شهدت العلاقات الخليجية المصرية وخاصة القطرية المصرية منعطفًا هامًا في اليومين الأخيرين بسبب الموقف المصري الداعي لتدخل عسكري أجنبي لصالح الجنرال خليفة حفتر في مصر، وبسبب تكرار مسؤولين مصريين للاتهامات التي أطلقها الجنرال حفتر في ليبيا والتي اتهم من خلالها دولة قطر بدعم الإرهاب بسبب إصرارها على ضرورة إيجاد حلول سياسية للمشاكل التي تعيشها ليبيا.
وضمن الحملة التي أطلقها النظام المصري من خلال عدد من مسؤوليه ومن خلال أذرعه الإعلامية، قال سفير مصر لدى جامعة الدول العربية، طارق عادل، إن “تحفظ قطر على فقرة ببيان الجامعة العربية حول حق مصر في الدفاع الشرعي عن نفسها، يشير إلى أنها كشفت عن موقفها الداعم للإرهاب”، وهو التصريح الذي ردت عليه قطر عبر استدعاء سفيرها لدى مصر، وعبر بيان رسمي لوزارة الخارجية قالت فيه إن ما جاء على لسان السفير المصري طارق عادل جانبه الصواب والحكمة ومبادئ العمل العربي المشترك، مستنكرة هذا “التصريح الموتور الذي يخلط بين ضرورة مكافحة الإرهاب وبين قتل وحرق المدنيين بطريقة همجية لم يلتفت لها مصدر التصريح”.
واحتوى البيان القطري على عبارات حادة لم تعتدها الدبلوماسية القطرية طيلة السنوات الماضية وخاصة حيال جمهورية مصر، حيث طالب البيان الطرف المصري بـ “عدم الزج باسم قطر في أي فشل للحكومة المصرية لأن قطر كانت وستظل داعمة لإرادة الشعب المصري واستقراره”.
وبالتزامن مع إصدار قطر لردة فعلها على التصريحات المصرية، ندد مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالاتهامات المصرية، وقال أمينه العام، عبد اللطيف الزياني أنه يرفض الاتهامات التي وجهتها مصر لدولة قطر، وأن هذه “الاتهامات باطلة وتجافي الحقيقة وتتجاهل الجهود المخلصة التي تبذلها دولة قطر مع شقيقاتها دول مجلس التعاون والدول العربية لمكافحة الإرهاب والتطرف على جميع المستويات”، مضيفًا: “التصريحات المصرية لا تساعد على ترسيخ التضامن العربي، في الوقت الذي تتعرض فيه أوطاننا العربية لتحديات كبيرة تهدد أمنها واستقرارها وسيادتها”.
وتعتبر التصريحات الصادرة عن مجلس التعاون الخليجي منعطفًا هامًا في الموقف الخليجي الذي كان أكثر ميلاً للموقف الإماراتي الداعم بشكل مطلق للجنرال عبد الفتاح السيسي وكل سياساته، كما جاءت هذه التصريحات لتعطي مصداقية أكبر للتوقعات الصادرة عن المحللين السياسيين حول اتجاه الإدارة السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى التخلي عن سياسة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز التي طغت عليها إرادة مدير الديوان الملكي المقال خالد التويجري والمنحاز بشكل مطلق للقرار الإماراتي.
وإن كانت التصريحات القطرية والخليجية تؤكد بوضوح وجود تحول – بغض النظر عن حجم هذا التحول – في الموقف الخليجي حيال النظام المصري، فإنها غير متصلة بالشأن المصري الداخلي وإنما بمساعي النظام المصري إلى التدخل في الشأن الليبي الداخلي وإلى توفير دعم عسكري للجنرال خليفة حفتر وحلفائه في شرق ليبيا، وهو ما ترفضه قطر التي تسعى إلى دفع جلسات الحوار الليبي – الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي ينهي حالة الانقسام في ليبيا.
ويقترب الموقف القطري من القضية الليبية من الموقف الجزائري الرافض لنهج الحلول العسكرية لمعالجة الأزمة الليبية، وذلك خشية من أن تؤدي الحلول العسكرية إلى تطور حالة الفوضى المسلحة في ليبيا؛ مما سيقوي من فرص تنامي الإرهاب في ليبيا وسيزيد من خطورة التهديد الذي يوجهه لدول الجوار، حسب تصريحات لعدد من المسؤولين الجزائريين.
مع العلم أن كثيرين قد شككوا في صدق التبريرات التي قدمها النظام المصري لشرعنة غاراته الجوية على أهداف مختلفة داخل ليبيا ولدعوة دول العالم لدعم حكومة طبرق الموالية للجنرال حفتر، مشيرين إلى أن التدخل المصري لم يأت بسبب مقتل عدد من المواطنين المصريين على أيدي إحدى المجموعات المسحلة في ليبيا وإنما رغبة من نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي في ترجيح كفة الجنرال خليفة حفتر الذي يحاول منذ حوالي سنتين أن يسيطر على ليبيا بمختلف الأساليب الإعلامية والسياسية والعسكرية دون أن ينجح في ذلك.
في حين ينسجم الموقف القطري وكذلك الجزائري مع مواقف معظم القوى المحلية والعالمية، حيث واجهت حكومات الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وتونس، الدعوات المصرية لدعم الحل العسكري في ليبيا عبر إصدار بيانات مشتركة وأخرى متفرقة تؤكد على ضرورة معالجة الأزمة الليبية عبر الحل السياسي، وعلى استبعاد الخيارات العسكرية. وهو ما جعل مصر والإمارات يعانون عزلة إقليمية ودولية خلال مسيرة بحث عن داعمين لمغامرات الجنرالين حفتر والسيسي في ليبيا.