الصورة: القيادي الديني الدرزي، موفق طريف، في زيارة إلى جنود البحرية الإسرائيلية
بعد مقتل اثنين من الدروز في هجوم فلسطيني على معبد يهودي بالقدس في نوفمبر الماضي، بدأت حملة احتفاء بالدروز وبتضحياتهم من أجل المشروع الصهيوني، أو هكذا حاول البعض أن يصوّر الأمر في استغلال واضح للهجوم من قِبَل الدولة الإسرائيلية، والتي تدّعي وجود علاقة وطيدة بينها وبين الدروز، البالغ تعدادهم 130،000 داخل إسرائيل، من أصل حوالي مليون إلى اثنين في منطقة الهلال الخصيب.
“أنتم من لحمنا ودمنا، وركن رئيسي من المجتمع الإسرائيلي،” هكذا خاطبهم رئيس الوزراء نتنياهو بعد الهجمات، بيد أن هذه الكلمات الزائفة، والتي لا تتفق ومواقف نتنياهو العنصرية، لم تعد مقنعة للدروز الإسرائيليين، والذي يعارضون بقوة مشروع قانون الدولة اليهودية، والذي يعرّف إسرائيل باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي، بالإضافة احتوائه على بند إلغاء اللغة العربية كلغة رسمية في بعض الصيَغ المقترحة للقانون.
ليس أدل على غضب الدروز المتنامي من تصريحات مراد سيف، أخو الشرطي الدرزي المقتول زيدان سيف، لمحطة “إسرائيل راديو” الإذاعية، والتي قال فيها بأنه سيُثني إخوانه الدروز عن الالتحاق بقوات الدفاع الإسرائيلية حال تمرير القانون، وانتقادات بهيج منصور، سفير إسرائيل الدرزي في جمهورية الدومينيكان لتمرير هكذا قانون عنصري في مقالة نشرتها صحيفة هآرتز.
بدوره، اقترح داني دانون، عضو الكنيست عن حزب الليكود ونائب وزير الدفاع أن يتم تعديل القانون ليشتمل على إجراءات واضحة لحماية الدروز، والذين يضطلعون بدور كبير في المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، حيث تُعَد نسبة المجندين في الجيش الإسرائيلي بين الدروز أعلى من نظيرتها بين اليهود — يلتحق 83٪ من الدروز بالجيش، مقابل 75٪ من اليهود.
أرفض.. شعبك يحميك!
في مارس 2014، انطلقت حركة “أرفض، شعبك يحميك” بقيادة مجموعة من الشباب الدروز الرافضين للخدمة العسكرية، والذين يقودون حملة لتوعية الدروز بهويتهم، كما يقول علاء مهنّا، أحد مؤسسي الحركة، والذي صرّح بأن إسرائيل تستخدم الدروز لتفرّق أعداد المواطنين العرب وتستطيع التحكّم فيهم بسهولة، حيث قررت عام 1962 اعتبار الدروز إثنية مستقلة عن بقية العرب، وأصبحت بطاقاتهم القومية تقول بوضوح أنهم دروز لا عرب، “نحن عرب.. نتكلم العربية وتراثنا الديني بالعربية.. ما تفعله إسرائيل مجرد عبث..”
لا يصر مهنّا فقط على أن الدروز عرب، بل على أن دروز إسرائيل تحديدًا فلسطينيين، وهي خطوة شديدة الجرأة بالنظر للأجيال الأكبر سنًا من الدروز، والتي نشأت على توطيد علاقتها بالمشروع الصهيوني والابتعاد عن العرب نوعًا ما، ولكنها خطوة تجذب الكثير من الشباب، والذين أقنع منهم مهنّا خمسة بعدم الالتحاق بالجيش، رُغم دعم عائلاتهم المعروفة لإسرائيل.
