ترجمة وتحرير نون بوست
بعد أربع سنوات تقريبًا على اندلاع الانتفاضة الليبية، يعزم مجلس الأمن الدولي الاجتماع لتقرير فيما إذا كان ينبغي التدخل عسكريًا – مرة أخرى – في هذا البلد الشمال أفريقي المحاصر.
يوم الثلاثاء الماضي انضمت مصر – الجارة الشرقية لليبيا – إلى البلدان التي تناشد الجسم الدولي لاتخاذ قرارات حاسمة، وذلك بعد أن قتل متشددون تابعون للدولة الإسلامية 21 قبطيًا مصريًا في مدينة سرت الليبية.
لطالما كانت مصر – التي تمتلك حدودًا بطول 1049 كيلومتر مع جارتها ليبيا – قلقة بشكل طبيعي من حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها جارتها الغربية، ولكن منذ خلع الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي من منصبه في عام 2013، أصبح موقف مصر بخصوص الشأن الليبي واضحًا وثابتًا إلى حد ما، حيث عملت على تقديم مساعدة لوجستية محدودة للأطراف الليبية القادرة على خدمة مصالحها في المنطقة – كمساعدتها لقوات خليفة حفتر بمواجهة حركة فجر ليبيا -، وعلى الأرجح استطاعت مصر تقديم هذه المساعدات نتيجة للدعم الذي تحصل عليه من قِبل الدولتين الحليفتين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
مصر بالتأكيد ليست البلد الوحيد القلق والمتوتر من تداعيات الأوضاع الليبية؛ فأوروبا أيضًا لديها ما يدعوها للقلق، فرنسا – على سبيل المثال – وباعتبارها قوة استعمارية سابقة، لها مصالح متعمقة الجذور في المنطقة المحيطة بليبيا، والأوضاع الليبية الحالية تهدد هذه المصالح بشدة، وإيطاليا – المستعمر السابق لليبيا – لها أيضًا مصالحها الاقتصادية الواسعة خاصة في المجال النفطي الليبي، وكلا البلدين على حد سواء، وإيطاليا على وجه الخصوص، تكافحان للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين من مختلف أنحاء البحر الأبيض المتوسط.
أغلب الدول، حتى البعيدة عن مركز الصراع الليبي، متفقة أن إرهاصات الوضع الليبي ستشكل خطرًا أمنيًا كبيرًا ليس فقط على ليبيا والبلدان المجاورة، ولكن على المصالح الدولية الكبرى أيضًا، والمشكلة تكمن أن القوى الدولية لم تتمكن حتى الآن من إيجاد صيغة توافقية قادرة على توليد الاستقرار من الفوضى؛ فالوضع الليبي الكارثي المتمثل بعدم وجود حكومة مركزية فاعلة، والافتقار للقوة العسكرية الموحدة الوطنية، يشير بشكل واضح أن الرديكالية الليبية ليست سبب التفكك الليبي، بل هي أحد أعراض هذا التفكك، وهذا يعني أن الجهود الدولية لاستهداف الجماعات الجهادية – كالدولة الإسلامية – لن تستطيع تضميد الجروح السياسية والأيديولوجية والقبلية التي مزقت وتمزق المجتمع الليبي منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011.
قادة المنطقة مثل الجزائر ومصر استطاعتا فهم التوليفية الليبية المعقدة، لذا فإنهما عزفتا عن الاضطلاع بدور أكبر في إعادة بناء ليبيا، علمًا أن هذا العزوف ناجم في جزء منه عن عدم قدرتهما على تحمل المصاريف الناتجة عن إعادة الإعمار، والكيانات التي يمكنها تكبد هذه النفقات، مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والمجتمع الدولي الكبير، ليس لديها أي خطط واضحة للتطوع لهذه المهمة في المدى المنظور.
