في الألفية الثالثة الماء هو الحياة والسياسة هي الماء

“وضع مائي محرج في العالم العربي” هكذا يصفه الخبراء بناء على معطيات الواقع. إذ تُدّق أجراس الخطر منذ سنة 2011 بالتحذير من وضع المياه في العالم العربي بأنّ السنة الجارية ستكون “تحت خط الفقر المائي”. و تقام الندوات و القمم و سياسات توضع من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثروة مائية تتبدد بين تلوث من صنع الإنسان وعوامل طبيعية شحيحة.
قمة عالمية للمياه و طاقة المستقبل نظّمت في أبوظبي الشهر الماضي تطرقت لعدة مواضيع من أهمها ترابط المياه بالغذاء.
أصبحت المياه سلعة إستراتيجية في الشرق الأوسط مع بداية الألفية متجاوزة بذلك أهمية النفط و الغذاء. فلا حياة دون ماء.مخاطر محدقة بسلعة يقول خبراء أنها محل صراع مائي في عدة مناطق تتركز في أربعة أحواض لأنهار (النيل-الفرات-الأردن-الليطاني) و أما دول الخليج فهي بين مطرقة التكلفة الباهظة لتحلية المياه بسبب ندرة المياه الباطنية و سندان الإسراف والهدر في ظل معدلات عالية للإستهلاك.
يعتبر معدل 1000 متر مكعب من المياه المتجددة متوسط نصيب الفرد من الماء حسب المنظور العالمي أما إقليميا فينخفض إلى حدود 500 متر مكعب للفرد الواحد, فهو يعتبر معدلا مناسبا للمناطق الجافة و شبه الجافة أو القاحلة و منها منطقة الشرق الأوسط عامة و المنطقة العربية بشكل خاص. وباستخدام هذا المعيار للحكم على مستوى كفاية الموارد المائية قامت الأمم المتحدة بتقدير عدد البشر الذين يعانون من أزمة نقص المياه في العالم. وقد ذكرت تقارير مختصة أن عددهم سوف يزيد من 132 مليون نسمة عام 1990 إلى حوالي 404 مليون نسمة عام 2025 يتركز معظمهم في إفرقيا و أجزاء من غربي آسيا.مصر على سبيل المثال يتوقع أن يبلغ نصيب الفرد من المياه المتجددة بين 398 و 644 متر مكعب سنويا في عام 2050.
تعتبر مصادر المياه العذبة على الأرض محدودة للغاية، فهي إما تكون في صورة مياه جوفية أو في صورة مياه سطحية أو في النهاية مياه في الغلاف الجوي فرغم قلة هذه المصادر يعمق التلوث الأزمة في العالم العربي.
تتعرض المصادر المائية في العالم العربي لنوعين من التلوث: النوع الأول هو التلوث الطبيعي، ويظهر في تغير درجة حرارة الماء، أو زيادة ملوحته، أو ازدياد المواد العالقة. والنوع الآخر هو التلوث الكيميائي، وتتعدد أشكاله كالتلوث بمياه الصرف و التسرب النفطي و التلوث بالمخلفات الزراعية كالمبيدات الحشرية و المخصبات الزراعية.
إضافة إلى التلوث فقد أصبحت الكثافة السكانية هي الأعلى في العالم العربي من حيث النسبة, فمن المتوقع أن تصل إلى 735 مليون نسمة عام 2030 مقابل 221 مليون نسمة عام1991.
و تغيير مناخي يعصف بالعالم أجمع فبحلول نهاية هذا القرن ستشهد الدول العربية إنخفاضا بنسبة 25 بالمائة في سقوط الأمطار و زيادة نسبة التبخر ب 25 بالمائة وفقا لتقرير المنتدى العربي للبيئة و التنمية. كما حذّر المنتدى سنة 2011 في قمة “عين على الأرض” و التي عقدت في أبوظبي أن معدل حصة الفرد العربي من المياه العذبة سيهبط إلى ما دون 500 متر مكعب سنة 2015، وهو ما يعتبر ندرة حادة.
إشكالات السياسة في الشرق الأوسط ساهمت في تعقيد الأزمة. و يمكن القول أنّ لا حل لمشكلة المياه دون حلحلة المشاكل السياسية أولا. مياه نهر الفرات على سبيل المثال و الذي ينبع من تركيا و يمر بسوريا و العراق أحدث خلافا بأحقية إمتلاك النصيب الأكبر من المياه.إذ أظهر مسح أعده الجهاز المركزي للإحصاء التابع للحكومة العراقية، أن أكثر من 21% من سكان المدن لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، وتزيد النسبة لتصل إلى 40% في الريف، علاوة على ذلك شهدت المنطقة انخفاض الأراضي الصالحة للزراعة بمقدار الثلث. ومن جانب آخر تحظى تركيا بالقسط الأوفر من المياه فسد أتاتورك من أهم السدود في تركيا وقد صادر أكثر من 60 بالمائة من مياه الفرات.
من جهة أخرى تتحكم إسرائيل بجزء مهم من مياه دول الطوق العربي.و الأردن هي المتضرر الأول من هذه الهيمنة المائية إذ يعتبرالأردن من أفقر دول العالم مائيا، حيث تبلغ حصة الفرد فيه 150 مترا مكعبا سنويا فقط، ويعاني من عجز حوالي 500 مليون متر مكعب من المياه، أي حوالي ثلث حاجته منها.
ومن الجيد استحضار كلمة قالها الأمين العام الأسبق للجامعة العربية الدكتور عصمت عبد المجيد في مؤتمر للأمن المائي في القاهرة جاء فيها: “إن قضية المياه في الوطن العربي تكتسب أهمية خاصة نظراً لطبيعة الموقع الاستراتيجي للأمة العربية، حيث تقع منابع حوالي 60% من الموارد المائية خارج الأراضي العربية، مما يجعلها خاضعة لسيطرة دول غير عربية، وما يزيد الأمر تعقيداً يكمن فيما يعانيه الوطن العربي من فقر مائي يصل في وقت قريب إلى حد الخطر مع تزايد الكثافة السكانية وعمليات التنمية المتواصلة”
يقترح خبراء عدة حلول منها تحلية المياه وتقنية معالجة مياه الصرف الصحي. أما تحلية المياه فهي مكلفة للغاية بالنسبة لدول العالم العربي أكثر من نصفها يعاني من مشاكل إقتصادية خانقة. وتعتمد دول الخليج تحلية المياه فعلى سبيل المثال تمثل مياه البحر المحلاة اكثر من 75% من المياه المستخدمة بينما ترتفع النسبة إلى 95% في دولة الكويت. وتوقع بعض الخبراء أن تبلغ حاجة دول الخليج بحلول عام 2030 حوالى 170 مليار متر مكعب من المياه، في الوقت الذي توفر فيه مرافق تحلية مياه البحر حاليا 1.8% من إمدادات المياه.
سنة 2015 هي السنة التي لطالما حذرت المنظمات و الحكومات أنها بداية سنوات عجاف قادمة .. شعوب العالم العربي لا تقدر ما يمكن أن يسبّب نفاذ مصادر المياه الصالحة للإستعمال البشري إلاّ عند حلول الكارثة, يقول القائمين على تخطيط الموارد المائية أنه دون تكاتف الجهود و ترشيد الإستهلاك الذي من شأنه تخفيف الأزمة لن تكون الخمس أعوام القادمة هينة.