السلاح الكيميائي، خط أوباما الأحمر الذي وضعه أمام بشار الأسد محذراً اياه من تجاوزه في قمعه للشعب السوري منذ بداية الثورة في آذار 2011 بات الحديث عنه أشبه بالنكتة في وسائل الاعلام الأمريكية والغربية على حدّ سواء في رسالة ضمنية من أوباما لبشار بالسماح له بالقتل بأي من الأسلحة الا الكيميائي! ، أوباما الذي وضع نفسه في موقف محرج بعد أن قتل بشار الأسد أكثر من 100 ألف من الشعب السوري بشتّى الوسائل، لم يتورع هذا الأخير عن استخدام السلاح الكيميائي ليقتل 1400 آخرين في ريف دمشق في ساعة واحدة على مرأى العالم وتوثيق لجنة الأمم المتحدة بتقريرها الأخير، ثم أتبعهم بـ 3000 آخرين منذ استخدام الكيميائي قبل ثلاث أسابيع حتى هذه اللحظة.
حتى بعد أن أعلن أوباما توجيه ضربة عسكرية دولية للنظام السوري وتحريك قوات دولية في مياه الأبيض المتوسط والخليج العربي ومطارات قبرص العسكرية وغيرها، جاءت المبادرة الروسية لتدفع بالأسد اعلانه التخلي عن مخزونه الكيميائي مقابل تجنيب نظامه الضربة العسكرية، الذي قال عنه الأسد في حديثه الأخير لفوكس نيوز بأنه يكلف مليار دولار و يحتاج عاماً على الأقل، مما يعني فتح سوق دوليّة زاخرة بالأرباح للشركات التي سوف تحصل على عقود تدمير السلاح الكيميائي السوري على غرار ما حدث في ليبيا.
مجلة الفورين بوليسي كانت قد نشرت تقريراً أوضحت فيه مدى شغف الشركات بالحصول على عقود تدمير السلاح السوري لما فيه من أموال طائلة، على سبيل المثال جوليانو بوركاريو الذي أمضى عقوداً من السفر بين موطنه ايطاليا وليبيا حيث تملك شركته عقوداً هناك لتدمير المخزون الليبي من الأسلحة الكيميائية منذ أيام الرئيس السابق معمّر القذافي يتمنّى أن تحظى شركته بعقود لتدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا كذلك، حيث ان الكميات أكبر وبالتالي مرابح أكثر بأضعاف ولكنه متخوف بعض الشيء من المخاطر في سوريا والتي تفوق ليبيا بمراحل خصوصاً في الوضع الراهن، ويضيف جوليانو: ” بالطبع أتمنى أن تحصل شركتي على عقد في سوريا حيث انه نفس العمل الذي نقوم به في ليبيا، ولكن الوضع في الوقت الراهن خطير جدآً، هل تعتقد أني أريد أن اقتل هناك لأجل الحصول على عقد ؟ لا شكراً “.
ويضيف التفرير بأن نجاح المبادرة الروسية بموافقة النظام السوري على وضع سلاحه الكيميائي تحت اشراف المجتمع الدولي وتدميره يعدّ انتصاراً سياسياً للروس، ولكن في ذات الوقت تدمير الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد لن يتم عبر الادارة الأمريكية أو الروسية وانما عبر شركات متخصصة مثل شركة جوليانو التي سوف تجني أموالاً طائلة في حال حصولها على هذي العقود، مما يجعل حجم الاقبال على عقود تدمير سلاح سوريا الكيميائى يخلق سوقاً مزدهراً آخر في الشرق الأوسط لهذه الشركات التي سوف تعمل جاهدة للحصول على هذه العقود في صناعة قليلة الطلب كثيرة الأرباح.
تدمير الأسلحة الكيميائية يدخل في عملية معقدة تبدأ بفكّ المواد الكيميائية عن الرؤوس الحربية للصواريخ المخصصة لحمل تلك المواد لتصل الى أهدافها، بعد ذلك يتم التخلص من المواد الكيميائية ذاتها وابطال مفعولها بطريقتين، اما برشها في أفران خاصة وحرقها لثانية واحدة أو اثنتين في درجة حرارة تصل الى 2000 فهرنهايت، أو باضافة مواد كيميائية أخرى لها تبطل مفعولها أو تقلل آثارها الضارة مثل سائل هيدروكسيد الصوديوم أو غاز الخردل.
ويقول بول ووكر وهو خبير في من الحد من التسلح ومنه الانتشار النووري في منظمة الصليب الأخضر الدولية : ” لقد ناقشت عدداً من مقاولي نزع الأسلحة الكيميائية وهم بالفعل متحمسون للعمل في سوريا ، قليلة هي البلدان التي بحاجة لهذا النوع من العمل”، ويعتقد ووكر وغيره من الخبراء بأن تدمير مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية أصعب من ليبيا بكثير وأكثر كلفة كذلك، الشركات التي ستقبل بالمخاطرة بالعمل في منطقة حرب كسوريا ستكسب كثيراً بالطبع، لكن النجاح في الجهود الدولية لاجبار الاسد على التخلص من اسلحته الكيميائية سيتعتمد في درجة كبيرة على حجم الشركات القابلة للدخول في هذه اللعبة.