سارت الدولة المصرية على خطى الدولة الأردنية وفشلت في حماية حياة مواطنيها المختطفين لدى تنظيم داعش، وعلى خطى الأردن ردت الدولة المصرية على عملية إعدام الرهائن المصريين في ليبيا عبر التصعيد من نبرة الخطاب الرسمي وعبر التحرك نحو التصعيد عسكريًا خارج حدودها، منفذة غارات جوية على عدد من الأهداف في ليبيا، قالت السلطات المصرية إنها تابعة لتنظيم داعش في حين أكدت الأنباء الواردة من ليبيا على أن معظم ضحاياها مدنيين وبينهم ثلاثة أطفال وامرأتان.
وبالتزامن مع هذا التصعيد الرسمي المصري، التفتت الأنظار إلى إحدى أقوى جيوش المنطقة تسليحًا وتجربة، منتظرة من الجزائر أن تترجم تعاطفها مع القتلى المصريين عبر الانخراط في الحرب التي يبدو أن الجنرال عبد الفتاح السيسي عزم على خوضها في ليبيا؛ غير أن الرد جاء سلبيًا، حيث توالت التصريحات الجزائرية المنددة بالإرهاب من جهة والرافضة من جهة أخرى لأي تدخل عسكري خارجي في ليبيا.
وجاء أول تعليق جزائري في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية أكدت من خلاله “التزامها بمواصلة الحوار مع دول الجوار والفاعلين الدوليّين، بقصد التوصل إلى حل سياسي للأزمة في ليبيا بما يضمن عودة الأمن والاستقرار لربوع هذا البلد الشقيق وبناء دولة مؤسسات قوية وقادرة على رفع كل التحديات، بما في ذلك استئصال الإرهاب والقضاء على كل مظاهر التطرف”.
كما أعاد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية القطري لشؤون التعاون الدولي محمد ابن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، التذكير بضرورة “احترام سيادة ليبيا وتعزيز مؤسساتها”، قائلاً: “الجزائر تدعو إلى احترام سيادة ليبيا وتعزيز المؤسسات الليبية بمصالحة وطنية، وتجدد إدانتها كافة أشكال الإرهاب”، مضيفًا أن الجزائر “ترفض من ناحية المبدأ أي تدخل أجنبي سياسي أو عسكري في ليبيا، وتدافع عن هذا الخيار، وتسعى إلى إقناع المجتمع الدولي بذلك، وتعتبر أن أي تدخل عسكري من شأنه أن يوجد مبررات للمجموعات المتطرفة”.
وشدد لعمامرة كباقي المتحدثين باسم الإدارة الجزائرية على أن الحل في ليبيا يجب أن يكون سياسيًا، قائلاً: “أعتبر أن هذه التطورات الخطيرة في ليبيا تحثنا على أن نبذل قصارى جهدنا من أجل تشجيع الليبيين على الحوار”، مكررًا التأكيد على الموقف الجزائري: “العملية الإرهابية التي قام بها التنظيم الإرهابي المسمى داعش في حق رعايا مصريين أبرياء في ليبيا، تدفعنا إلى بذل المزيد من الجهود لتشجيع الليبيين على الحوار”.
وأما أكثر التصريحات تعبيرًا عن حزم الجزائر على عدم الدخول في المغامرة التي جنح إليها الجنرال عبد الفتاح السيسي، فقد جاءت على لسان بن علي الشريف، المتحدث باسم الخارجية الجزائرية، خلال مكالمة هاتفية مع قناة “سي بي سي” المصرية، حيث رد على تساؤلات المذيعة حول إمكانية دعم الجزائر للجيش المصري في عملياته في ليبيا قائلاً: “الجزائر مستعدة لتقديم العون لأشقائها ولن تقصر أبدًا في الوقوف مع مصر إذا فكرت في إجلاء رعاياها من ليبيا، نحن في الجزائر نعرف جيدًا الإرهاب، وقد عانينا لسنوات من ويلاته لوحدنا دون أي مساعدة من الخارج، ونحن نعرف جيدًا تجلياته الخطيرة، ولكن العقيدة القتالية لجيشنا تمنعه من التحرك خارج الحدود الجزائرية”.
وتأكيدًا على إدراك الإدارة الجزائرية لمدى خطورة التدخل في ليبيا، كشفت جريدة الخبر الجزائرية من خلال مصادرها الخاصة في الرئاسة الجزائرية، عن طلب أرسلته حكومة طبرق الموالية للجنرال خليفة حفتر والفاقدة للشرعية، للحكومة الجزائرية طلبت من خلاله تزويدها بعربات مدرعة وآليات قتالية وصواريخ مضادة للدروع لاستخدامها في “الحرب على الجماعات الإرهابية”، غير أن الجريدة أكدت عبر نفس المصادر أن الإدارة الجزائرية لازالت ترفض تلبية هذا الطلب منذ ثلاثة أشهر، وذلك لأن تقارير أمنية جزائرية حذرت من أن “دفع أسلحة للحكومة الليبية يعني بداية لتورط عسكري مباشر في ليبيا”.
وقالت الجريدة إن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ومعه أركان المؤسسة الأمنية والعسكرية في الجزائر، قرروا التحفظ على تلبية هذا الطلب العاجل طيلة الأشهر الثلاثة الماضية وربطوا تقديم هذا النوع من الدعم العسكري بضرورة التوصل إلى حل سياسي بين أطراف الأزمة السياسية في ليبيا، وفسروا موقفهم بأن أي مساعدات ستعني تغليب كفة طرف في الأزمة الليبية على أخرى.
كما ذهبت بعض التحليلات المفسرة للموقف الجزائري إلى أن الجزائر وعبر تجربتها الطويلة والمريرة مع المجموعات الإرهابية باتت أكثر دول المنطقة دراية بعدم جدوى الحلول العسكرية في محاربة المجموعات المسلحة صغيرة الحجم، كما تدرك أن تبني سياسة الجنرال خليفة حفتر والجنرال عبد الفتاح السيسي وتحويل الخلاف السياسي إلى مواجهة عسكرية يصب في صالح المجموعات المتطرفة التي تتوسع بشكل كبير بمجرد فشل الحلول السياسية.