بعد تفكك الحكومة الإسرائيلية وانقسام المعسكرات المكونة لها، وبعد وضوح استحالة استكمال هذه الحكومة لفترة قادمة في ظل الصفيح الساخن الذي تدور عليه الأحداث في الداخل الفسلطيني والإسرائيلي معًا،على إثر هذا أعلن رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو في أواخر عام 2014 عن حل حكومته الائتلافية وإجراء انتخابات مبكرة، هذا الإعلان لم يكن سوى إعلان عن انطلاق معركة بين اليمين واليسار في الداخل الإسرائيلي، وذلك بعد تحالف الأحزاب اليسارية والوسط تحت اسم “تحالف المعسكر الصهيوني” بقيادة تسبي ليفني، وزيرة العدل في حكومة نيتنياهو السابقة وزعيمة حزب الحركة الوسطي، فحزب العمل اليساري الإسرائيلي كان قد دعى في وقت سابق لقيام تحالف بين أحزاب اليسار والوسط لمواجهة اليمين الإسرائيلي الذي يقوده نيتنياهو بحزبه “الليكود” وهو ما قد كان؛ ما أضفى الإثارة على العملية الانتخابية القادمة.
في أثناء هذه الحالة المحتنقة سياسيًا انطلقت الحملات الانتخابية لجميع الأحزاب قبيل الانتخابات المقرر إجراؤها في مارس القادم، واختلفت الوسائل التي لجأ كل حزب إليها لمحاولة إقناع الناخب الإسرائيلي بالتصويت لصالحه، الأساليب الدعائية جاءت في معظمها ركيكة للغاية لا ترقى لأن تكون حملات انتخابية لأحزاب تحترف السياسة وكأن العبث طال كل شيء في إسرائيل، حسب رصد لأساليب الدعاية لكل كتلة مشاركة في هذه الانتخابات.
فالإعلانات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب الإسرائيلية ليست إطلاقًا بتلك الجودة التي من المفروض أن تُحاكي عقل ناخب (إن كان لديه عقل)، حيث أصبحت تتسم معظم الإعلانات بمحاولتها استخدام الكوميديا (والتي لا تمت للكوميديا بصلة بحسب تعبير فلسطينية من فلسطينيي 48).
فقبل بضعة سنوات، قامت بعض الأحزاب العربية كما يقال بخطاب موجه لـ “المجتمع الفلسطيني بالداخل” بلغته، وأنتجت فيديوهات “كوميدية” أيضًا، احتوت على أغان على ألحان “تي رش رش” وأخرى على نماذج من برنامج “ذا فويس” الغنائي.
أما في الانتخابات الحالية وبعد أن توحدت في حزب واحد، تتبنى الأحزاب العربية في الداخل في قائمتهم الحزبية المشتركة شعار “إرادة شعب”، هذا الشعار جاء مصحوبًا بتعليقات مختلفة، منها داعمة للشعار باعتباره يوحد هذه الأحزاب وهذا إنجاز ورضوخ عند رغبة “المواطنين” الفلسطينيين في الداخل، وبالتالي يمثل هذا النموذج قوة ضد العنصرية الممنهجة التي تلاحق الفلسطينيين في كافة مرافق الحياة.
داعمون عديدون عبّروا عن أن هذا النموذج من الوحدة يمكن أن يكون “قدوة” للعرب في كل مكان، إذ إنه اتحاد بين أحزاب متنوعة وأعضاء منوعين: الشيوعي، العلماني، القومي والإسلامي .. إلخ.
من جهة أخرى، من سخر من هذه الوحدة ومن شعار “إرادة شعب” يدّعي أن هذه الأحزاب قامت بهذه الخطوة مجبرة على ذلك حتى تقطع نسبة الحسم، أي بكلمات أخرى أنها مصالح أحزاب.