“أنا أرفض التجنيد الإجباري لأنني لن أحمل السلاح ضد أهلى وشعبي، ولا ضد أي إنسان في الحقيقة.. أنا ضد الاحتلال بكافة أشكاله،” هكذا قال عُروة سيف، الدرزي البالغ 18 عامًا، والذي سار على درب إخوانه الثلاثة وقدّم نفسه للحبس مدة 20 يومًا، وهي العقوبة التي يقضيها كل من يرفض الخدمة العسكرية، وغالبًا ما تتكرر، حيث قضى عمر سعد، الدرزي الذي كتب على الإنترنت خطاب رفض الخدمة العسكرية لرئيس الوزراء عام 2013، سبعة من مُدَد الحبس هذه والتي تبلغ كل منها 20 يومًا.
يقول قيس فارو، الأستاذ بجامعة حيفا، أن إسرائيل تحاول الترويج لسياستها تجاه الدروز بحُجة أنهم هم من طلب الانضمام للجيش، طبقًا لاتفاق بينها وبين قيادات درزية عام 1956، ولكن الحقيقة هو أن أغلبهم كان يرفض الخدمة آنذاك، وأن العديد من القيادات الدينية الدرزية التي رفضت تعرّضت للاعتقال والقمع، “إنني سعيد أن أرى حركة كهذه لأول مرة ضد الخدمة العسكرية بين كافة الأقليات الفلسطينية.. والتي حاولت إسرائيل مرارًا التفرقة بينها.”
على الناحية الأخرى، لا تزال هناك أصوات كثيرة بين الدروز تتهم هؤلاء بالتطرف، وتصر على توطيد التعاون الوثيق مع الدولة الإسرائيلية، أبرزها رجل الدين، شيخ موفّق طريف، قائد الدروز الديني، والذي صرّح بأن العناصر المعادية للتجنيد في أوساط الشباب الدرزي لا يهمها سوى كسر التحالف بين الدروز وإسرائيل، ويشارك باستمرار في المناسبات الرسمية السياسية والعسكرية.
من ناحيته، يأمل مهنّا أن ينجح في توطيد العلاقات بين الدروز وبقية العرب، لا سيّما وأن نظرتهم للدروز ليست جيدة بالنظر لمواقف الكثير منهم مدار العقود المنصرمة، إذ لا تزال تنشب شجارات في أحيان كثيرة بينهما نظرًا لاعتقاد البعض بأن الدروز خونة ومتعاونون مع الصهاينة.
الدروز في الجولان
إلى الشمال من منزل مهنّا في الجليل، يعيش دروز مرتفعات الجولان المحتلة، ويواجهون وضعًا أكثر تعقيدًا، إذ أن إسرائيل لم تمنحهم، كما فعلت مع بقية العرب في المنطقة، الجنسية الإسرائيلية، ولكن أعطتهم إقامات دائمة فقط.
يقول مراي تيسير، مدير منظمة الجولان لتنمية القرى العربية، والذي يعيش في مجدل شمس، واحدة من خمس قرى درزية في هضبة الجولان، أن الكثير من الأُسَر تفرّقت بعد احتلال الهضبة وانفصالها عن سوريا، وأن الكثير من أقاربه لا يزالون بسوريا، ولم يخفف عنهم سوى الإنترنت، الذي يعينهم على التواصل، بعد أن كان التواصل في السابق يتم عبر “وادي الدموع” كما يُعرَف، والذي يفصل قرى الجولان عن بقية قرى سوريا، وكانت العائلات تصرخ عبره لتطمأن على أقاربها على الناحية الأخرى.
مثل الكثيرين هنا، يرفض تيسير الاعتراف بالسيطرة الإسرائيلية، ويقول بأن مجدل شمس جزء من سوريا بانتظار تحريرها من الاحتلال الواقع عليها، وأن دعاوى إسرائيل بأنها دخلت الجولان لدواعٍ أمنية فقط دعاوي مضحكة، بالنظر للمستوطنات التي تبنيها كما تفعل في الضفة، وأعداد السوريين التي تم تهجيرها، والتي انخفضت من 130،000 في 139 قرية قبل عام 1967، ووصلت إلى 20،000 اليوم في خمس قرى فقط.
