مضت خمسة أشهر ونصف على انتهاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة في صيف عام 2014 المنصرم، والذي خلف أكثر من 2200 شهيد فلسطيني وأكثر من 11 ألف إصابة جلهم من المدنيين “نساء وأطفال وكبار سن”، إلى جانب أكثر من 10 آلاف منزل دُمر بشكل كامل وعشرات آلاف المنازل تضررت بشكل بليغ وجزئي.
بعد هذه المدة الطويلة انتظرت غزة بفارغ الصبر فتح المعابر وإنهاء الحصار الظالم المضروب على قطاعها الساحلي منذ صيف عام 2007، وعلى الرغم من رعاية الأشقاء في جمهورية مصر العربية لاتفاق التهدئة المبرم بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي إلا أن الأخير لازال يتهرب من استحقاقات هذا الاتفاق.
أكثر من 150 يوم وغزة تنتظر إعادة إعمار البيوت المهدمة وأصحاب تلك البيوت يقضون أصعب الليالي في ظل فصل شتاء قارس وأجواء ثلجية باردة.
في أكتوبر الماضي احتضنت القاهرة مؤتمر الدول المانحة الخاص بجمع أموال لإعادة إعمار غزة وعلى الرغم مما انتشر في وسائل الإعلام من تخصيص مبلغ 5 مليارات دولار لغزة إلا أن الأخيرة لم تر من تلك الأموال شيئًا، وزاد الأوضاع في القطاع مأساوية في ظل عدم دخول إلا القليل جدًا من مواد الإعمار والتي لا تكاد تفي بحاجة أصحاب عشرات آلاف البيوت المهدمة والمتضررة جراء أطول حرب خاضتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948م.
في كل يوم من أيام الحرب التي أطلق عليها الفلسطينيون معركة “العصف المأكول” وسمتها إسرائيل بـ “الجرف الصامد” واستمرت على مدار 51 يومًا بليلها ونهارها، دكت الطائرات الحربية الإسرائيلية ومدفعيتها وبوارجها البحرية القطاع من رفح جنوبًا إلى بيت حانون شمالاً بآلاف الأطنان من المتفجرات، ولم تشفع دماء أطفال غزة الأبرياء لسكانها أن ينعموا بحياة آمنة بعد ستة أعوام عاشت فيها غزة كوابيس ثلاثة حروب متتالية.
اليوم باتت الأوضاع في قطاع غزة أكثر سوءًا وبات التذمر والغضب سيد الموقف في أوساط عامة الغزيين وخاصة المتضررين من العدوان ممن هدمت منازلهم وجرفت أراضيهم الزراعية وتضررت ممتلكاتهم وباتوا بلا مأوى في ظل أجواء الشتاء الباردة وعدم التزام إسرائيل ببنود اتفاق التهدئة وعدم ضغط الجانب المصري على الاحتلال.
ولم تعد قضية إعمار البيوت المهدمة بفعل الحرب الأمر الوحيد الذي يؤرق مليوني فلسطيني يقطنون قطاع غزة، فملفات كثيرة تراكمت أمام الغزي ولم يجد لها حلاً جذريًا، وأزمات عدة تحتاج لعلاج سريع كملف موظفي حكومة غزة الذين ترفض حكومة الوفاق الوطني الاعتراف بهم ولم تصرف لهم أي راتب رغم عملها للشهر الثامن على التوالي، بالإضافة لأزمة الكهرباء التي لازالت تعصف بغزة للعام الثامن على التوالي بالإضافة لأزمات غاز الطهي وإغلاق معبر رفح البري وأزمتي الفقر والبطالة التي وصلت لمعدلات عالية في القطاع الساحلي.
ومما يزيد “الطين بلة” إغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح البري – المتنفس الوحيد لمليوني فلسطيني – وزيادة وطأة الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، الأمر الذي يطرح عشرات الأسئلة الصعبة ويضع علامات تعجب أمام الأوضاع التي ستشهدها غزة خلال الأيام القليلة المقبلة.
من هذه الأسئلة الكثيرة، هل ينتظر غزة مواجهة جديدة حقًا كما يدعى قادة الاحتلال السياسيون والعسكريون؟ أم أن هذه الادعاءات والاتهامات تأتي في سياق البازار الانتخابي الذي يشهده الكيان في هذه الأيام.
وخلال الأشهر التي تلت الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة زار القطاع عشرات الوفود الدولية والعربية والإسلامية، إلا أن زياراتهم بقيت في إطار العلاقات العامة دون أن تُقدم علاجًا جذريًا لمشكلة غزة ومعاناة سكانها، ولم تخرج تلك الزيارات عن طور المؤتمرات الصحفية وبيانات التحذير من انفجار الأمور في القطاع في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة.
وعلى الرغم من لغة التهديد والوعيد التي ينتهجها قادة إسرائيل ضد غزة وسكانها وفصائل مقاومتها التي برزت على السطح في الآونة الأخيرة في ظل الانشغال العربي بواقعهم الصعب إلا أن كرة النار الملتهبة قد تتدحرج نحو غزة مجددًا، فاحذروا انفجار غزة القادم!