة قوات الإطفاء والإسعاف.
التحقيقات لاحقا أثبتت أن الانفجار متعمد، أحد المسؤولين الإسرائيليين بالغي السرية، يجيب على تساؤل عن انفجار السفير بابتسامة غامضة وغمزة من عينيه قائلا “لقد كان حادثا عجيبا”
بعد تولي بشار الأسد السلطة في يوليو/تموز ٢٠٠٠ خلفا لأبيه حافظ، قرر الاستمرار وإصلاح الترسانة العسكرية السورية، وقرر تعيين محمد سليمان ليرأس العديد من المشروعات العسكرية الخاصة، بما فيها الترسانة الكيميائية السورية.
الأسد وسليمان حاولا استغلال علاقتهم بكوريا الشمالية لبناء مفاعل نووي.
كل الاتصالات التي كانت تجري بخصوص مشاريع سليمان كانت عن طريق أوراق مطبوعة وتُسلم باليد، الأمر الذي أخر الإسرائيليين كثيرا في مراقبة المشروع.
خمس سنوات تأخرها الإسرائيليون قبل الوصول إلى المشروع عندما راقبوا أحد المسؤولين السوريين في لندن في يناير/كانون ثاني عام ٢٠٠٧، عميلة موساد شغلته في بار في الفندق الذي كان يقيم فيه، فيما كانت غرفته في الفندق تُقتحم وتسرق محتويات أقراص صلبة بجانب جهاز الكمبيوتر الخاص به.
المحتويات المسروقة كانت صادمة بالنسبة للإسرائيليين، كانت تحتوي صورا لمفاعل نووي تحت التأسيس، إيهود باراك أرسل المعلومات فورا للأمريكيين، الذين تأكدوا من صحتها عبر تحقيقاتهم الخاصة، طلب إيهود أولمرت عندها من جورج بوش أن يدمر المنشأة الجديدة، إلا أن الرد الأمريكي كان سلبيا، الأمر الذي دفع أولمرت لإعطاء الأمر بقصف المفاعل في سبتمبر/أيلول ٢٠٠٧
سليمان، الذي اغتالته إسرائيل لاحقا في أغسطس ٢٠٠٨، دعا الأسد لتوثيق روابطه بحزب الله، وبدأ بالفعل في توثيق الروابط بين سوريا وحزب الله عن طريق عماد مغنية الذي اغتيل في عملية للموساد في دمشق في فبراير/شباط ٢٠٠٨.
في فبراير ٢٠١٠، رصد الإسرائيليون شحنة أسلحة على لحدود اللبنانية السورية، أدركوا فورا أنها شحنة أسلحة سكود في طريقها لحزب الله، نتنياهو قرر ألا يقصف الشحنة، أبلغ الأمريكيين الذين استدعوا بدورهم السفير السوري في واشنطن، وحذروه بشدة من استمرار تسليح حزب الله
بعد عامين ونصف من الثورة، الهوة التي كانت كبيرة بين الجيش السوري وجيش الاحتلال الاسرائيلي تتسع أكثر فأكثر، فالنظام السوري في سبيل وقف الانتفاضة الشعبية استخدم كل الوسائل وتحرك في كل الاتجاهات، لقد أُنهك الجيش السوري تماما خلال العامين الماضيين.