ترجمة وتحرير نون بوست
تم انتخاب بنيامين نتنياهو من قِبل عدد كاف من المواطنين الإسرائيليين للعمل لفترة معينة رئيسًا لوزراء إسرائيل، ولكن الشعب اليهودي بالمجمل لم ينتخبه للقيام بأي شيء، وهذه المهمة التي اُنتخب للقيام بها كرئيس لوزراء إسرائيل، لا تخوله أي سلطة بمواجهة بقية يهود العالم، وعلى خلاف ما يدعيه نتنياهو من أنه زعيم للشعب اليهودي، فإنه بالحقيقة ليس كذلك حتمًا.
بعد يوم من الهجوم الأخير على كنيس كوبنهاغن، سارع نتنياهو لحث اليهود في المهجر للانتقال إلى إسرائيل، وعمد أيضًا إلى القيام بذات الحركة بعد يوم من الهجوم على متجر كوشير في باريس قبل بضعة أسابيع، قول نتنياهو إن “اليهود ينتمون إلى إسرائيل” أثار حفيظة رئيس فرنسا ورئيس وزراء الدنمارك وقادة أوروبيين آخرين، كما أغضبت هذه التصريحات أيضًا عددًا من قادة الجاليات اليهودية الأوروبية، وهؤلاء جميعهم محقون في انزعاجهم وغضبهم.
لا يندرج ضمن مهام رئيس الوزراء الإسرائيلي لوم أو توجيه اليهود المنتشرين في أنحاء العالم، وبدلاً من ذلك ينبغي عليه معالجة المشاكل في بلده، التي اُنتخب فيها ليمارس مهامه ضمنها، ويجب عليه ممارسة مهامه بشكل أفضل لجعل بلاده مكانًا آمنًا وعادلاً – ربما – لجذب تدفقات أكبر من يهود الخارج، وفي هذا الوقت يجب علينا أن نتذكر أن أكثر من نصف يهود العالم اختاروا بناءً على حريتهم الخاصة عدم الهجرة إلى دولة اليهود، وهؤلاء بالتأكيد لهم أسبابهم الفردية والشخصية، التي قد لا تتواءم مع الخيارات بالهجرة الجماعية إلى إسرائيل.
تأسست إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وكانت ملجأ للكثير من اليهود، بما في ذلك الناجين من المحرقة اليهودية “الهولوكوست”، ولكن للأسف، تبين بالمحصلة أن هذا الوطن أصبح أخطر مكان في العالم بالنسبة لليهود اليوم؛ فمنذ تأسيس الدولة بعد ثلاث سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية والمحرقة، قُتل من اليهود في إسرائيل أكثر مما قُتل في أي مكان آخر في العالم، وذلك إما نتيجة للحروب أو للإرهاب؛ وبالتالي فإن دعوة يهود الخارج للهجرة إلى إسرائيل حفاظًا على سلامتهم، هي دعوة زائفة ومضللة بلا أدنى شك.
علاوة على ذلك، فإن إسرائيل نتنياهو تضع يهود العالم في خطر، كون بعض الكراهية الموجهة ضد اليهود خارج إسرائيل تتم تغذيتها – جزئيًا – نتيجة لسياسات دولة إسرائيل، وخاصة المتعلقة باستمرار الاحتلال وإساءة معاملة الشعب الفلسطيني عقدًا بعد عقد؛ ففي العديد من البلدان، يتم تعريف المؤسسات اليهودية المحلية على أنها إسرائيلية، ومع استمرار سياسات الحكومة الإسرائيلية الخاطئة، يصبح اليهود في تلك الدول أهدافًا للسياسات المعادية لإسرائيل، وعلى الرغم من أننا لا ننكر وقوع الاستهدافات نتيجة لمعاداة السامية أيضًا، ولكن يجب على إسرائيل وقف توليد الأعذار بسياساتها الخاطئة لمرتكبي هذه الجرائم.
ربما يعمد اليهود لاتخاذ القرار بالهجرة إلى إسرائيل انطلاقًا من شعورهم بضرورة تحديد الهوية والانتماء، أو لتحديد هدفهم ومهمتهم في الحياة، أو هربًا من الاضطهاد، أوانطلاقًا من الرغبة في العيش بين اليهود، أو لتحسين وضعهم الاقتصادي، أو لأي سبب آخر، ولكن أن يقوم اليهود بالانتقال إلى إسرائيل للبحث عن ملجأ آمن، فهذا السبب ببساطة ليس عقلانيًا، كون الانتقال إلى إسرائيل بالنسبة لليهودي أكثر خطورة من عيشه في باريس، فاليهود الذين تمت مهاجمتهم في القدس أكثر بكثير ممن تم استهدافهم في فرنسا.