أضف إلى ذلك هناك من رأى خطورة في مثل هذا الشعار، إذ إن “الشعب” هنا في الحقيقة، فلسطينيو الداخل فقط، ماذا عن باقي الفلسطينيين؟ هل سقف طموحهم وإرادتهم “قائمة حزبية موحدة”؟ هذا عن الإعلانات العربية التي اعتمدت على مشاعر الوحدة.
نعود الآن إلى إعلانات بعض الأحزاب الإسرائيلية:
– يعرض لنا حزب ميريتس، والذي يعتبر نفسه “اليسار” الحقيقي في إسرائيل فيديو فيه حفلة، ليُظهروا أن الحزب يريد أن يحسن حياة الرفاهية للإسرائيليين، على ألحان موسيقية من البلقان (ما المشكلة بألحان البلقان؟ اسألوا المزرحاييم)، يرقص مرشحو الحزب على الألحان، ولكنهم يتجاهلون أن الفيديو لا يمثل حقيقة ما يحدث خارج هذه الحفلة، ففيه يحافظ الحزب على الفقاعة التي يصنعها لنفسه، إذ إنه لا يوجد حقًّا يسار حقيقي في إسرائيل، والفيديو ليس سوى حفلة راقصة.
يستمر الحزب بسذاجة بدعوة الإسرائيليين اليساريين بالانضمام إليه باعتباره مرة أخرى “اليسار الحقيقي الذي يهدد نتانياهو حقًا”، إذن، يروّج الحزب نفسه على أنه ضد نتانياهو الذي بحسبهم مسبب أساسي للوضع الاقتصادي السيء الذي تعاني منه الطبقة المتوسطة بين الإسرائيليين، وهنا يتردد السؤال دائمًا في الإعلام الإسرائيلي، من يمثل هذا الحزب؟ اليساريون أم البرجوازيون “اليساريون” من الأشكناز؟
– أما “بينيت”، فإعلاناته تُذكر بإستراتيجية ليبرمان التسويقية: “كن كارهًا للجميع، واحصد الأصوات، كن داعمًا للتطرف واحصد الأصوات”، تطرف “بينيت” ليست تجاه العرب فقط، تطرفه هو تطرف ممنهج ضد مجموعات مهمشة عديدة كالمثليين، رافضي الخدمة العسكرية وغيرهم.
– وعن ليفني وهرتسوغ حزبي الحركة الوسطي والعمل: تروج الحملات الإعلانية لحزبي “هاعوفودا وهاتنوعاة”، حزب العمل وحزب الحركة، على أنها حملات “نحن أو هو”، والمقصود بـ “هو” نتانياهو، فقد ربطوا بقاءهم ببقاء نتنياهو، إذن ماذا لو انتصر نتنياهو في هذه المعركة هل سينسحب الحزبان من الحياة السياسية ؟ ولماذا على خطة انتخابية أن تكون مربوطة بـالإطاحة بشخص؟ الأجوبة هنا لا تهم، لأن كل هذه المنظومة بائسة.
– يدهش نتنياهو الجميع ككل المرات في دعاية حزبه، ولكن هذه المرة يحاول أن يظهر بمشهد خفيف الدم، فيصور نفسه تارة على أنه “مربية أطفال” يرعى شؤون بلاده، وتارة أخرى على أن عامة الشعب تلهيه في تعليقها على مصاريف عائلته (مثلًا: لعائلة نتانياهو ميزانية خاصة من خزينة الدولة لشراء الآيس كريم، وأخرى للنبيذ)، وتارة يظهر على أنه المعلم والمربي في حضانة أطفال مُحاولاً إخراس “أخويه” اللذين تحالف معهما سابقًا، بينيت ولبيد، طالبًا منهما أن يتوقفا عن القتال على “كراسي الصف”، كذلك يطلب من طفلة باسم تسيبي (على اسم تسيبي ليفني) ألا تتنقل من مكان إلى مكان في الصف، وهذه سخرية وتذكير بأن ليفني انتقلت من حزب الليكود إلى حزب كاديما ومن ثم أسست حزبها الخاص، حضانة أطفال؟ من مرة راعي وقطيع غنم.
