الجميع يتملقون الملك الأردني معسول اللسان، لكن عليهم أن يتوقفوا!

RTXV641

ترجمة وتحرير نون بوست

لقد كان رد الفعل العالمي على الفعل الوحشي بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة قويا في محله. لقد وحدت عملية الإعدام، على الأقل في الوقت الحالي، الأردنيين ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وخلف ملكهم الوراثي، الملك عبدالله الثاني.

أن يلف العاهل الأردني جسده بعلم بلاده في وقت الحدث المأساوي الكبير لا يجب أن يكون مفاجأة، بيد أن الاهتمام الذي أولاه العديد من النقاد الأمريكيين لموقف الملك والخطاب الذي تبنته المملكة هو المفاجئ، والمحير أيضا.

فقد نشرت العديد من المواقع الإلكترونية صورا متملقة ومقالات تصور الملك الساحر محبوب وسائل الإعلام الداهية في كامل عتاده متأهبا للقتال. هذه الوسائل الإعلامية أشادت بحديثه القوي وتعهده من الانتقام من داعش. إنه شخص “لا يمكن المزاح معه” كما قال موقع باز فيد Buzzfeed أو ما قاله موقع بيزنس إنسايدر بأن عبدالله “ملك محارب”.

الشخصية التليفزيونية ومقدم البرامج شون هانيتي ابتعد أكثر من ذلك وتساءل على تويتر لمتابعيه: أيهما تعتقد أنه أقوى في مواجهة داعش: الملك عبدالله أو الرئيس أوباما؟

 

الجميع يحبون القائد في البزة العسكرية، لكن المديح المُكال لملك الأردن يعبر عن إشكالية كبرى في الحقيقة. عبدالله هو ملك سلطوي ليس منتخبا يسيطر بشكل شبه كامل على السياسة الأردنية. قام الملك بحل البرلمان لأجل المتعة، ويتحكم في كل ذراع قوة في البلد، بما في ذلك الجهاز شديد السرية (وشديد الرعب كذلك) المخابرات العامة. حرية التعبير والتجمع يتم تقييدها بشدة في البلاد، وانتقاد التاج الملكي هو جريمة بحكم القانون.

فضلا عن ذلك، فإن المملكة الأردنية الهاشمية تكاد تكون أمة غير مفهومة، فلا يمكنها أن تبقى دون مساعدة عسكرية واقتصادية من أطراف خارجية عدة. المملكة تمتلك موارد محدودة للغاية، ولديها معدلات بطالة عالية (المعدلات هائلة عندما يتعلق الأمر بالبطالة بين الشباب)، كما تعاني المملكة من أزمة لاجئين متفاقمة. أكثر من ثلثي سكان المملكة يستفيدون من المعونات الملكية، والحكومة استطاعت جاهدة أن تلفق أوضاع اقتصادها المريض، والفضل يعود في جزء منه، إلى ممالك الخليج ومليارات الدولارات من المساعدات.

وكل من لا يستطيع الأردن شراءه أو اعتقاله، فإنه يقوم بتصديره. النظام الأردني حتى وقت قريب لم يتخذ موقفا صارما من الأردنيين الذين سافروا للـ”جهاد” في مناطق أخرى من العالم. المملكة هي واحدة من بين أكبر مصدري الجهاديين إلى سوريا القريبة، كما يُعتقد أن هناك أكثر من 1500 أردني يقاتلون في صفوف داعش في سوريا والعراق. تصدير مشاكلها يضمن للأردن قدرتها على التعامل مع الجهاديين في أماكن بعيدة باستخدام أسلحة توفرها واشنطن. في كلمات أخرى: تدعم الولايات المتحدة قدرات الأردن في قصف مواطنيها غير المرغوب فيهم.

وبينما أصبح واضحا أن الإعدام الوحشي للكساسبة قد فتح أعين البلاد على الكوارث التي تمور على مرمى حجر، يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت المملكة قد تعلمت من هذا العمل الوحشي. مثلها مثل بقية العالم العربي، خدمت السجون الأردنية كأداة لتجنيد الجهاديين وتفريخ المتطرفين، وفي تقرير صدر مؤخرا من موقع بازفيد فإن المملكة كانت قد بدأت في استهداف وعزل الإسلاميين داخل السجون. الأردن، على الرغم من ذلك، يبقى صندوق بارود طالما استمر، بالنيابة أو مؤتمرا بأمر الممالك الخليجية في ضم جميع تيارات الإسلام السياسي في نفس البوتقة مع داعش.

لكن الميل الأردني لوضع كل الإسلاميين في سلة واحدة قد يفسر الكثير من الأحداث الأخيرة. فبعد كل شيء، عبدالله يمثل كل ما يريده الغرب في الحاكم العربي، فهو ذكي أنيف تلقى تعليما علمانيا، كما أن أفضل صفاته قد تكون ذلك الشك الذي يتقاسمه مع العديد من المراقبين الخارجيين حول قدرة الشعوب العربية في تقرير مصيرها بأنفسها. وغريمه السياسي، جبهة العمل الإسلامي المرتبطة بالإخوان المسلمين، لديهم ميل غريزي لإطلاق النار على أنفسهم، وهو ما يلائم صاحب الجلالة (الذي أطلق وصف الماسونيين سابقا على الإخوان المسلمين).

وعلى الرغم من الأسلوب الذي يخاطب به الملك الأردني الصحافة والساسة في العالم، والذي يناسب التقاط الصور التذكارية والنقاشات الحادة، إلا أن خطابه لا يحوي الكثير للاستفادة منه أو السير على خطاه، كما أن الملك لا يمكنه الاستمرار فيه أيضا!

الملك عبدالله بارع بالفعل في السياسات الفئوية، أو تحقيق التوازن بين طرفين متقابلين، قبيلة ضد قبيلة، أو الغرب مقابل الشرق. وكرأس حربة أمام التطرف في المنطقة، وكملاذ آمن لملايين النازحين، يحتفظ الملك عبدالله بأهميته من خلال إيحائه بما قد يترتب على غيابه. إن ما يبقيه هو الأزمة!

متجردا من التظاهر، لا يزال عبدالله مواليا للغرب كملك على بلد مضطرب وفقير ومتشكك للغاية تجاه نوايا الغرب ومكائده، ويحافظ على موقف شديد الوضوح من إسرائيل. الخطاب القوي الذي تبناه الملك عبدالله قد يُكذب تلك الحقائق الصعبة في الوقت الراهن، لكن السؤال هو إلى أي مدى سيستمر تأثيره؟

المصدر: ذا ويك