تعددت المحطات لجيل عراقي جديد في مسيرة الشتات العربي، تبرز مشكلة الشباب المغتربين هناك في شمال الكوكب، ممن دفعت بهم ويلات الحروب العراقية منذ عام 2003 أو قبل ذلك، مرورًا بعام 2006، وصولاً إلى آخر محطات الهجرة لعام 2014، فملايين العراقيين من مختلف الأجيال والطبقات هجروا بلدهم خشية الصراع المحتدم فيه.
فضاءات الجيل العراقي الجديد، في محطات هجرته وشتاته تختلف كثيرًا عن فضاءات من هو في داخل الوطن، ففي وطنهم تتنوع الفضاءات واللقاءات بين الأصحاب في أماكن متعددة ولكل جيل ما يحب، بينما في المهجر كل ما يملكه هذا الجيل هو مقهى يجتمع فيه رفاق الدرب من الشباب، أو حديقة عامة يلتقي فيها الأصدقاء والأقرباء من الشبيبة والفتيان!
تتأثر الغالبية الساحقة من شباب هذا الجيل بالمجتمع الأوروبي الذي يعيشون فيه، ببعض جوانبه السلوكية في المظهر والسلوك فقط!
فيمكن للمتابع أن يرى أثر التغيير على هذا الجيل بمجرد اللقاء بأحد منه في مقهى أو في حديقة عامة، فمن شاب هاجر خوفًا من ويلات الحرب وهربًا من القصف وبحثًا عن العمل ولقمة العيش، إلى شاب في مقهى أو حديقة عامة لا هم له ولا مشروع يحتويه! ومن “مواطن عادي” هاجر لذات السبب، إلى موظف ومهندس وطبيب يجمعهم الشتات في أرض المهجر دون هدف أو مشروع عراقي عربي، إنما لقمة العيش والأمن فقط!
ومن جيل واع ومثقف في الجامعات العراقية العريقة، إلى جيل مشتت لا إطار جامعًا له، بسبب ضياع الوطن وخراب الأرض، ومن جيل معزول مستضعف اجتماعيًا خائف من الحروب وويلاتها إلى جيل يدب الأرض في الشوارع الأوروبية!
ومن شاب يعمل طوعًا وحبًا في الحيز العام، إلى “قفاص” ماهر يستغل حاجة بني جلدته في أرض الغربة، ومن فتى في ريعان شبابه تائه في وطنه إلى سمسار يهرّب الشباب إلى أوروبا بشتى الوسائل والحيل!
ومن شباب في مجتمع محافظ يعيش حياة عربية أصيلة، إلى شباب في مجتمع بطبائع أوروبية. ومن “فضاءات” الوطن العربي، في العراق إلى “فظاعات” المهجر في دول أوروبا المترامية! ومن هنا وهناك، صفات ووقائع أخرى.
إذن، إنه تغَير هائل ونقلة نوعية كبيرة على الأصعدة كافة، هو تغير جيل يجلب الانتباه، فـ “فضاءات” بعضنا أصبحت للأسف “فظاعات”، فبعد أن كان الشباب العراقي معتادًا على نسق علاقة بالحيز العام نشأت معه منذ الصغر، فإذ به يفيق على نفسه في فضاء مستجد غريب بفعل من عاثوا طغيانًا وطائفية في فضائه الوطني حيث منبته.