أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية عن قرار إيراني بالسعي إلى بدء مشاورات ومحادثات ثنائية مع المملكة العربية السعودية حول مختلف الملفات التي تهم المنطقة، وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني “حسن أمير عبد اللهيان” لوكالات الأنباء أن “إيران والسعودية لديهما الطاقات الكافية لمساعدة دول المنطقة التي يهددها الإرهاب”.
وأضاف عبد اللهيان أن “المشكلة الرئيسية في المنطقة هي وجود دول ضعيفة أدت إلى انتشار الإرهاب والتطرف”، مؤكدا أن “إيران ستدعم أي بلد يواجه الإرهاب بقدر ما دعمت وتدعم سوريا والعراق”، دون أن يشرح طريقة دعم بلاده لهذه الدول التي تعتبر أكثر دول المنطقة غرقا في الأزمات الأمنية وأكثر الدول التي تنشط فيها المجموعات المتطرفة والإرهابية وتسيطر فيها على مناطق جغرافية شاسعة.
وتناسقا مع تصريحات عبد اللهيان والتي تأتي ضمن خطاب إيراني يسعى إلى طمأنة دول الخليج وخاصة السعودية والملك سلمان بن عبد العزيز المتولي حديثا لمقاليد الحكم، أعلن الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأعلى الأميرال “علي شمخاني” في الأيام الأخيرة إن بلاده “مستعدة تماما الآن لإجراء محادثات صريحة وواضحة ومتواصلة تشمل جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك مع السعودية”، مضيفا: “ينبغي أن نمنع المزيد من إراقة الدماء، ونشن معركة لا هوادة فيها على التطرف والإرهاب الذي يجسده تنظيم الدولة الإسلامية”.
وتعتبر الأزمة السورية أحد أحدث الصراعات غير المباشرة بين البلدين، حيث تدعم الإدارة الإيرانية نظام بشار الأسد بالمال والعتاد والمقاتلين، وتلعب دورا أساسيا في صمود نظامه حتى الآن وفي استمرار عملية القمع الوحشية التي تنفذها الآلة العسكرية لبشار الأسد ضد الثوار السوريين دون التفرقة بين المدنيين والمسلحين ودون أي اكتراث بحقوق الإنسان وبالقوانين الدولية المجرمة لكل هذه الممارسات.
وكذلك الأزمة العراقية واليمنية، حيث لعبت إيران – خفية وعلنية – دورا هاما لتأطير ودعم الميليشيات الشيعية المسحلة مثل “فيلق بدر” وحديثا ميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق، ومثل ميليشيات الحوثيين التي تمكنت مؤخرا من بسط سيطرتها على أجزاء جغرافية كبيرة من اليمن وعلى العاصمة صنعاء وعلى كل مراكز السلطة. في حين يَرى الإيرانيون أن السعودية تدعم معارضي نظام بشار الأسد وتدعم قوى سياسية وعسكرية معادية لحلفاء إيران في كل من العراق ولبنان واليمن.
وخطابات الإيرانيين المتناسقة حول انفتاح مرتقب على السعودية، لا يوافقه أي تحول حقيقي في الممارسات الإيرانية في مناطق الخلاف المذكورة، مما يبرر التفسيرات القائلة بأن إيران لم تختر الحديث عن تحرك نحو السعودية إلا لغاية تثبيت ما جنته من مكاسب على الأرض وإيجاد صيغة سياسية لشرعنة تلك المكاسب.
فيرى بعض المحللين أن إيران التي فرضت سيطرتها عسكريا على نظام الحكم في اليمن عبر ميليشيات الحوثيين، تتجه الآن إلى طاولة المفاوضات لتقول للقوى الإقليمية والدولية أن “الحوثيين مستقلون برأيهم في اليمن وبأنهم باتوا أمرا واقعا يجب التعامل معه، وبأن إيران مستعدة للعب دور الوساطة لإقناع الحوثيين بإشراك باقي القوى السياسية (ولو شكليا) في حكم البلد”، كما لا يعتقد أن إيران تتجه نحو السعوديين للحديث عن وقف جرائم نظام بشار الأسد ضد المدنيين وإنما للحديث عن وجود مساحة للتعاون بين إيران وباقي القوى لمحاربة تنظيم داعش.
وأما في ما يخص البحرين، التي تعتبر أكثر الملفات حساسية بالنسبة للسعوديين كونها من دول الخليج ولأن السعوديين يرون أن الإيرانيين يحرضون شيعة البحرين على التحرك ضد نظام الحكم الملكي القائم هناك، فقد أكدت تصريحات أخرى لعبد اللهيان أن الإيرانيين لا ينوون البحث عن حلول للملفات العالقة بين البلدين بقدر بحثهم عن تحقيق مكاسب لا يمكن تحقيقها بغير التفاوض، حيث دعا المسؤول الإيراني “الحكومة البحرينية إلى وقف عمليات قمع المحتجين”، معتبراً أن هذه السياسة “لن تصب لا في مصلحة البحرين ولا في مصلحة المنطقة”.
ويحسن الإيرانيون بشكل عام استخدام ورقة المفاوضات، عبر توظيفها لربح الوقت ولشرعنة المكاسب التي يحققونها على الأرض، وهو ما يفعلونه منذ سنوات عبر المفاوضات الدولية حول الملف النووي، حيث لم تستطع القوى الدولية تحقيق أي مكاسب حقيقية من هذه المفاوضات، في حين استخدم الإيرانيون هذه المفاوضات لابتزاز الغرب وإجباره على عدم المضي في سياسة التضييق الاقتصادي، مما جعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذيطرح عليه قبل بضع سنوات أن يشن حربا عسكرية على إيران يقف الآن ليهدد المشرعين الأمريكيين بأنه سيستخدم حق الفيتو في حال توجههم لفرض عقوبات اقتصادية ضد إيران.
ويمكن فهم هدف الإيرانيين من الحديث مع السعوديين من خلال التفاصيل التي وردت في التسريب الذي حصلت عليه جريدة الشارع اليمنية في الأيام القليلة الماضية من داخل السفارة الإيرانية في اليمن، والذي تضمن معلومات مفادها أن “جماعة الحوثي تلقت تحذيرات من إيران بعدم السيطرة على مضيق باب المندب بالبحر الأحمر، وبعدم الاقتراب من الحدود السعودية، وبمحاولة التقرب من السعودية في الوقت الراهن”، وهو ما فسر بأنه سعي إيراني إلى تخدير السعوديين وباقي قوى المنطقة إلى حين تعزيز المكاسب التي حققوها في الفترة الأخيرة.