في قاعة مزخرفة من قصر الرئاسة في فيلادلفيا في عام 1787، صاغ عشرات الرجال الدستور الأمريكي، حيث قاموا على مدى أربعة أشهر متتالية بمناقشة وتنقيح الوثيقة الدستورية، حتى توصلوا إلى صيغة توافقية أرضت الجميع، أما اليوم، فإن صياغة دستور جديد لن يتطلب من المسؤولين حتى مغادرة منازلهم، فالموقع الجديد المدعوم من جوجل، يمكن أن يسمح للدبلوماسيين أن يعملوا على صياغة دستور جديد بشكل فوري من خلال شبكة الإنترنت.
موقع كونستيتيوت “Constitute” هو موقع يحتوي على جميع الدساتير في العالم، الموقع يُدار من قِبل مشروع مقارنة الدساتير “Comparative Constitutions Project”، وممول من أفكار جوجل “Google Ideas” وانديغو تراست “Indigo Trust” وهي جمعية خيرية بريطانية تمول مشاريع التكنولوجيا في أفريقيا بشكل رئيسي.
تم تأسيس موقع https://www.constituteproject.org عام 2013، وأعيد تصميمه في ديسمبر الماضي، الموقع يسمح للمستخدمين مقارنة الصياغات والأفكار المختلفة للمواد الدستورية ما بين عدة دساتير تابعة لعدة دول في العالم، حيث يتم تحديد التشابه ما بين هذه الدساتير المختلفة، علمًا أن جميع الدساتير تمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، وتمت ترجمة مجموعة مختارة منها إلى اللغة العربية.
جميع الوثائق الدستورية الموجودة في الموقع قابلة لإجراء البحث ضمنها، حيث يمكن للمستخدمين البحث من خلال الاختيار من قائمة موضوعات مثل موضوع “المساواة بغض النظر عن الجنس” أو “الحق في حمل السلاح”، أو يمكنهم البحث عن العبارات الشائعة ضمن الوثائق الدستورية، مثل عبارة “نحن الشعب”، وهي الافتتاحية الشهيرة لدستور الولايات المتحدة، والتي يمكن العثور عليها في 50 دستورًا من أصل 194 حول العالم.
الموقع لا يقتصر على خدمات البحث والمقارنة، بل يمكن استخدامه أيضًا لإنشاء دستور جديد بشكل تعاوني، وذلك من خلال أداة محرر مستندات جوجل “Google Docs”، حيث يمكن للمستخدم تحديد جزء من دستور معين، أو أجزاء معينة من عدة دساتير تابعة لعدة بلدان، ومن ثمّ تصديرها إلى نص جديد من مستندات جوجل، عندها – مثل أي مستند في محرر مستندات جوجل – يمكن العمل على هذا الدستور من قبل عدة أشخاص في وقت واحد، هذه الطريقة يمكن أن تكون مفيدة جدًا في حالات معينة، مثل محاولة أيسلندا عرض مراجعات الدستور على الجمهور في عام 2010، والتي أوقفها البرلمان حينها.
يشير زاكري الكينز، مدير موقع كونستيتيوت “Constitute” أن الأشخاص الذي صاغوا دساتير ليبيا وميانمار ونيبال جميعهم استخدموا هذا الموقع، وأضاف أن الموقع يقدم أدوات مفيدة للأشخاص المهتمين بمعرفة المزيد عن كيفية تنظيم الحكومات من الناحية القانونية، وأنه يتم استخدامه من قبل مجموعة واسعة جدًا من الأشخاص من شتى أنحاء العالم، فضلاً عن أن استخدام الموقع للغة العربية، أدى إلى زيادة استخدامه في العالم العربي في الآونة الأخيرة، خاصة في المملكة العربية السعودية، وهي البلد التي تشهد ملكًا جديدًا وتعيش بدون دستور تقليدي.
يبقى الأمل أن تعمل هذه الأدوات التعاونية الجماعية المشتركة، على مساعدة المسؤولين الجدد لاحتضان خطاب أكثر سلمية وتشاركية من الخطاب الذي قدمه المسؤولون السابقون حول السياسات الحكومية، أو ربما قد تكون هذه النظرة تفاؤلية أكثر مما ينبغي، في حال لم تعمل هذه الأدوات على تغيير واقع الممارسات الحكومية الديكتاتورية.
المصدر: كوارتز