في كل حملة انتخابية لا يكفي أن نتانياهو يتعامل بفوقية مع باقي الأحزاب، إنما أيضًا يتعامل مع نفسه وكأنه الوصي والحامي لدولته من “الخطر الخارجي والعدوان الخارجي”، وفي كل حملة يختار له عدوًا ليروج من خلاله اهتمامه بالأمن.
هذه المرة وقع اختياره على داعش، نعم … إنه، بحسب حملة نتانياهو الجديدة، قادم قريبًا لإسرائيل، ولن توقفهم إلا حماية “الليكود”، هذا التهويل بما يخص الملف الأمني هو ورقة يستغلها نتانياهو في كل حملة انتخابية، لكن هذه المرة أراد أن يظهر حزبه بأنه “الحامي” أكثر من خلال محتوى يعتبره “كوميدي”، كالفيديو الذي نشره حول داعش.
صورة من فيديو داعش الذي استخدمه حزب الليكود في دعايته
أثارت دعاية حزب الليكود الانتخابية موجة احتجاجات عارمة، إذ اختار حزب بنيامين نتنياهو، تحذير الإسرائيليين من أن انتخاب معسكر اليسار سيأتي بداعش إلى إسرائيل، حيث بث حزبه فيديو فيه تصوير لمقاتلي داعش وهم يستوقفون سيارة ويسألون قائدها بالعبرية عن الطريق إلى القدس، ويجيب الراكب بشكل ساخر “اتخذوا اليسار” وينتهي هذا الفيديو بتذييل جملة “اليسار يقدم التنازلات للإرهاب”، هذا وقد سارع نتنياهو لتحميل هذا الفيديو على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي.
وبينما تكيل جهات سياسية التهم لنتنياهو بالتحريض، يبدو الأخير مصرًا على توظيف كل الملفات الإقليمية والدولية للاستفادة منها في حملته، فهو يستنفر الشارع من خطر داعش والنووي الإيراني من جهة، ويدعو يهود أوروبا للهجرة الجماعية إلى إسرائيل من جهة أخرى.
وقد أثار الفيديو الذي انتشر بسرعة على المواقع الاجتماعية أصداءً عديدة، وانتقادات لاذعة حول أسلوب نتنياهو وحزب الليكود، الذين يحاولون تخويف الناخبين الإسرائيليين، بدلًا من محاولة التعامل مع المشاكل الصعبة التي ظهرت خلال السنوات الست الأخيرة برئاسة نتنياهو، وقد اتهمه رجال استخبارات بأنه غير قادر على هزيمة حماس، فكيف سيجلب الأمن للإسرائيليين ويهزم إيران كما يقول؟
إعلان الليكود أصبح مسار جدل بين الإسرائيليين جميعًا، حيث تناقلت وسائل الإعلام خبرًا مفاده، أن أحد طلاب القانون في كلية الكرمل، قدم شكوى ضد حزب الليكود متسائلًا كيف يمكن لحزب أن يستخدم “داعش” في دعايته الانتخابية في الوقت الذي يعرف فيه التنظيم أنه إرهابي وأن كل من يتعامل معه أو يرفع علمه يُعاقب، وهو ما تسبب في حذف الفيديو من مصدره الرئيسي على موقع يوتيوب في وقت لاحق.
هذه الأفعال التي يرتكبها حزب نتنياهو في الآونة الأخيرة يراها محللون إسرائيليون أنها محاولة لحصد الأصوات بأي طريقة كانت حتى ولو بدت للبعض مضحكة أو مفتعلة كالذي يفعله حزب نتنياهو بإنتاجه لمواد مصورة كهذه، ولذلك يرى البعض أنه ستبقى طريقة إدارة الانتخابات في الداخل الإسرائيلي هي التي يعرفها نتنياهو وحزبه جيدًا بالتفزيع والتخويف لا بإعمال عقل الناخب الإسرائيلي المنساق دائمًا خلف العقلية الأمنية التي بدت في آخر أعوامها وكأن الشيخوخة أصابتها.