حاليًا يمكن القول إن مصر هي الدولة الوحيدة التي تعمل على التدخل بشكل مباشر ولكن محدود ضمن ليبيا، وهذا التدخل تمثل مؤخرًا بالضربات الجوية التي استهدفت مواقع محدودة في ليبيا أول أمس، وهذا النهج المتسرع الذي انتهجته القاهرة، لم يلق قبولاً لدى جميع الأطراف الدولية، حيث دعت قطر والجزائر وتركيا إلى ضبط النفس وضرورة اللجوء إلى التفاوض لحل النزاع الليبي، وهو الموقف الذي دعمته الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة -وهي الأطراف التي عملت خلف الكواليس على مراقبة الجماعات المسلحة وتشجيع المصالحة بين الحكومتين المتنافستين في طرابلس وطبرق -، لا بل زادت واشنطن على هذا الموقف حين شجبت الضربات الجوية من جانب واحد، لأنها قد تؤدي إلى تدهور البيئة الأمنية إلى الحضيض في ليبيا.
إن قتل الأقباط المصريين من قبل الجماعات المتشددة في ليبيا، جعل من الواضح أن التدخل بشكل مباشر في الوضع الليبي قد يحمل في طياته خطر الانتقام كرد فعل على هذا التدخل، حيث عمد الجيش المصري إلى نشر قواته في جميع أنحاء البلاد للدفاع عن المراكز السكنية الرئيسية والبنية التحتية من الهجمات الانتقامية المحتملة، وبطبيعة الحال، كان المواطنون المصريون منذ فترة طويلة هدفًا للجرائم والانتهاكات المتنوعة التي ترتكبها الجماعات المسلحة وجماعات الجريمة المنظمة والعناصر القبلية المحلية في ليبيا، حيث استهدفت هذه الجرائم بشكل خاص المبشرين من الأقباط المسيحيين والعمال المصرييين في ليبيا.
إن الاجتماع المقرر عقده لمجلس الأمن الدولي في 18 فبراير، سينتج عنه -في أحسن الأحوال – إدانة لعدم الاستقرار في ليبيا، وربما قد يأذن المجلس بعملية عسكرية جوية مثل العملية الجارية في العراق وسوريا، ولكن الفارق هنا أن الولايات المتحدة لن تكون سوى مشارك هامشي في هذه العملية، مما يضع جيوش الشرق الأوسط في أزمة ناجمة عن عدم قدرتها على تحمل المطالب اللوجستية والاقتصادية الكبيرة المتطلبة للقيام بحملة جوية مفتوحة الأمد ضد المتشددين في ليبيا.
بجميع الأحوال، فإن واشنطن ربما لن تثق بقيادة القاهرة ومن خلفها مؤيديها الإقليميين لهذه العملية، خاصة في ظل استهداف مصر ومؤيديها للجماعات الإسلامية وجماعات المعارضة السياسية الأكثر اعتدالاً في وقت سابق، مما هدم ثقة واشنطن في نوايا مصر وحلفائها تجاه الوضع الليبي، أما فرنسا، والتي عملت بشكل وثيق مع الدول العربية من أجل الضغط لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول ليبيا، فإنها لن تعمل أيضًا على قيادة التحالف بنفسها، كونها تسعى من خلف الاجتماع الدولي لجمع تحالف دولي حول القضية يهدف إلى تجنبها تحمل كامل المسؤولية على عاتقها وحدها كما فعلت في مالي في عام 2012.
في النهاية، من المتوقع أن يترك المجتمع الدولي ليبيا غارقة في نزاعاتها الداخلية، مهيئًا نفسه للتعامل مع الفصيل الذي سيفوز بنتيجة هذا الصراع، واجتماع مجلس الأمن قد يعمل على حل مشكلة الدولة الإسلامية في ليبيا، إلا أنه بالغالب سيفشل في معالجة التحديات الأوسع التي تمزق الدولة الليبية، والناجمة عن أربع سنوات من عدم الاستقرار.
المصدر: ستراتفور