بينما تنقلّنا بالسيارة عبر مرتفعات الجولان، رأينا بقايا الحياة التي كانت تدب هنا في القرى السورية، والتي لم يتبقى منها سوى الركام، بالإضافة إلى المساجد والكنائس المدمّرة والخالية، وهي حياة تم استبدالها بـ33 مستوطنة إسرائيلية تأوي حوالي 18،000 إسرائيلي، تاركة للعرب 5٪ من الأرض ليتحكمّوا فيها، مقابل سيطرة المستوطنين على بقية الجولان.
يقول تيسير أن الدروز قرروا زرع أشجار التفاح على بعض الأراضي التي امتلكوها ليستطيعوا إثبات ملكيتهم لها، ولحمايتها من وضع اليد الإسرائيلي الذي طال غيرها، بيد أن المياه هنا قد تكون أهم من الأرض، بل وربما تكون واحدة من أهم دوافع الاحتلال الإسرائيلي، كما يشير، لا سيما وأن غالبية الأراضي في إسرائيل جافة، بينما تستقبل الجولان حوالي متر ونصف من الأمطار سنويًا، وهو ما تستخدمه إسرائيل لتزويدها برُبع احتياجاتها من الماء.
بدورهم، يعاني الدروز من التحكّم المحدود والمقيّد في مصادر المياه، حيث منعتهم السطات من الحصول على المياه من بحيرة رام بين عامي 1967 و1990، وهي البحيرة الطبيعية الوحيدة في الجولان، في حين سمحت للمستوطنين القاطنين على بعد أميال بكافة المميزات.
تباعًا، قرر الدروز بناء خزانات لجمع مياه الأمطار عام 1984، وبعد نجاح مشروعهم، والذي وصل إلى 650 خزان في ثلاث سنوات، بدأت السلطات في المطالبة بالحصول على تصاريح لبناء الخزانات، بل وحاولت فرض ضريبة على المياه التي حصل عليها الدروز من الخزانات بدعوى أن مياه الأمطار في الجولان ملك للدولة (!)، وهي محاولة باءت بالفشل في النهاية، بيد أن بناء الخزانات قد توقف تقريبًا منذ عام 1986 نظرًا لصعوبة الحصول على التصاريح، ورُغم أنهم يحصلون على المياه بشكل أيسر الآن، إلا أنهم يدفعون ثلاثة أضعاف ما يدفعه اليهود، بالإضافة إلى حصول المستوطنات على تسعة أضعاف المياه التي تصل للدروز، كما يقول تيسير.
الصورة: قرية مجدل شمس الدرزية المُحتلة بالجولان، وفي الخلفية الأراضي السورية
يعتقد تيسير أنه سوري، ولا يكن أي ولاء لإسرائيل رُغم محاولاتها المستمرة استمالة الدروز، وهي محاولة صعبة في الجولان بطبيعة الحال، وليست يسيرة كما هي مع دروز إسرائيل، والذين لن يكون سهلًا جذبهم لخطاب “أرفض” الذي يقوده مهنا والشباب الدرزي نظرًا لتمتعهم بالكثير من المزايا جراء الانتماء لإسرائيل، أضف إلى ذلك ما يُعرَف عنهم تاريخيًا بموالاة النظم الحاكمة، وهو ما يفعلونه كذلك مع بشار الأسد في سوريا.
في جميع الأحوال، يتوقع كثيرون أن تنخفض نسبة الدروز في الجيش بتصاعد الغضب بين الشباب الدرزي، لا سيما مع خطاب الليكود اليهودي العنصري وسياسات نتنياهو، وهو أمر سيتزايد إذا ما نجح في الاحتفاظ بمنصبه في الانتخابات المُزمَع إجراؤها في مارس المقبل.
المصدر: واشنطن ريبورت، الجزيرة الإنجليزية