في السابع من شهر مارس من العام الماضي قامت السعودية بإصدار قائمة بالتيارات والجماعات التي تعدها إرهابية والتي تمنع بموجبها المواطنين من التعامل معها بأي شكل من الأشكال أو التعبير عن الدعم لها، وكان من ضمن القائمة جماعة الإخوان المسلمين التي اعتبرتها السعودية جماعة إرهابية بشكل صريح دون حصر لفئة معينة.
الملك عبدالله الذي كان يكنَ عداءً شديدًا للإسلاميين قام بدعم الانقلاب العسكري في مصر للإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي، وقام بعدها بدعم السيسي بمليارات الدولارات ليضمن بقائه في الحكم وعدم عودة الإخوان المسلمين للسلطة، فالجماعات الإسلامية المعتدلة هي أكبر خطر على نظام آل سعود، ووصول جماعة إسلامية إلى الحكم بطريقة سلمية طامة كبرى قد تودي بهم إلى الهلاك.
بعد وفاة الملك عبدالله وتولي سلمان بن عبدالعزيز للحكم، ظهرت الكثير من التوقعات التي قالت إن الملك سلمان سيغير من سياسة المملكة تجاه السيسي والإخوان المسلمين، وكان مما أيَد التوقعات ما نُشر عن سلمان أنه قال إن الرئيس مرسي يجب أن يحظى بفرصته للرئاسة كاملة، وجاءت تسريبات السيسي التي قال فيها عن دول الخليج إنها أنصاف دول وانتظر الناس ردة فعل السعودية لهذه التسريبات، فما كانت إلا تأكيد لدعم السعودية للسيسي، حيث صرح الملك سلمان أن موقف السعودية تجاه مصر لن يتغير.
إلا أنه مازال يتردد أن السعودية في طريقها لتغيير سياستها مع الإخوان المسلمين، حيث صرح وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل خلال مقابلة مع الصحفية السعودية سمر المقرن أن السعودية ليس لديها مشاكل مع الإخوان المسلمين بل مع فئة صغيرة تنتمي لهذه الجماعة وتحمل بيعة للمرشد، بينما صرح أحمد التويجري، عضو مجلس الشورى السابق، في مقابلة على قناة روتانا خليجية أن “الإخوان المسلمين ينضوي تحتها أمم، فمن يقول إن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية هذا كلام لا عقل فيه”، وقال “إن وزارة الداخلية لم تقل هذا وأن هذا تفسير أعداء الدين لبيان وزارة الداخلية، هذا الكلام لم تقله وزارة الداخلية ولا المملكة العربية السعودية”، وأضاف موضحًا “هناك شيء يسمى السياق في اللغة، المملكة لم تقل في بيان واحد إن جماعة الإخوان المسلمين هم جماعة إرهابية، هي جاءت بموضوع الجماعات الإرهابية وأضافت هذا الاسم – الإخوان المسلمين – إلى هذه القائمة، فسياق الكلام أن الجامع المشترك بين هؤلاء (الذين تم تصنيفهم كإرهابيين) هم من انتهجوا العنف ومن اعتمدوا الإرهاب ومن اعتمدوا الخروج الباطل على السلطان، هؤلاء الذين انطبقت عليهم هذه الشروط سواء أكانوا من الإخوان أم من غير الإخوان، ينطبق عليهم وصف الجماعات الإرهابية”، وقال ختامًا إن “المملكة لا يمكن أن تعادي من فيه حب للإسلام وخير للمسلمين”.
إلا أن أحمد التويجري أشار إلى نقطة مهمة جدًا وهي أن العلاقة بين الإخوان والمسلمين والمملكة علاقة تاريخية، مذكرًا باحتواء المملكة للإخوان المسلمين بالتحديد في عهد الملك فيصل عندما قتَلهم جمال عبدالناصر، وأنه يجب أن لا يُنسى المعروف من الإخوان أو من المملكة.
وقد أحسن بذكر هذا، فالإخوان المسلمين منذ عهد الملك عبدالعزيز حظوا باهتمام منه، وفي الثلاثينات احتفت جريدة أم القرى بقدوم حسن البنا ومجموعة معه للحج، ولكن الجماعة لقيت الدعم الأكبر من الملك فيصل حينما سمح لهم بالقدوم للسعودية والعمل على أرضها حينما كان جمال عبدالناصر يعاديهم ويسجنهم، والملك فيصل رأى في دعمهم وسيلة للتصدي للقومية العربية التي جاء بها عبدالناصر، وكان للإخوان المسلمين تأثير على الشعب السعودي آنذاك إلا أنهم لم يتمكنوا من التأثير سياسيًا، وكان أن قويت سلطة السلفية الوهابية لدى آل سعود وقاموا بتبنيها وإحياءها مرة أخرى وعملوا على نشرها لخدمة مصالحهم، وظهرت بعد ذلك نقاط الاختلاف بينها وبين الإخوان المسلمين، ولم يكن هناك مجال لتبني المنهجين للاختلافات الفقهية بينهما، بل وظهر أن الإخوان المسلمين حركة لا يمكن احتوائها مثل السلفية الوهابية وأن لها هدفها ومشروعها الخاص.
فالمملكة إنما تسعى لتثبيت حكمها على أرض الجزيرة ومنع أي جماعة إسلامية من منازعتها لهذا الحكم أو التقليل من هيبتها لدى الناس، فقد استطاعت أن تبني لنفسها مكانة بحكم سيطرتها على مكة والمدينة، ولأنها تعلم أحق المعرفة أنها تعاني من الفساد والفسق المتفشي في نظامها الذي قد يظهر علنًا في أي لحظة، إلا أنها لن تغير من ذلك وعمدت بدلاً من ذلك إلى التشبث بالسلفية الوهابية لمحاربة كل من في وسعه أن يحظى بدعم الناس ومواجهة حكمهم الفاسد، والإخوان المسلمون جماعة لها وزنها وشعبيتها التي لا يُستهان بها، وقد عارضت سياسة المملكة في مواضع مثل حرب الخليج حيث لم تتقبل قرار السعودية في استقبال أكثر من 500.000 جندي أمريكي وبناء قاعدة عسكرية على أرضها.
وقد سبق البيان الذي يُدرِج الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية تصريحات أخرى تدل على عداء السعودية للإخوان المسلمين، منها تصريح الأمير نايف بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث حمّل الإخوان المسلمين مسؤولية ما حدث وقال إن “كل مشاكلنا تأتي من الإخوان المسلمين، لقد منحنا دعمًا كبيرًا لهذه الجماعة، الإخوان المسلمون دمروا العالم العربي”.
ولذلك فإن على الإخوان أن يتذكروا الماضي ويأخذوا منه العظة والعبرة فيما يحذث لهم اليوم، وألا يغتروا بما يصدر اليوم من بعض الأشخاص من أن المملكة ليست معادية للإخوان المسلمين، ويجب أن يأخذوا بعين الاعتبار أن السعودية لا يمكنها أن تتعايش مع أي جماعة إسلامية قد تقلل من مكانتها، ولا شك أن هناك الكثير من الاختلافات بين منهج الإخوان المسلمين وبين السلفية الوهابية، بل إن أهدافهم متناقضة أيضًا؛ مما لا يسمح للاثنين بالالتقاء والتوافق، وهذا الأمر أصبح واضحًا عند آل سعود ولا يمكن أن يتغير بقدوم ملك جديد.