رئيس الوزراء نتنياهو لم يفعل أي شيء يذكر لدرء وتقليل المخاطر التي يواجهها اليهود في القدس وفي بقية أنحاء اسرائيل التي يمارس سلطته عليها، وهو بالتالي ليس له الحق في التبجح لحث يهود العالم لإنقاذ أنفسهم من خلال قدومهم إلى إسرائيل، ودعونا نضع في اعتبارنا أيضًا أنه لا يوجد أي طائفة يهودية في العالم تصنف نفسها اليوم على إنها تواجه تهديدًا أصيلاً أو فوريًا يحوق بوجودها.
إن دعوة نتنياهو ليهود الخارج للقدوم إلى إسرائيل هي دعوة مشينة لأسباب أخرى أيضًا؛ فإسرائيل اليوم ليس لديها مقومات حقيقية لتقدمها لليهود الباحثين عن مكان للعدل والمساواة والديمقراطية، بل على العكس من ذلك، إسرائيل لا تقدم سوى مكان للحياة الآيلة إلى التدهور، ليس فقط من حيث السلامة الشخصية، ولكن أولاً وقبل كل شيء تدهور القيم التي تأسست عليها الدولة.
الاحتلال والتمييز ضد الأقليات والعنصرية والعنف والسياسات المهينة تجاه طالبي اللجوء الأفريقيين والتشريعات القومية المناهضة للديمقراطية، جميع هذه الممارسات تجعل من الصعب على اليهود المتنورين اختيار إسرائيل على أنها وطنهم الجديد، كما أن نبذ وعزلة إسرائيل من قبل العالم، تجعل منها وجهة غير جذابة للمهاجرين اليهود من جميع أنحاء العالم، ونتنياهو الذي يعتبر مسؤولاً عن بعض من هذه الديناميات التي أدت إلى هذا التدهور، هو نفسه الذي يوجّه في هذا الوقت دعوة لليهود للهجرة إلى إسرائيل المتدهورة.
بجميع الأحوال، فإن يهود أوروبا – كاليهود في أي مكان آخر من العالم – لا يعتبرون أنفسهم ضيوفًا في بلدانهم، فهم يعيشون فيها منذ أجيال، وهم مندمجون بشكل ممتاز في مجتمع بلادهم واقتصاده وثقافته، ويعتبرون أنفسهم جزءًا لا يتجزأ من بلدانهم، البعض فقط – وربما القلة القليلة – هم من يهتمون بإسرائيل ومستقبلها.
وهنا يأتي نتنياهو، في محاولة لفصل هذا التلازم ما بين يهود العالم وبلدانهم، حيث يعمل على الطعن بوطنيتهم على حساب يهوديتهم، فإذا كان اليهود ينتمون إلى إسرائيل كما يزعم نتنياهو، فهم ليسوا سوى ضيوف عابرين في بلدانهم، وإذا كانوا ينتمون إلى إسرائيل، فإن ولائهم لأي مكان آخر في العالم هو ولاء جزئي ومنقوص؛ وهذا الوضع أدى إلى إثارة تساؤلات وشكوك خطيرة؛ فإذا كان اليهود ينتمون إلى إسرائيل، فإن انتماءهم لبلدانهم – كما ولائهم – مقسوم ومنقوص.
معظم يهود أوروبا لا يرغبون بتصوير الأمور على هذا النحو الذي عرضه نتنياهو من خلال تصريحاته، كما أن أوروبا لا تنظر إليهم بهذه الطريقة، نتنياهو يهدد الوضع الراهن ليهود العالم، والمتثمل بكونهم مواطنين ذوي حقوق متساوية في مختلف البلدان التي ينتمون لها.
إسرائيل هي حقيقة ثابتة وواقعة، ولكن وجودها الحقيقي أضعف من الدعاية الإسرائيلية التي تروج لإسرائيل على أنها أرض الأحلام والميعاد، فإذا أراد اليهود الهجرة إلى إسرائيل، سيتم استقبالهم بكل سرور، وهذا في الواقع يناقض بشكل مقيت رفض إسرائيل استقبال الفلسطينيين المولودين في فلسطين والذين تم نفيهم من بلدهم وهم لا يستطيعون العودة إليها الآن، كما يتنافى مع العنصرية التي تمارسها إسرائيل في مواجهة طالبي اللجوء الأفريقيين والذين أغلقت بابها دونهم بإحكام؛ هذا ما يجعل محاولات مد النفوذ الإسرائيلي إلى ما بعد البحار لتقريب المسافات بين اليهود وحثهم على الهجرة إلى إسرائيل، عبارة عن محاولات بدائية وخرقاء ليس إلا.
المصدر: ميدل إيست آي