مضى ما يقرب من عامين على إعلان الجيش بقيادة السيسي انقلابه على أول تجربة ديموقراطية في تاريخ مصر، فماذا قدم الانقلاب والسيسي للشعب المصري والدولة المصرية حتى الآن؟
منذ تولى السيسي المسؤولية سواء بصورة رسمية أو من خلف ستار المستشار عدلي منصور لم يقدم الجنرال للشعب غير القتل والدفع بالبلاد نحو المجهول، فأعلن أنه لا يمتلك برنامج انتخابي، وطرح نفسه كممثل للدولة الذي يحاول استعادة هيبتها المفقودة خلال سنوات الثورة، فكان عنوانه الأبرز هو محاربة الإرهاب الذى وصفه بالمحتمل فيما يبدو بُعد نظر يحسد عليه السيسي بطبيعة الحال، حيث ما لبثت أن ظهرت الجماعات المسلحة التي تهاجم الدولة المصرية في سيناء وتزايدت وتيرة العنف هناك، إلا أن الدولة بقيادة الجنرال سجلت فشلاً ذريعًا حتى الآن في مواجهة هذه المجموعات في سيناء، حيث ازداد تمدد المسلحين وباتوا يشكلون خطرًا حقيقيًا يصعب التغلب عليه في وقت قصير، كما استفادوا من قمع الجيش وممارساته ضد أهالي سيناء في اكتساب حاضنة شعبية توفر لهم خط الدفاع الأخطر في مواجهتهم مع النظام.
على المستوى الأمني، قدم النظام نموذجًا فريدًا في قمع المناهضين للسلطة والمعارضين لها على السواء، في محاولة لعودة الاستقرار المزعوم إلى الشارع المصري والهدوء الذي يمكّنه من تثبيت أقدامه؛ فحاول القضاء على التظاهرات وهو ما حقق جزء كبير منه إلا أنه مازال غير قادر على إنهائها تمامًا، ومازالت مناسبات التصعيد تمثل محطات ثورية وتصنع حالة زخم ثوري حقيقي يخشاها الانقلاب.
على الجانب الاقتصادي، لم يطرح السيسي مشاريع للتنمية أو خطط للقضاء على البطالة والفقر سوى ما أعلنه في أحد البرامج من توفير عربات الخضار وتوزيعها على الشباب! فهو لم يطرح أي أفكار تساهم في حل الأزمة الاقتصادية التي تعانى منها مصر نتيجة غياب الاستثمارات وتأثر قطاع السياحة بالاضطرابات السياسية، كما أن طريقة السيسي المقززة في التسول من دول الخليج وتيسير أمور الدولة اعتمادًا على أموال الأشقاء العرب وهو ما بدا واضحًا في خطابات معلنة للسيسي أو تسريبات مكتبه الفاضحة التي تعكس رؤيته لدول الخليج، لم تعد سوى مسكنات للأزمة سيدفع ثمنها الأجيال القادمة.
ويضع السيسى أمل كبير على نجاح المؤتمر الاقتصادى الذي يعقد الشهر القادم، لكن يبدو أن حظ سيء يلازم الجنرال، فكلما اقترب موعد المؤتمر وقعت حوادث عنف مروعة سواء مجزرة استاد الدفاع الجوى ومقتل عشرات من مشجعي نادي الزمالك أو أخيرًا ما قام به تنظيم داعش في ليبيا من ذبح 21 مصريًا بدم بارد في حادثة عبّرت عن مدى تهاون سلطة الانقلاب في التعامل مع أرواح المصريين، حيث تم اختطاف هؤلاء المصريين قبل نحو شهرين من الآن وجاءت تصريحات الخارجية المصرية الصادمة عن متابعة أخبار المختطفين من خلال التليفزيون الذي يبدو أنهم استخدموه لرؤية التسجيل المنشور عن قتلهم بطريقة همجية، فيعلن السادة المسؤولون الحداد وينتظرون الكارثة الجديدة! أو يعلن السيسي التدخل العسكري في ليبيا الذي بالتأكيد سيكلف مصر الكثير.
سياسيًا، تقترب السلطة من تنظيم الانتخابات البرلمانية التي يبدو أنها ستكون نسخة مكررة من انتخابات 2010 التي أدت إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث أعلنت أحزاب الوسط واليسار فضلاً عن التيار الإسلامي مقاطعة الانتخابات؛ مما يحصر المنافسة بين أباطرة الحزب الوطني المنحل مع وجود عدد من العسكريين الذين يعتقدون أنه لم ينلهم من الكعكة جانب حتى الآن.
أمام هذا الأداء المزري والفشل الذريع لقادة الانقلاب في إدارة الدولة على كل المستويات، يبدو أن النظام لم يعد يمتلك الكثير من عوامل البقاء، وأنه يسرع الخطى نحو السقوط الحتمي، لكن المخيف هو إصرار السيسي ومن ورائه عدد غير معروف تحديدًا من قادة الجيش على المضى في الدفاع عن الثورة المضادة حتى نهاية المعركة، وهو ما ينذر بانزلاق مصر إلى مصير مجهول أسوأ مما وصلت إليه.
لم يعد لدى الشعب المصري خيارًا إن أراد الحياة وإيقاف النزيف وتخطى حالة الحداد الدائم، سوى أن يتوحد على هدف إنهاء حكم العسكر وإنقاذ مصر.