في مدينة جدة، لوحة كبيرة في الشارع عليها صورة الملك عبدالله والأمير سلمان والأمير مقرن مكتوب عليها :”سمعاً وطاعة … سيدي.” واليوم بعد مرور شهر على تسلم سلمان بن عبدالعزيز للحكم ما زالت اللوحات التي تحمل صورة الملك وولي العهد وولي ولي العهد مكتوب بجانبها “نبايعكم على السمع والطاعة” تملأ شوارع الرياض، ومثل هذه اللوحات منتشرة في أنحاء المملكة، فقد عمل أل سعود على ضمان بقائهم في الحكم عن طريق هذه البروباجاندا التي يتم غسل أدغمة الشعب أن أل سعود هم “ولي الأمر” وأن طاعتهم “واجبة”.
وللإنسان أن يتسائل كيف يمكن أن تتم مبايعة “ملك”، هل للملوك بيعة أصلاً؟ فنظام الملكية الوراثية هو أن يتم توارث الحكم بين أبناء أو إخوة الملك الأول رضي الشعب أم أبى، ويتم الاتفاق على ذلك بين العائلة المالكة دون أن يكون للشعب صوت في القرار، ولا شك أن استخدام كلمة “بيعة” من قبل آل سعود إنما هو لإعطاء حكمهم صبغة دينية تخدع الناس إلى تصديق أن نظام حكمهم هو نظام حكم إسلامي موافق للشريعة الإسلامية.
ولا يخفى على الناس اليوم الفساد المتفشي في نظام آل سعود، فقد ظهر الأمر للعلن وأصبح جلياً لا يمكن إنكاره أو المدافعة عنه، إلا أن قانون الدولة يضمن هذا الفساد ويضمن للملك أن يكون فوق القانون، فالملك في السعودية هو صاحب السلطة، بل هو القانون نفسه، هو الذي يقرر ويأمر وينهى وليس لأحد الإعتراض ومن يعترض فإن مصيره السجن، ولا يوجد قانون لعزل الملك -معاذ الله- فالملك لا يخطئ أبداً مهما تغير شخصه يبقى القائد العظيم ذو الرؤية الواضحة والقرارات السليمة التي لا يشوبها خطأ.
وقد عمل آل سعود على ترسيخ سلطتهم وضمان ولاء الشعب لهم عن طريق الإعلام والتعليم ورجال الدين، فالإعلام في السعودية هو عبارة عن أداة في يد العائلة الحاكمة تعمل من خلاله على نشر كل ما فيه مدح لما يقوم به أصحاب السلطة من آل سعود، والتعليم يقوم بمسخ تاريخ السعودية مسخاً كاملاً بتصوير الملك عبدالعزيز كالقائد العظيم الذي وحد أرض الجزيرة العربية بعد أن كاد يبتلعها الشرك، وقد طمسوا جميع الحقائق التاريخية عن موالاة عبدالعزيز لبريطانيا ضد الدولة العثمانية وسفك دماء المسلمين في سبيل “توحيد” أرض الجزيرة العربية، ورجال الدين يقومون بترسيخ مبدأ طاعة ولي الأمر المطلقة وعدم الخروج عليه نهائياً -حتى لو كان فاسقاً موالياً للكفار والمشركين ويحارب المسلمين-، وإصدار الفتاوى التي تحرم أي شيئ قد يزعزع سلطة آل سعود مثل فتوى تحريم المظاهرات.
وهناك تغييب للشعب عن شؤون السلطة مطلقاً بحيث لا يتدخل الشعب بأي طريقة في أي من شؤون الدولة، فليس له أن يشارك آل سعود في اختيار الحاكم أو في انتخاب أعضاء مجلس الشورى على الأقل، وليس من المهم أن يعرف ما يجري داخل القصر الملكي فهذا ليس من شأنه، مهمته الوحيدة هي أن ينتظر أن يأتي ملك الموت ليقبض روح الملك الحالي حتى تقوم الدولة بتنصيب ملك جديد ليبايعه الشعب “على كتاب الله وسنة نبيه”، وهنا لا تهم مبايعة الشعب فالملك سيبقى ملكاً حتى لو اعترض الشعب على تنصيبه، إلا أن هذا الأمر لازم لإلباس حكمهم ثوب الدين.
فالشعب السعودي شعب مغيب سياسياً، عمل نظام أل سعود على ضمان عدم تدخله في السياسة وفي شؤون “أرضهم” عن طريق رمي الفتات لهم لإبقاء أفواههم مغلقة، وفي المدارس والجامعات هناك قانون ينص على أنه لا يسمح لأي عضو تدريس بمناقشة مواضيع سياسية مع الطلاب وعند التقديم على وظيفة تدريسية فإنه يتم التوقيع على عدم مناقشة مواضيع سياسية وأن مناقشتها يترتب عليه فصل للمدرس.
ولا يعلم الشعب ما هيكل الدولة ولا يرون أن في ذلك داعي فالدولة أنشأت شعباً غير قادر على التفكير سياسياً، وهم لا يعلمون أن الدولة ليس لها هيكل كباقي الدول، مجرد مجموعة من الأمراء يقومون بتدبير شؤون الدولة كيف شاؤوا، وقد جاءت عبارة “دستورنا القرآن والسنة” لخداع الشعب أن دولتهم تحكم بشرع الله، فهي ربما الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لديها دستور معتبر.
فآل سعود يرون أن أرض الجزيرة العربية أرضهم وحلالهم، “وحَدها” أبوهم وهاهم الآن يرثونها من بعده، وكل ما فيها من خيرات ملك لهم يتصرفون فيه كيف شاؤوا، ولذلك تقوم الدولة بدفع مرتب شهري لكل أعضاء عائلة آل سعود من أبناء وأحفاد فهذا نصيبهم من الملك، أما الشعب فله أن ينتظر “مكرمة ملكية” من ملكهم العظيم ليتكرم عليهم بالقليل من مالهم الذي هو حقهم، فكأنه يقول للشعب هذا مالي أنا ولكني أتكرم عليكم بالقليل منه.
ولهذا يقوم آل سعود بهدم أثار جزيرة العرب وطمسها في محاولة لأن تصبح الأرض أرضهم وتاريخها تاريخهم، فبينما يتم هدم الآثار الإسلامية بحجة الشرك والبدع يحتفظون بنعال الملك عبدالعزيز في متحف قصر المصمك، وكما يحرمون الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم والتغني بصفاته ومآثره بحجة أن ذلك بدعة وغلو، لا بأس بل ربما يكون واجباً الاحتفال بتأسيس الدولة السعودية وترديد الأغاني الوطنية في الوقت الوحيد من السنة التي تصبح فيها الموسيقى حلالاً، وإقامة المهرجانات والاحتفالات بهذه الذكرى.
ويقومون أيضاً باختراع الألقاب السقيمة التي تطلق على ملوكهم مثل لقب “ملك الإنسانية” للملك عبدالله، و”ملك الوفاء” للملك سلمان، وتمتلئ الصحف بالمدح الذي يثير الاشمئزاز، والبرامج التلفزيونية بالإشادة بكل ما يصدر من ملك السعودية، وما هذه إلا محاولة يائسة منهم لغسل أدمغة الشعب ليصدقوا أنهم فعلاً ولاة أمر تجب طاعتهم.
وأخيراً فإن آل سعود قد نجحوا في جعل أنفسهم طغاة يعيثون في الأرض فساداً بينما يسخرون أموال الشعب للبروباجاندا التي يعملون من خلالها على تصوير أنفسهم كولاة أمر تجب طاعتهم دوماً وأبداً دون اعتراض أو استثناء.